خريف ساخن: كل العيون على الحريري
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تجاذبات لبنانية وإقليمية ارتباطاً بالنفط والمحكمة الدولية
خريف ساخن! في الادبيات السياسية والاعلامية اللبنانية، اعتاد الناس على هذه الحدود الزمنية: "ربيع ساخن" و"صيف ساخن"، والآن "خريف ساخن"، اما الشتاء فبارد حتما، لا الطائرات تأخذ مداها، كما ان الدبابات تفضل الا تقاتل ضد الوصول.
اذا ثلوج سياسية بدل النيران السياسية، وان كانت نيران فسيولوجية، اذا جاز التعبير، قد اندلعت في ذلك اليوم الاسود 5 فبراير 2005، حين كان ذلك الرحيل التراجيدي لرئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.
ربيع تلو ربيع
عودة الى الجمهورية الاولى، معظم الاحداث العاصفة حصلت في الربيع او على ابواب الربيع، "ثورة 1958"، مصرع القادة الفلسطينيين الثلاثة (كمال عدوان، كمال ناصر وابو يوسف النجار في شارع فردان على يد ايهود باراك عام 1973)، بوسطة عين الرمانة في 13 ابريل 1975، الاجتياح الاسرائيلي الاول في مارس 1978، الاجتياح الثاني في يونيو 1982، عملية "عناقيد الغضب" في ابريل 1996 التي توجت بمجزرة قانا، الانسحاب الاسرائيلي في 24 مايو 2000، احداث مايو 2008.
بيد أن حرب يوليو 2006 شذت عن "القاعدة" الامين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله قال ان كل قيادات الحزب لم تتوقع ان تكون ردة فعل حكومة ايهود اولمرت، وهي تترنح على تلك الشاكلة.
حرب الشاشات
الربيع مر بسلام، حرب أهلية مفتوحة، ولكن على الشاشات، مواقف مكررة، ومملة، غرائزية وغالبا ما تعطي الاولوية لمنطق الفيتو (الطائفي او المذهبي) على منطق الدولة، وحتى عندما طرحت مسألة حقول النفط والغاز، احتدم الجدل البيزنطي اياه، وان كان بعض من توقف عند هذا المصطلح (الجدل البيزنطي) رأى ان هذه مسألة لاهوتية بالغة الحساسية، لكن المشكلة ان المتجادلين كانوا يدلون بحججهم فيما كان السلطان العثماني محمد الفاتح يحاصر القسطنطينية.
في لبنان، الجدل البيزنطي اما انه يحصل حول مجهول، او على مسألة لا يد للبنانيين فيها، واما حول مشكلة يخترعها الاطراف ليظهروا انهم ما زالوا موجودين على سطح الارض.
شرايين النفط
سفير خليجي قال لنا ان اللبنانيين سيظلون يتناقشون حول المرجعية النفطية الى ان "تشفط" اسرائيل كل مخزونهم باعتبار ان "شرايين" النفط والغاز يمكن ان تكون متشابكة، ومتداخلة، لبنانيا واسرائيليا، اي ان الذي يسبق هو الذي يستفيد، هل لاحظتم تلك الثرثرة القاتلة في محطات التلفزيون؟
خريف ساخن! ويحكى الآن عن ان ملف المحكمة الدولية يحل بين واشنطن التي تملك خيوطا كثيرة، كما ان مجلس الامن الدولي يأتمر بأوامرها، وطهران التي لا تستطيع مواجهة العقوبات التي قد تصل الى حد الحظر الجوي والبحري، وان كانت معطيات السنوات الماضية قد اثبتت ان الايرانيين لهم لعبتهم الخاصة، ومصالحهم الخاصة، اما "الحديث الايديولوجي" فهو العباءة التي تقبع داخلها تلك المصالح.
تسريبات بريئة؟
هناك محكمة دولية، وهناك مدع عام دولي يدعى دانيال بيلمار يؤكد الجميع على انضباطه المهني والاخلاقي الى ابعد الحدود، اي انه يفترض الا يتسرب شيء عن مجريات التحقيق، ولا عن مندرجات القرار الظني، لكن اشياء تتسرب. بالطبع التسريبات لا يمكن ان تكون بريئة، وقد تكون عبارة عن رسائل توعية ولاغراض تتعلق بصراع المصالح.
