سيكولوجية النقاب والحضارة الغربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالباقي صلاي
لماذا لا نقول إن فرنسا ومن يدور في فلك الغرب لهم الحق في كل ما ذهبوا إليه حول الوقوف ضد لبس النقاب والبرقع والحجاب ، لأن ذلك وببساطة شديدة يعد من بين المظاهر الهجينة والغريبة عن المجتمع الغربي الذي لم يألف مثل هذا الزي على أراضيه، وفي المقابل لماذا لا يريد أن يعترف المقصودون بقانون حظر لبس البرقع والحجاب والنقاب انهم في غير بلدانهم حتى يكون لهم الحق في الاعتراض والاستنكار، أليس من حق فرنسا أن تطبق ما تراه مناسبا لسياستها الإيديولوجية، ألا يحق للغربيين كافة أن يسنوا القوانين التي يرونها تتعارض ومنطلقهم الفكري والحضاري؟.
قد تبدو القضية وما جاورها من ملابسات لدى شريحة واسعة من المسلمين لا سيما من الوافدين على هذه الدول الغربية، أن مكوثهم الطويل في هذه الدول أضحى مع مرور الوقت دافعا قويا ليشعروا بانتمائهم لتلك الأرض، وهذا ما يفسر جنوحهم الغريب في تبني مثل هذه القضايا ويودون أن تنتصر بأدوات غربية لا يفقهون حتى في سيكولوجيتها. فالغرب ملة واحدة وهو نصراني ومن الصعب جدا أن يتفهم أن المسلمين يجب أن تكون لهم دولة خاصة تتعلق باللبس والأفكار، فالغرب لا يفهم ما يشعر به المسلم حيال عقيدته بل يعتبر أن الأنموذج الإسلامي من برقع وحجاب ونقاب وحتى لحية كلها أمور مرفوضة البتة في الوسط الاجتماعي الغربي.
وأعتقد أن مشروعية ما يقوم به الغرب وفرنسا على وجه التحديد، تستند على الإيديولوجية الغربية وعلى نمطية التفكير لدى الغرب من إسبانيا إلى روسيا، ولماذا نعتب على الغربيين ونحن نعيش الحدث عينه في بلداننا العربية، أليس الحجاب مرفوضا في تونس وبشكل محتشم وهو مرفوض في أغلب الدول العربية خصوصا في أماكن العمل ما عدا في منطقة الخليج. إني أتذكر زلزال 21 مايو 2003 الذي ضرب منطقة بومرداس بالجزائر وكيف هرعت النسوة والبنات إلى ارتداء الحجاب، حتى أن الحجاب في تلك الفترة راجت تجارته وأصبح مطلوبا بشكل لافت لدى شريحة واسعة من نساء الجزائر، حتى اضطر وزير الشؤون الدينية والأوقاف الحالي غلام الله إلى تبرير ذلك وردا على الإعلام الذي اعتبر أن اكتشاف نساء الجزائر للحجاب كان بسبب الزلزال، بحيث فند السيد الوزير ما راج حول ذلك بأن الزلزال لم يكن غضبا إلهيا حتى تلجأ المرأة إلى الحجاب والستر. ويا عجبا لمن يتولون أمورنا الدينية فإذا لم يكن الزلزال غضبا إلهيا فلم الحسرة إذن على لبس الحجاب؟؟!! .
وصراحة عندما أرى زوجات رؤساء العرب يرتدين الحجاب في الحرم المكي أتعجب لذلك، كيف أن الذين يقفون في الصف الأول المحارب للحجاب يعترفون به، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الفطرة التي لا تكذب هي التي تتحدث في تلك اللحظة . وقد شاهدت رئيسا لدولة عربية يمنع فيها ارتداء الحجاب زوجته مرتدية الحجاب في الحرم المكي ، وتساءلت مع نفسي هل الله موجود سوى في ذلك المكان- أستغفر الله- ولا يوجد في تلك البلاد، أم أن هذا الرئيس يطبق في حياته شعر أحمد شوقي الذي يقول في رمضان:
رمضان ولَّى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتــاق ما كان أكثره على ألاَّفها وأقلَّه في طاعة الخلاَّق!! الله غفَّار الذنوب جميعها إن كان ثم من الذنوب بواقي.
فإذا كان هذه حال من يحكموننا فكيف هي حال من نقصد بلدانهم فيفتحون لنا كل شيء حتى أن هناك من هرب بجلده من بطش هذه الأنظمة العربية ووجد السند والعون في هذه الدول الغربية التي نصرته وحافظت على شيء من كرامته الإنسانية، فالأرجح ألا نلوم فرنسا عندما تسن قوانين من أجل حظر الحجاب والبرقع والنقاب، كما لا نلوم سويسرا عندما تحظر بناء المآذن، فكل ذلك يدخل ضمن العقيدة النصرانية التي هي غير مطالبة تماما بالتسامح مع المسلمين! لكن يجب ألا نضع كل الغرب في سلة واحدة، وفرنسا غير بريطانيا، بل حتى التاريخ نفسه أظهر لنا أن الاستعمار الفرنسي يختلف عن الاستعمار البريطاني، فالأول شديد التشدد حول العقيدة- يطول الأمر لو تحدثنا عن فرنسا وما قامت به في الدول التي استعمرتها وكيف كانت تتعامل بمنطق الإقصاء العقدي- والثاني لا يعير اهتماما لمثل هذه الأمور لهذا وجدنا بريطانيا على لسان وزير الهجرة " داميان غرين" يصف إصدار أي قرار لمنع ارتداء النقاب في بريطانيا بأنه "عمل لا يتماشى مع الحياة البريطانية" بحسب ما نقلت عن لسانه السبت 17-7-2010 صحيفة "صنداي تلغراف" البريطانية وقال غرين في نفس الصدد للصحيفة: " إن الموافقة على أي قرار لمنع ارتداء النقاب سيكون غريبا لأن المجتمع البريطاني "متسامح ويقوم على الاحترام المتبادل" مضيفا أن تبني نص المشروع "غير محتمل" وليس من المستحب أن يحاول البرلمان البريطاني إصدار قانون ينص على ما يجب على الناس ارتداؤه" . وهذا عين المنطق في دولة تحترم الاختلاف العقدي، وتحترم سيكولوجية الناس مهما اختلفت مشاربهم المفاهيمية. لكن يبقى الإشكال مطروحا دائما إلى متى يبقى السجال قائما في دول الغرب حول لبس المسلمين، ولبس المرأة على وجه التحديد، ولماذا المسلمون لا يدخلون في معارك حضارية أكبر مما هم عليه، ولماذا لا يفرضون أنفسهم في العلم وتبني سياسة تجعلهم يفيدون بلدانهم الأصلية بدلا من الدخول في حرب غير متكافئة وفي آن معا لا تنفع بل تضر !.