حرية الإعلام ام التعبير؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أحمد المهنا
كان هذا سؤالا دار في ورشة، نظمتها مشكورة " هيئة الاعلام والاتصالات" في بغداد. وهو سؤال غاية في الأهمية بالنسبة الى اي بلد يسير في اتجاه الحرية. وانا من القائلين بخراب اي شيء اذا لم يكن يعمل في اطار قانون. حتى الابداع، الذي هو بمثابة القمة من تعامل العقل مع الحرية، يوصف بانه ثمرة الصراع مع القانون.
وعودة على السؤال، فانني مع اخضاع اي عمل انساني عام للقانون. ومن هذه الزاوية فان المطلوب ليس قانونا يحمي حرية الاعلام بشكل خاص، وانما قانون يحمي حرية التعبير، او حرية الكلام، وهي حرية عامة للمجتمع، افرادا ومؤسسات، وبضمنها الاعلام. فلا يجب ان نخص مؤسسة او مهنة بالحرية، لأن ذلك قد يفهم على انه قصر للحرية على فئة دون اخرى.
والاعلام العراقي في هذه المرحلة يعيش من الناحية القانونية في ازدواجية، بين دستور يحمي الحرية، وبين تشريعات قانونية موجودة من النظام السابق لاتزال سارية المفعول، لأنها لم تلغ، وهي خانقة تماما لحرية التعبير.
ما العمل في هذه الحال؟ ما المطلوب من الاعلاميين عمله؟
ورشة " هيئة الاعلام والاتصالات" اقترحت تشكيل لجنة من اسماء يمكن ان تحظى بالقبول في الوسط الاعلامي، تقع فوق الميول والاتجاهات ( اعلام امة منشقة يعاني انشقاقات هو الآخر)، هدفها اقتراح مسودة او مشروع قانون، بمساعدة خبراء قانونيين، يلغي التشريعات القديمة ويقيم بدائل ضامنة لحرية التعبير. واقول التعبير وليس الاعلام لانه حق اجتماعي عام.
ولعل اهم تحد سيواجه هذه اللجنة، اذا انشئت، يتمثل بقوانين " القذف والتشهير". فهذه هي ام الدعاوى التي ترفع على وسائل الاعلام عادة. والمادة الدستورية عندنا تفسح لها بابا له اول وليس له اخر، اذ انها تنص على كفالة الدولة لحريات التعبير " بما لا يخل بالنظام العام والآداب". وهذه الجملة يمكن ان تشمل سلسلة قضايا مدوخة ابتداء من امن الدولة وسمعة الشخصيات العامة والانباء الكاذبة الى المقدسات.
وبالنظر الى قوانين الدول الديمقراطية في هذا المجال تبدو الولايات المتحدة هي الاكثر انتصارا لحرية التعبير، حيث ان كفتها ترجح على كفة حماية سمعة الدولة والشخصيات العامة. وكانت المحكمة الاتحادية العليا في الولايات المتحدة قد اصدرت عام 1969 تشريعا الغى قانون القذف التحريضي كما ابطل عقوبة نشر اخبار كاذبة ونص على حماية حرية الكلام باستثناء " التحريض على عمل غير قانوني وشيك".
يقول نعوم تشومسكي " ان قرار المحكمة العليا الصادر عام 1969 قد وضع مقياسا تحرريا اعتقد انه فريد في العالم". ذلك ان قوانين القذف والتشهير مازالت سارية في دول مثل كندا وبريطانيا وفرنسا. وبنظر تشومسكي فان "مجتمعا يحتمل قوانين ضد القذف التحريضي لا يعتبر مجتمعا حرا مهما تكن فضائله الاخرى".
علينا باعتقادي عند التفكير في قوانين لحماية حرية التعبير النظر الى تجارب الديمقراطيات وليس الى الجارات كما فعلت احدى اوراق ورشة " الاعلام والاتصالات".