التاريخ لشيعة السعودية!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تركي الدخيل
كنت دائما ما أردد أن الحياد كذبة!
المطلوب هو الموضوعية. الحياد أمرٌ صعب. يصل الباحث إلى الموضوعية حينما يتمرّن فكرياً باحثاً عن طرق الحياد. كذبة الحياد نجدها في المؤلفات والكتب. أو في الصحف والإعلام.
يكون الحياد أكثر صعوبة وندرة في تدوين التاريخ. الباحث الأستاذ: إبراهيم الهطلاني، مؤلف كتاب: "الشيعة السعوديون-قراءة تاريخية وسياسية". يقول في المقدمة: "لا بد من التوضيح أن هذا البحث لا يهدف إلى إظهار عيوب أو طمس محاسن أو العكس، وكذلك لا يسعى إلى استرضاء جهات طائفية على حساب أخرى، إنما هو محاولة لقراءة المساحات الفاصلة بين أهل الشرق السعودي وبقية الجهات الوطنية والرسمية وتحديد العناوين الجامعة والمانعة Wللتعايش الوطني".
بعد الثورة التقنية التي ننعم بها حالياً صار تدوين التاريخ متاحاً، لم تعد هناك محظورات أو ممنوعات. بقيت بعض الحدود المحرمة، لكن اتسعت مساحات التناول. وأشرتُ مراراً إلى أننا نعيش حالة فقر في تدوين الأحداث التاريخية التي مرت بالسعودية، خذ مثلاً حادثة جهيمان في احتلال الحرم، كم عدد الكتب التي صدرت عنها؟ لا نكاد نعثر إلا على أبحاثٍ قليلة. بنفس هذا المستوى من التخبط في تدوين التاريخ في فضاء التأليف في السعودية؛ لا نكاد نجد إلا كتباً متحيّزة في تناول الشأن التاريخي لتاريخ المذاهب والتيارات الفقهية.
من هنا تأتي محاولة الهطلاني الجريئة، خاصةً لجهة رصده للدور السياسي في التشكل المذهبي للمذهب الشيعي، فهو لا يهمل الجانب السياسي للتشكل على المستوى السني والشيعي. يقول في الكتاب: "بداية المشكلة كانت خلافاً على الحكم والخلافة، بمعنى أن القضية سياسية في أصلها، فما الذي حوّل الخلاف بين أهل القبلة إلى صراع مذهبي تتوارثه الأجيال، والحاقدون على العروبة والإسلام يعملون ليل نهار لزيادة الفرقة بين المذاهب والمدارس الإسلامية ويوقدون في كل أرض عربية نار الطائفية حتى بلغ الحقد والكره بين السنة والشيعة حداً تجاوز ما بين المسلمين واليهود مما يصعّب محاولات التقريب والتأليف لأن واقع الاختلاف قد كمن في المسائل الأصولية والعقائدية".
قال أبو عبد الله غفر الله له: أظن أننا نحتاج إلى محاولات بحثية كثيرة لتغطية الجوانب السجالية والفكرية والمذهبية التي طبعت تاريخنا السعودي المعاصر. والأستاذ الهطلاني استطاع أن يتجاوز التطرف في كتابة التاريخ، بل والتحيز لدى بعض الذين تسرّبت انتماءاتهم الطائفية إلى تدوين التاريخ. وهو فخ لم ينج منه إلا القلة، ويكفي الهطلاني أنه استطاع مقاربة تجربة بحثية موضوعية قفزت على سدود التسطيح والتهييج.