جريدة الجرائد

حيوية السجال الفقهي في السعودية!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تركي الدخيل


الظاهرة التي تمرّ على الفكر الإسلامي في الخليج؛ وفي السعودية تحديداً جديدة بكل معنى الكلمة. حالة التنافي بين "المفتين" والصراع على الحق من خلال الفتوى باتت واضحةً للعيان. وهو جزء من الحراك الفكري المثمر، أن يقول كل مفتٍ رأيه، على اعتبار وجود الاختلاف الفقهي منذ القدم. حتى في عصر بكارة النص القرآني، كان هناك تفسير لابن عباس، وآخر لابن عمر. كانت آراء عمر بن الخطاب تختلف عن آراء أبي بكر. كان التأويل فيه متَّسعا. وأثر عن علي بن أبي طالب قوله عن النص القرآني أنه: "حمّال أوجه". وهذا أمر أثبتته الدراسات الألسنية الحديثة التي تعتبر كل نص بحراً كبيراً يمكن لكل سابح فيه أن يخرج منه بصيد مختلف. وكلما كان النصّ عظيماً، كانت إمكانيات تأويله ثرية ومتعددة.

في السعودية تحديداً نشب سجال كبير بين الفقهاء حول مسائل لا يخفى على كل قارئ للفقه الإسلامي أن يعلم جيداً أن الخلاف حولها قديم، كالغناء مثلاً، أو الاختلاط. وهي معارك -الجديد فيها- أن تنشب لأول مرة منذ عقود بين فقهاء ينتمون إلى مرجعية واحدة، هي مرجعية السلف، والدعوة النجدية. كلهم نشأوا في أجواء ابن تيمية والفكر السلفي المركّز. مع كل تلك المشتركات نشبت معركة حامية الوطيس بينهم. أصبحت الشاشات والمواقع الإلكترونية والصحف المقروءة تغصّ بتصريحاتهم، وبالمساجلات بينهم. وهذه ظاهرة صحية يطيب لي أن أشجّعها وأن أشدّ على يد كل فقيه أن يطرح رأيه الفقهي بما لا يمسّ جوهر الأمن الوطني، وبما لا يهدد حريات الآخرين وأمنهم الشخصي أو المعنوي.

إنه ليس شتاتاً تعيشه الفتوى، بل حيوية صقلتْها التقنية بكل مستجداتها، واستطاعت أن تعزز مجال التعبير، وأن توصل الرأي مهما كان صادماً لجموع المسلمين. لنأخذ مثلاً فتوى الشيخ عادل الكلباني في إباحة الغناء. نعلم أنه رأي قديم، انتصر له انتصار المحارب الفقيه الشهير: ابن حزم الأندلسي في كتابه "الُمحلّى" الثري فكراً وفقهاً، كما أحيا رأي ابن حزم الكثير من الفقهاء المتأخرين، وعلى رأسهم الشيخ: يوسف القرضاوي في كتب متعددة. كما انتصر لهذا الرأي محمد عمارة، في مرحلته الفقهية الأولى التي كانت أقرب إلى العقلانية الفقهية.

الكثير من المفكرين رأوا أن العولمة ستغيّر الكثير من المفاهيم. البعض من المفكرين العرب راهن على العولمة في التغيير، وانتصر للعولمة بكل الموج الكاسح الذي تضخّه، وأذكّر بما قاله المفكر اللبناني علي حرب في كتابه المهم: "حديث النهايات". بعض الأزياء غيّرت الفتاوى. كاميرات أجهزة الاتصال الخلوي جعلت فتوى تحريم التصوير في ذمة التاريخ، أنهت الحديث عن حرمة الصورة. السلع وأدوات الأكل غيرت مواعيد الأكل في البيوت. أصبحت العولمة تكتب وتمحو من حيث لا نشعر. وأكثر ما يغيّرنا الأشياء التي لا نشعر بها.

إن الفتوى في بعض وجوهها رأي واجتهاد وتأويل وتفسير. ما بها من صواب فمن الله، وما تضمنته من خطأ فمن الشيطان. والمفتي ليس موقعاً بالنيابة عن ربّ العالمين، بل هو قارئ ومفسّر للنص كغيره من المسلمين. ولا كهنوت في الإسلام، وبخاصةٍ أن الفتاوى المطروحة حاليّاً كلها لها أساس في تاريخ الفقه الإسلامي. فخففوا من الروع. نحن في تيار التقنية والعولمة الجارف، وكل ما نراه ليس إلا المخاض الأول لمخاضات أخرى قادمة، ستكون أكثر ضخاً وتأثيراً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
العولمه...دين جديد
سعود العجمي -

مخالف لشروط النشر

العولمه...دين جديد
سعود العجمي -

مخالف لشروط النشر

مجتمع واعي
عبد الله الراشد -

فعلا ولى زمن الرأي الفقهي الواحد ولى زمن المفتى الأوحد لكن للأسف أصبح كثيرا من المتعلمين وطلبة العلم أضيق أفقا وتململا من قبول هذا الوضع فنتعتوا أصحاب هذه الفتاوى أنهم أصحاب هوى أو ليسوا متخصصين أولم يتبحروا بالعلم ولو أنا قلبنا المعادلة لقلنا هل تزكون انفسكم وتعتقدون أنكم ملكتم الحقيقة لا أحد يستطيع أن يقول نعم أوافق الكاتب على رأيه وأزعم ان المجتمع والجيل الجديد أكثر وعيا من كثير من النخب الدينيه والفكريه

مجتمع واعي
عبد الله الراشد -

فعلا ولى زمن الرأي الفقهي الواحد ولى زمن المفتى الأوحد لكن للأسف أصبح كثيرا من المتعلمين وطلبة العلم أضيق أفقا وتململا من قبول هذا الوضع فنتعتوا أصحاب هذه الفتاوى أنهم أصحاب هوى أو ليسوا متخصصين أولم يتبحروا بالعلم ولو أنا قلبنا المعادلة لقلنا هل تزكون انفسكم وتعتقدون أنكم ملكتم الحقيقة لا أحد يستطيع أن يقول نعم أوافق الكاتب على رأيه وأزعم ان المجتمع والجيل الجديد أكثر وعيا من كثير من النخب الدينيه والفكريه