رئيس الحكومة سعد الحريري، وهو ولي الدم، حين رفع شعاره لبنان اولا، وهو القومي العربي ابن القومي العربي، فهو ايضا ابن مدينة صيدا ونائب مدينة بيروت، فهذا يعني، وكما يقول لنا احد مستشاريه، انه اتخذ قرارا حاسما بان يتصرف كرجل دولة ومن اجل الدولة التي تعصف بها رياح عاتية. لا صفقة حول الحقيقة، ولكنه رفض توظيف العدالة في مسائل تتجاوز التداعيات الاخلاقية لتطبيق العدالة.
عماد مغنية
كل ما يحكى عن سيناريوات حول القرار الظني يشارك فيها الحريري، يؤكد المستشار انها لا تمت الى الحقيقة بصلة. بيد ان كل ما يتم تسريبه الآن يشير الى ضلوع "عناصر من حزب الله"، نصرالله يؤكد ان كل عنصر في الحزب هو حسن نصرالله، وان قال البعض ان القيادي عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق في فبراير 2008 كان "فاتحا" في المجال الاستخباراتي "على حسابه" وهناك تجربة من هذا القبيل عاشها تنظيم "الاخوان المسلمين" في مصر حين كانت تحدث عمليات اغتيال...
عندما كان القادة المدنيون ينفون اي صلة للجماعة بأي عملية اغتيال كانوا صادقين لان من هم "تحت الارض" الذين يتخذون القرار او يتلقون القرار من خارج التنظيم هم الذين ينفذون.
واذا كان هناك من يرى ان ثمة "جانبا هزليا" في التفسيرات التي ربطت احداث الجنوب الاخيرة بقرار المدعي العام الدولي في جريمة اغتيال الحريري؟ لان المسألة لا تتعلق بفرنسا، ولا بماليزيا (المشاركة) في القوات الدولية، فان مصادر رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط تتحدث عن مساع بدأها هذا الاخير من اجل احتواء الانعكاسات محليا، وقدر المستطاع، اذا لم تدق ساعة العلاقات الاميركية - الايرانية، ففي بيروت اكثر من جهة دبلوماسية اوروبية تقول ان ادارة الرئيس باراك اوباما غير معنية بالقنبلة الايرانية التي لن يكون لها اي تأثير استراتيجي وهذه هي حال القنبلة الكورية الشمالية.
استيعاب طهران
ما يعني الاميركيين هو ادخال طهران داخل استراتيجيتهم. المسألة معقدة، ولكن هل هي مستحيلة؟ نسمع من احد الدبلوماسيين: "حين يكون باستطاعة واشنطن ان تستوعب روسيا وان تستوعب الصين، فهل من المستحيل ان تستوعب ايران التي تتردى فيها الاوضاع اكثر فأكثر؟".
خريف ساخن، في لبنان ام في المنطقة؟ الصحافيون الغربيون الذين يزورون بيروت هذه الايام يستبعدون، كليا، الحرب. يقولون ان هناك دولتين فقط تصنعان الحرب في الشرق الاوسط، او في اي بلد من بلدانه: واشنطن التي تتجنب الانزلاق عسكريا في هذه الظروف، والنهج قد يتغير بعد الخروج من العراق، وطهران الغارقة في مشكلاتها لا تستطيع ان تخوض حربا بالاصالة ولا بالوكالة. اما اسرائيل فتقول ما تقوله الولايات المتحدة.
قد تكون هناك مفاجآت دراماتيكية في موضوع القرار الظني بشأن اغتيال رفيق الحريري، وان لوحظ ان "حزب الله" بدأ يتعامل مع الموضوع بتوجس يصل، احيانا، الى حد التهديد، وهو ما يحمل رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" سمير جعجع على دعوة النيابة العامة التمييزية.
رئيس التيار الوطني الحر النائب ميشال عون يعتبر انه مثلما تم "اختراع" قصة اسلحة الدمار الشامل في العراق لتبرير الغزو يمكن ان يتم اختراع قصة القرار الظني لتبرير شيء ما. ما هو هذا الشيء؟
تجاذبات عاصفة
رغم كل الاشاعات والتحليلات والتوقعات التي شارك فيها رئيس الاركان الاسرائيلي الجنرال كابي اشكنازي، ثمة كلام حول "تجاذبات عاصفة" تجري في اكثر من مكان، بصدد القرار الظني، العيون على رجل واحد: سعد الحريري. اما الاصابع فتوجه الى جهة او جهات اخرى لا تزال "رغم كل شيء" غامضة حتى الآن.
رئيس الحكومة الشاب الذي في قلبه جراح كثيرة، قد يضيف اليها جرحا آخر لا يقل عمقا، وهولا، عن الجرح الاول، لكنه صاحب شعار "لبنان اولا".