لبنان بعد أربعة خطابات ساخنة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
قاسم حسين
شهد لبنان خلال الأسبوعين الأخيرين أربعة خطابات متوالية، وهو بلدٌ صغيرٌ مختَرَقٌ ومستَهدَفٌ، ولا يحتمل كل هذا العدد الكبير من الخطابات!
الخطاب الأول ألقاه السيد حسن نصر الله في ذكرى يوم الجريح (15 يوليو/ تموز)، حيث تقدّم مئات المعوّقين من جرحى المقاومة الصفوف الأولى، وكان لبنان قد بدأ يصحو على خبر أضخم اختراقٍ إسرائيلي لشبكة اتصالاته الوطنية، بعد الإيقاع بعددٍ من الجواسيس. ويمكن للمراقب أن يدرك الآن سرّ غضبة حزب الله حين استُهدفت شبكة اتصالاته الخاصة، لأنها تمثل له عصباً حيوياً مهماً، وأحد عناصر الانتصار. ومع شدة الصدمة طالب نصر الله بالبحث عن "الجواسيس الكبار".
الخطاب أثار ردّ فعلٍ حاداً، وخصوصاً من الجهات التي طالبها بالاعتذار عن مواقفها السابقة، فبدأت تتحسّس رأسها، فليس مستبعداً أن يخرج نوابٌ أو حتى وزراء متورطون، فقد كان هناك "أصحاب سوابق"، وكان بعضهم يتفاخر بعلاقاته التاريخية مع "إسرائيل"!
الخطاب الثاني ألقاه نصر الله في المؤتمر الصحافي، وكان رداً واضحاً على حملة الانتقادات التي واجهته، وكشف فيه أن سعد الحريري أبلغه أن المحكمة الدولية ستتهم عناصر من الحزب باغتيال والده، وهو أمرٌ اعتبره نصر الله لعِباً لا يحتمله لبنان.
في هذا المؤتمر، حاول نصر الله أن يبدو هادئاً، لكن من يدقّق في قسمات وجهه سيقرأ قلقاً عميقاً لم تستطع الابتسامات المتفرقة إخفاءه. فالرجل يضع أمامه النموذج العراقي المرعب، حيث تحكّم الإرهاب في رقاب العراقيين، وأصبحت أخبار التفجير والمفخّخات والانتحاريين تتكرّر يومياً، كل ذلك تحت سمع وبصر الاحتلال. وهي مخاوف ألمح إليها بإشارته إلى الأصوليين الذين تحرّكهم العصبيات، فضلاً عما يختزنه التاريخ من وقائع الحرب الأهلية.
الخطاب الثالث كان للحريري، في افتتاح المؤتمر التأسيسي لتيار المستقبل، الذي أعلن فيه تحوّله إلى حزب سياسي عابر للطوائف، وهو أمرٌ غير واقعي في بلدٍ لا يصل فيه زعماؤه وسياسيوه إلا فوق أكتاف الطوائف.
في الخطاب ردّ الحريري على نصر الله، بقوله: "كفى تأويلاً وتهويلاً واستنفاراً لعواطف الناس"، وحاول أن يطمئن بأن دم والده لن يكون سبباً في إثارة الفتنة. وأشار الرجل العائد تواً من دمشق إلى أن زياراته الأربع إلى سورية كانت ناجحة، وتؤسّس لصفحةٍ جديدةٍ من العلاقات، وقد بدا واثقاً من نفسه ومتدفقاً وهو يرتجل خطابه، دون أن يعود إلى النص المكتوب.
الردّ لم يتأخر يوماً إضافياً، ففي مناسبة يوم تكريم أبناء الشهداء أطلق نصر الله موقفاً جديداً، بدعوته إلى تشكيل لجنة وزارية أو قضائية أو أمنية لبنانية للتحقيق في قضية شهود الزور، واستدعائهم للتحقيق وإخضاعهم للمحاكمة لأنهم ضللوا العدالة وتستّروا على القتلة الحقيقيين، وألحقوا بالبلد هزات أمنية واجتماعية عاصفة.
في هذا الخطاب، كان نصر الله قاطعاً في اعتباره المحكمة الدولية حلقة جديدة في استهداف المقاومة، "التي هي أغلى ما عندنا ولن نسمح لصغيرٍ ولا لكبير في هذا العالم أن يمس شيئاً من كرامتها". فهي التي أخرجت العدو الصهيوني من لبنان دون قيدٍ أو شرط، ودقت المسمار الأخير في مشروع "إسرائيل" الكبرى عام 2000، وأجهضت مشروع الشرق الأوسط الأميركي الجديد في حرب تموز 2006.
من الحكم العربية الخالدة: "اتقوا غضبة الحليم"... أمّا في هذا الزمان فتتواطأ الأمم المهزومة على ملاحقة أبطال انتصاراتها ورموز مجدها، وتشويه سمعتهم تمهيداً لتسليمهم لمحاكمات الأعداء!