اغتصاب للطفولة وإجهاض للقانون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
قبل أشهر، تذكرت محكمة أميركية أن المخرج البولندي رومان بولانسكي، كان قد اغتصب عام 1977 فتاة في الثالثة عشرة من العمر، فقررت استدعاءه من إقامته في سويسرا لكي تعيد محاكمته. يمكن أن يسمى ذلك تهزئة متأخرة للقانون. في سويسرا، حيث يقيم على ثلوج غشتاد، وضع بولانسكي (76 عاما) في الإقامة الجبرية في انتظار البت في الطلب الأميركي. يمكن أن يسمى ذلك: الحياد الخبيث للقانون. في فرنسا، التي يحمل بولانسكي جنسيتها ويتمتع ببعض الصداقات، تزعم صديقه برنان هنري ليفي، حملة للإفراج عنه وعدم تسليمه. ويسمى ليفي في فرنسا "فيلسوفا". وهي علامة من علامات الانحطاط والتدهور، في بلد كاد ينافس ألمانيا في الفلسفة.
في الأبعاد الثلاثية للمسألة، نرى "ثلاثة اغتصابات" الأول، اغتصاب طفلة على وشك البلوغ وتدمير حياتها. الثاني، اغتصاب الضمير القانوني، حيث تستيقظ محكمة أميركية بعدما أصبح المغتصب في السادسة والسبعين وضحيته في الثالثة والأربعين. والاغتصاب الثالث هو أن يتواطأ القضاء السويسري مع حملة قادها "فيلسوف" فرنسي، هو في حقيقة الأمر، كاتب سفاسف ومطولات وبديهيات، لا مثيل لها إطلاقا إلا في بعض الصحافة العربية.
لست محايدا كمراقب. فأنا لا أطيق أفلام رومان بولانسكي وأعتقد أنه رجل مريض يصنع الأفلام لأناس شديدي المرض. وأنا كقارئ، لا أطيق برنار ليفي، وأعتقد أنه تاجر مفتعلات أدبية، وليس لديه ما يعطيه سوى النقل والنقل عن النقل، لكنه موفق بجهاز علاقات عامة. أما توفيقه الأكبر فهو أن فرنسا الحاضر خلت من فلاسفتها الحقيقيين واضطرت إلى التزوير والضحك على الذات وأعلنت برنار ليفي فيلسوفا.
القضية موضع جدل في الغرب منذ فترة، ولم أشعر أنها تعنيني وتعني قراءنا، الذين لا يعرف معظمهم من هو رومان بولانسكي أو برنار ليفي. لكنني شعرت أنها أصبحت تعني كل إنسان في العالم، بعدما برهنت سويسرا، آخر ملجأ إنساني في العالم، أنها لا تختلف كثيرا عن سواها. لقد سقطت آخر اعتباراتها الأخلاقية أمام الضغط "الأدبي" أو "الفكري" أو "الفني" الذي يناصر مخرج الأمواس والرعب على طفلة على حافة البلوغ. ويرجى من صحف أميركا وفرنسا وسويسرا شيء واحد: تضبضبوا. لا تتحدثوا بعد الآن عن زواج القاصرات في اليمن من رجال في عمر أجدادهن. كفوا عن النفاق. ليس للاغتصاب وجه حضاري ووجه مختلف. الاغتصاب الحضاري أفظع بكثير. وأكثر وحشية. ويشبه أفلام بولانسكي.