جريدة الجرائد

قمة ثقافية عربية... لماذا؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

سليمان الهتلان

بما أن التحضيرات للقمة الثقافية العربية، المزمع عقدها العام القادم، قد بدأت، هل لي أن أسأل: ما الذي يمكن لقمة عربية ثقافية أن تحققه للمشهد الثقافي العربي وللمثقف العربي؟ وما ذا حققت "القمم" العربية السياسية السابقة للعرب حتى ننتظر إنجازات للقمة الثقافية المقبلة؟ مثل هذه الأسئلة ربما قوبلت بسؤال آخر: لماذا يصر بعض المثقفين العرب على اتخاذ المواقف السلبية وعلى التشكيك في النوايا وتثبيط الهمم مع كل مبادرة يطلقها "السياسي" في العالم العربي؟

حسناً، لنخرج من دائرة الاتهامات قليلاً ونذَّكر بأن كاتب هذه السطور ينادي دائماً بإيجاد منابر جادة تجمع بين المثقف العربي وصانع القرار في منطقته. بل إن من مصلحة التنمية في العالم العربي، عموماً، ألا تنشأ قطيعة بين صانع القرار والمثقف، ونعني هنا المثقف المخلص والجاد والمؤهل.

ليس جديداً القول إن من المصلحة الوطنية أن يسعى صانعو القرار، من رأس الهرم إلى أدناه، إلى تأسيس علاقة أساسها الاحترام مع المثقفين، بشتى تياراتهم، علاقات تحافظ على القدر الأكبر من استقلالية المثقف وصدقيته وحقه في النقد وفي الاختلاف حتى مع السلطة. أما أن يسعى السياسي إلى توظيف المثقف ضمن أدواته السياسية فيصبح المثقف - مع الوقت - رقماً آخراً في "حاشية" السياسي مثله مثل بقية من في "معيته" من مستشارين وخبراء وطباخين وصناع نكتة ومن في شاكلتهم من "الأخوياء" و"المطارزية" فتلك نهاية "المثقف" حتى وان ابتكر أعظم النظريات وألف أشهر الروايات وحاضر في أعرق الجامعات. إن من مصلحة النظام السياسي في أي بلد وجود قطاع كبير من "المثقف المحترم" حتى وإن تعارضت آراؤهم وأفكارهم مع النظام نفسه. وهذا النوع من "المثقف"، ذو الصدقية والمواقف النقدية، يعد أيضاً صمام أمان للمجتمع وقيادته خاصة في وقت الأزمات. إن التنوع والاختلاف هما من شروط المشهد الثقافي الحي والمؤثر، والقدرة على التعبير المباشر عن هذا التباين والتنوع في الأفكار والرؤى هي في الواقع إثراء وغنى للحراك الثقافي في أي مجتمع.

لكننا هنا أمام سؤال آخر: هل يحتاج المثقف العربي اليوم إلى قمة عربية ثقافية ترسم للثقافة العربية طريقها وتحدد لها شكلها ولونها؟ جوابي بالتأكيد: لا! فالحراك الثقافي الحقيقي والحي لا يأتي بقرار سياسي ولا يتحقق بقمة سياسية. إن الثقافة العربية، لكي تحقق وجودا وحيوية، خاصة في عصر العولمة وتحدياتها، تشترط ما لا يبدو أن "القمة العربية"، مهما صلحت نوايا أهلها، قادرة على تحقيقه: الحرية!

إن حرية التعبير وحرية التفكير وحرية الاختلاف هي "الشرط" الأساس لأي حراك ثقافي جاد ومؤثر. الحقيقة المؤسفة أن بيننا، في العالم العربي، وبين تحقق هذا "الشرط" مسافة طويلة ومليئة بكل أشكال الألغام والعوائق والسدود والمواد القابلة للانفجار! وهكذا سنبقى ندور في حلقات مفرغة من أي معنى وهدف طالما ظلت العملية السياسية في عالمنا العربي لا تحتكم في أدائها إلى "مؤسسات" حقيقية وإنما إلى قرارات ومواقف يرتجلها الفرد في لحظات غضب أو لحظات فرح. وتلك هي "الحالة" حينما تغيب مؤسسات الرقابة، من قضاء مستقل وبرلمان فاعل وصحافة ناقدة، وفي غياب مظلة قوية تؤمن بتلك الحريات كمكتسب وطني "مقدس" لا تمسه "مزاجية" السياسي من قريب أو بعيد. لكن "الفرج" ربما جاء مع تقنيات الاتصال الحديثة والمبهرة. فمن يستطيع اليوم منع شباب المنطقة من التواصل مع مؤسسات المجتمع المدني في الشرق وفي الغرب ومع نظرائهم في العالم كله من شباب يتطلع للتغيير والابتكار والإبداع ؟

أدوات التواصل هذه، بعيوبها ومشكلاتها، ستسهم في تحرير الإنسان العربي من وسائل الرقابة المحلية التي هيمنت طويلاً. غير أنها، بالتأكيد، ليست كافية لترسيخ حراك ثقافي محلي ينبع من إنسان المكان نفسه ويتفاعل فيه المثقف العربي مع أهل بيئته أولاً ثم يتواصل بعد ذلك مع العالم كله.

