إيران: من ولاية الفقيه إلى ولاية العسكر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ظافر محمد العجمي
"كان الأكثر إثارة للعجب حالات الارتداد والتحولات المفاجئة في الولاءات. وفي تلك الأيام، تجلت في كل مكان الانتهازية كطبيعة بشرية أساسية".
كانت تلك كلمات القاضية الإيرانية شيرين عبادي الفائزة بجائزة نوبل للسلام 2003 لنشاطاتها في الدفاع عن حقوق الإنسان في كتابها الصادر حديثا "إيران تستيقظ" وهي تصف حالة الشارع الإيراني في فجر الثورة الإسلامية 1979 عند هروب الشاه محمد رضا بهلوي.
وبدلاً من إرثنا الخامل المثقل بردود الأفعال، وبدلا من الشعور بالسفه الذي يدعو إلى الندم، ما أحوجنا في الخليج العربي لاستذكار دروس الارتداد والتحولات المفاجئة في الولاءات التي تحدثت عنها شيرين عبادي في إيران مع ظهور مؤشرات قوية على تعاظم منزلة حرس الثورة الإسلامية والمعروف باسم حرس الباسداران أو حرس الثورة، وإمكانية انتقاله كمحرك وحيد لسياسة الدولة بدل المرشد الأعلى وبقية الهياكل السياسية هناك. لقد أضاف قرار مجلس الأمن رقم 1929 كيانات جديدة يسيطر عليها جهاز الحرس الثوري الإيراني إلى قائمة المقاطعة. وبعبارة أوضح حظر القرار التعامل مع الحرس الثوري الإيراني بعد شعور صناع القرار في العواصم الغربية المناوئة لطهران بتعاظم حجم ذلك الوحش، بل وتحوله إلى آلة عابرة للسلطات، متكئا على أهم محركين للأحداث وهما القوة العسكرية والقوة الاقتصادية.
وفي جارتنا العزيزة جمهورية إيران الإسلامية ينوب قائد الثورة الإسلامية سماحة آية الله السيد علي الخامنئي وهو الولي الفقيه عن الإمام الغائب في قيادة الأمة وإقامة حكم الله على الأرض. لكن ماذا يملك السيد علي الخامنئي غير الخضوع التلفزيوني من قبل محمود أحمدي نجاد؟ في الوقت الذي باتت فيه الأذرع الاقتصادية للحرس الثوري تتحكم بحوالي الـ30 بالمائة من الناتج الإجمالي القومي لإيران.
لقد حرص سماحة آية الله الخميني على إنشاء جيش احتياطي من الموالين لولاية الفقيه في بداية الثورة، وبموجب المادة 147 من الدستور صار للحرس الثوري حق تقديم الخدمات الاجتماعية والصناعية في زمن السلم، وبحجة إعادة الإعمار بعد الحرب قام الباسداران بالاستحواذ على المفاصل الاقتصادية في إيران من خلال مؤسسة "خاتم الأنبياء" المسؤولة عن مشاريع الإعمار، والتي تحولت إلى مجموعة (GHORB) الاستثمارية التي تمتلك 800 مؤسسة في كافة القطاعات المدنية والعسكرية، كما استحوذت مجموعة "اعتماد موبن" على %51 من شركة الاتصالات الإيرانية وباتت تدير اتصالات إيران كلها. أما شركات الهندسة التابعة للحرس الثوري فتدير قطاع البتروكيماويات، ومشروع جنوب فارس للغاز الطبيعي. ويدير فرع الإنشاء التابع للحرس الثوري عمليات بناء وتحديث مطار طهران الدولي بعد طرد الشركة التركية التي كانت تنفذ العمل. وينشئ الحرس الثوري الطرق السريعة وأنظمة الاتصالات. دون أن ننسى الجهد الكبير لحرس الثورة في نشاط تصنيع الأسلحة البرية والطائرات وبرنامج الصواريخ والغواصات والأقمار الصناعية والبرنامج النووي الذي سلط عليهم أنظار العالم.
وإذا كنا نشعر بالتململ المشوب بالحذر في التعامل مع هياكل أنظمة الحكم في "إيران دكتاتورية الفرد" في زمن نظام ولاية وحاكمية الفقيه وتداعياتها على القرار السياسي الإيراني، بما يتبعها من ظلم انتقائية مجمع تشخيص مصلحة النظام، أو إلغاء الدور السياسي للأمة التي تتعامل مع فقيه منصَّبٍ من قبل الله، فسوف يكون الوضع أشد خطورة علينا مع "إيران دكتاتورية المؤسسة العسكرية" المسماة الحرس الثوري والتي ترتدي ثياب مباركة حاكها لهم سماحة آية الله الخميني كموالين لولاية الفقيه في بداية الثورة، "فلا يمكن لأحد الاعتراض أو انتقاد سياستهم، حيث إن تصرفاتهم لها صبغة مقدسة غير قابلة للمساس".
ليس ذلك فحسب بل يملكون عائلة الصواريخ شهاب الستة، ومقاتلات الشفق، والصاعقة. والدبابات توزان وذو الفقار والغواصات والطارق والسابحات وغدير. فمن ذا الذي سيحول بينهم وبين تسنم هيكل نظام الحكم في تراتبية تشبه موقع المؤسسة العسكرية التركية في زمن عزها طوال خمسة عقود بناء على تخطيط محكم من كمال أتاتورك، أو المؤسسة العسكرية في إسرائيل وتخطيط دافيد بن غوريون، الذي وهبها سلطات واسعة النطاق تتجاوز حدود المهنية العسكرية.
وكما تدثرت العسكرية التركية بالعلمانية والإسرائيلية بالديمقراطية، نكاد نرى العسكرية الإيرانية تسير على خطاهم متدثرة بحق الولاية، وقد قال في ذلك رجل الدين الإيراني المعارض محسن كديور أبرز تلاميذ المرجع الشيعي الراحل آية الله حسين علي منتظري بصفته واضعاً لنظرية ولاية الفقيه: "إن ما يجري في إيران هو ولاية العسكر وليس الفقيه".
أما الانتهازية التي تتحدث عنها شيرين عبادي كطبيعة بشرية فقد رفعت رأسها على الضفة الغربية من الخليج العربي، في الوقت نفسه الذي ظهرت فيه في إيران حالات الارتداد والتحولات المفاجئة في الولاءات لصالح حرس الثورة، وإذا كانت البحرين والكويت ودبي قد أحبطت عمليات الحرس الثوري المالية غير المشروعة دوليا فنحن على ثقة أنهم سيبحرون إلى موانئ خليجية أخرى.
التعليقات
العدو الدائم
ابو دارين -إيران وإن أختلفنا معها كأي دوله في العالم تحترم ذاتها وتحاول أن تبقى قويه ومعتمده في ذلك على نفسها ولكن ماذا فعلت دول الخليج رغم كل التهديدات الوضحه ضدها؟؟؟؟