جريدة الجرائد

«العربية»

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

احمد المهنا

كنت في اجتماع مع زملاء يناقش موضوع حرية التعبير في العراق، عندما بلغنا خبر تفجير مكتب فضائية "العربية" في بغداد. ولعل الحدثين، الاجتماع والتفجير، يعبران عن المفارقة الكبرى في هذا البلد. فهو يحلم بتحقيق المثل الأعلى ويعيش بأقل من الحد الأدنى للحياة الطبيعية.

المثل الأعلى يتمثل بانشغال عدد من الوجوه الاعلامية بإعداد مسودة قانون لحماية حرية التعبير. ولمثل هذا الانشغال نظائر في السياسة والاقتصاد: ديمقراطية، سوق حرة. أما الحد الأدنى المفقود فهو الأمن.

والحرية أشبه بطابق أخير من بناية. أما الأساس الذي تقوم عليه طوابق البناية، من الأول الى الأخير فهو الأمن. كيف يمكن ان تقوم للطابق الأخير قائمة والأساس لم ينتصب بعد؟ يبدو الأمر أشبه باستحالة. وحين دخلنا الفوضى عامي 2006 - 2007 كنت غالبا ما أعود الى نص لبرتراند رسل يقول:" في المناطق التي تعمها الفوضى، يميل الناس أولاً الى الإذعان الى الطغيان والاستبداد . فعلينا أولاً إيجاد الدولة حتى لو كانت مستبدة. وعندما يألف الناس حكمها، يمكن تحويلها بعد ذلك الى أساليب الديمقراطية".

وكان الرأي العام العراقي في ذلك الوقت يميل بالفعل الى طاغية لإنهاء الفوضى. فالطغيان ثمن رخيص مقابل الحياة. يا روح ما بعدك روح. لكن الطغيان نفسه كان متعذرا. ان الطغيان مثل الديمقراطية بناء يحتاج الى مقومات. وأهمها السلطة: جيش، مخابرات، أجهزة عدالة جنائية. وهذه لم تتوفر يومذاك ولا اكتملت الى يومك.

وراحت الفوضى، وانتقلنا من الأمن المعدوم الى الأمن النسبي. ومع هذا التحول خف التطلع الى الطغيان، وعاد النَفَس للتطلع الى الحرية. فاليوم تخشى النخبة العراقية من الطغيان اكثر مما تخاف عدم الاستقرار الممثل في أحد وجوهه بالأمن المهزوز. لم يعد الطغيان ثمنا مقبولا لاستتباب الأمن.

وهكذا فان تطلع الإعلاميين الى ضمان حرية تعبير لا يقوم من دون أساس. انه مفارقة بالقياس الى اعلام عراقي هو نفسه متأخر، والى فضاء فكري متخلف، والى ظرف أمني متدهور. ولكن الوقائع ايضا اثبتت ان هذا التطلع حقيقي وعملي ايضا. فقد وجد ايضا اعلام موجع لأعداء الحرية، وأمثلة متألقة على امكانية توسيع فضاء التعبير وتأثيره. وفي الواقع، ومن دون تقليل من اهمية بعض التجارب المحلية، فان فضائية " العربية" ابرز الأمثلة المتألقة على إمكانية مثل هذا الفضاء. فقد انفردت بين مثيلاتها العربية والدولية الناطقة بالعربية بتمثيل عراقي واسع النطاق، من خلال برامجها التي استوعبت الحدث العراقي، وعبرت عن فهم مميز لأهميته، وادراك لتأثيراته المحلية والاقليمية والدولية، ما وسع فضاء التعبير في وعن البلد. وكل ذلك جاء مشفوعا بشحنة أصيلة من التعاطف. ولهذا يمكن اعتبار العربية بثقة " عراقية" في أحد وجوهها.

وسواء جاء استهداف مكتبها في اطار الصراع الاقليمي، او بناته المحليات، فان المطلوب من آثاره ايضا ان تنال من حلم حرية البلد، واستقراره. لكن مثلما بقي قلب " العربية" مفتوحا للعراق، سيظل قلب العراق مفتوحا لـ "العربية".


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم لا؟
الحسناوي -

يقول علم الجريمة بأن أول خيط لكشف الجريمة هو البحث عن الدافع والدافع هنا واضح ألا وهو المنافسة من قبل الاخرين والآخرون معروفون وهويتهم واضحة ومعلنة. هناك قناة تتنافس مع العربية وهذه القناة هي البوق الرسمي للقاعدة بل قل بوق إبن لادن والظواهري حيث تذاع بياناتهم والمقابل تبث العربية برنامج "صناعة الموت" حيث فضائع الخارجين عن القانون في العراق وغيره. !!! ...

لم لا؟
الحسناوي -

يقول علم الجريمة بأن أول خيط لكشف الجريمة هو البحث عن الدافع والدافع هنا واضح ألا وهو المنافسة من قبل الاخرين والآخرون معروفون وهويتهم واضحة ومعلنة. هناك قناة تتنافس مع العربية وهذه القناة هي البوق الرسمي للقاعدة بل قل بوق إبن لادن والظواهري حيث تذاع بياناتهم والمقابل تبث العربية برنامج "صناعة الموت" حيث فضائع الخارجين عن القانون في العراق وغيره. !!! ...