كل ما سبق لا يلغي أهمية مبادرات عربية جيدة مثل اللقاء التحضيري الأول للقمة الثقافية العربية الذي عقد قبل أسبوعين في بيروت. كان هذا اللقاء ثمرة جهد مشترك بين مؤسسة الفكر العربي والمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة تحت مظلة جامعة الدول العربية. وللأمانة، يستحق المنظمون تقديراً خاصاً على جهودهم في استضافة 120 مثقفاً عربياً من أجل إعداد "أجندات" القمة الثقافية العربية القادمة. ومع أنني على يقين أن "قمة" ثقافية عربية لن تصلح حال الثقافة في العالم العربي ما دام أبرز شروط "النهضة" - أعني الحرية - غائباً إلا أنني أتفاءل بأن هذه القمة ربما تسهم في تذكير "الأمة" بمخاطر وتحديات ثقافية كبرى يواجهها العالم العربي اليوم. فعلى سبيل المثال، وبعد مداولات طويلة - وصاخبة أحياناً - أصر فريق العمل، الذي بحث في موضوع ضعف المحتوى العربي الرقمي على شبكة الإنترنت،على تنبيه القادة العرب بخطورة فرض رقابة على الانترنت لأنها "فاشلة سلفاً"! بمعنى آخر، بدلاً من البحث في آليات جديدة لفرض رقابة على الإنترنت، تقنية اليوم كفيلة بإفشالها، سيكون أجدى أن تُدعم مبادرات جادة تهدف لزيادة المحتوى العربي "النوعي" على الإنترنت. ما الذي يمنع، مثلاً، من تأسيس صناديق "دعم مالي" تشجع الشباب العربي على الاستثمار فيما من شأنه أن يرفع من مستوى المحتوى العربي على شبكة الإنترنت؟ ولماذا لا تتعلم مؤسسات عربية كثيرة، حكومية ومدنية، من تجارب مهمة في فرنسا وإيطاليا وألمانيا نجحت إلى حد بعيد في حماية لغاتها المحلية من هيمنة "الإنجليزية" وسطوتها؟ لم لا نستفيد من تلك التجارب في محاولاتنا الوليدة لإنقاذ اللغة العربية؟ وثمة العشرات من الأفكار العملية التي يمكن أن تبني جسوراً من التلاقي الإيجابي بين المثقف وصانع القرار في العالم العربي. لكن يبقى التحدي الأكبر أن يقتنع "السياسي" العربي بأن حريات التفكير والتعبير والنقد والاختلاف، تأتي على رأس قائمة شروط النهضة الثقافية المنتظرة في العالم العربي! فهل سيقبل "السياسي" بالثمن الذي سيدفعه في حين تحقق هذا الشرط؟ وما الذي يجبره على قبول هذا الثمن؟

وهنا تكمن المشكلة!


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
a Priori
خمد الشرهان -

هل هناك حقاً ثقافة عربية وماذا تعني القمة الثقافية، وما علاقتها بسياسة الجهل السياسي العربي، فالثقافة العربية المعاصرة ضائعة بين شلة من ; الزعران;، ويقودها رمز معقد هنا وهناك، عاشوا على السرقات ومديح السلطة وفضلاتها وأخبارها. فلو طالعنا الصحف لوجدنا الكم الهائل من التعطش لمديح السياسي قبل الثقافي، هناك غياب للنسق الثقافي حيث المزاجية ومازوخية التبعية، هذا الإنقصام الموروث شبابياً ، فلو قرأت العناوين الثقافية لوجدتها تعكس مقدار كاف عن الحالة النفسية للمثقف وهو يعيش التناقض في اسلوبه ونقاشه وعرض تصوراته وصياغة أخبار مشروعه الثقافي. الكاتب العربي مشروع عصابي أو وجه آخر سلطوي وذلك بفضل سطوته التي اكتسبها جوعاً في الماضي وراح يطبقها قمعاً في الحاضر. يمكن القول إن الثقافة قبل أن تتبناه القمة سقطت في حضيض عقليات تحاول أن تقدم لنا نتاجها الممل والمكرر والغير مجدي.