جريدة الجرائد

الديمقراطية كالطفل عليك رعايته ... فقد يحبو إلى حتفه !

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

محمد جابر الأنصاري

أسوأ ما يمكن أن يتوهمه شعب من الشعوب هو الوهم القائل (والقاتل) : بما أن الديمقراطية أصبحت "موضة" عالمية، فإنها آتية إليه حتماً ... هكذا ببساطة وسلاسة!
هذا وهم خادع !
لا تأتي الديمقراطية لشعب من الشعوب على طبق من ذهب. فلابد من "زرعهــا" و"استنباتها" في البيئة المجتمعية المحلية، ثم رعايتها وتعهدها بالسقي. إلى أن يشتد عودها وتصبح شجرة خضراء ويانعة. وعند بلوغ هذه المرحلة لابد من تشذيب وتهذيب وري الشجرة لتبقى ولا تتعرض للذبول ... ولابد أن تباشرها قوى المجتمع المدني المحلي المعني، ولا فائدة من الاعتماد على "الخارج". فقوى الخارج "تتأرجـح" بين مبادئها الديمقراطية ومصالحها الخاصة ومواقفها تتغيّر حسب هذا "التأرجح".
أقرأ هذه الأيام تاريخ نمو وتطور الديمقراطية البريطانية، أعـرق وأقدم ديمقراطيات العالم . وهي ديمقراطية علينا أن نتنبه إنها مورست داخل حدود بريطانيا فحسب، ولم يحرص عليها أصحابها في أرجاء الإمبراطورية الواسعة ... التي لم تكن تغيب عنها الشمس ... ولكنا لم نجد في أقطارها شروقاً لشمس الديمقراطية إلا بجهد شعوبها، ابتداء من حركة سعد زغلول في مصر، وحركة المهاتما غاندي في الهند، بين حركات أخرى ...
ومن قراءتي لتاريخ الديمقراطية البريطانية داخل بريطانيا أصاب بالذهول ... كم كانت تحتاجه الديمقراطية من قرون حتى ترسخ وتتعزز!
ومن حسن الحظ إذا كانت الديمقراطيات القديمة تحتاج إلى قرون كي تنمو، فإنها في أيامنا لا تستغني أقلها عن عقود لكي تنمو ويشتد عودها.
وعندما توجهت كل من الولايات المتحدة وفرنسا إلى "النظام الديمقراطي" بعد "الثورة الأمريكية"، و"الثورة الفرنسية"، كانت قوى المجتمع المدني في كلا البلدين نامية تماماً، ومستعدة لحمل العبء الديمقراطي، وكانت البُنية التحتية الإنمائية فيهما متنامية وناضجة، وكان التكوين السياسي، لهما كدولة قوية، قد اكتمل وتم احترامه ...
وعودة إلى تاريخ نمو وتطور الديمقراطية البريطانية، التي شهدنا مؤخراً فيها، عـودة "المحـافظين" إلى استلام السلطة بعد تراجع قبضة "العمـال"، نجد إن هذه الديمقراطية يمكن "التأريخ" لبدايتها مطلع القرن الثالث عشر الميلادي بإصدار الملك جون للماغنا كارتا - أي الميثاق الأعظم باللغة اللاتينية التي كانت سائدة في حينه - وذلك عام 1215 للميلاد ولم يكن الماغنا كارتا وثيقة ديمقراطية مكتملة، (وبريطانيا سارت على العُرف الدستوري، وليـس لديها "دستور" كالدول الأخرى)، فقد كان الماغنا كارتا تعاقداً سياسياً بين المؤسسة الملكية الحاكمة في بريطانيا وبين "البارونات" من ملاك الإقطاعيات الزراعية حيث تعهد فيها الملك لأولئك بعدم زيادة الضرائب عليهم، إلا بعد موافقتهم بالإضافة إلى تأكيد تلك الوثيقة (التي يمكن قراءة نصها الكامل في موضعها الأبجدي من الموسوعة البريطانية) على مبدأ "حرية" الكنيسة واستقلالها وحرية التجار في التنقل واستيراد ما يريدون من بضائع حسب القوانين الجمركية المعتمدة.
كان الماغنا كارتا بداية ... وبداية فقط. ويلمس المرء من قراءته للتاريخ السياسي البريطاني، إن الوثيقة لم تحسم الكثير. فقد طرأ نزاع كبير وحروب أهلية خطيرة بين المؤسسة الرسمية والبرلمان مدعوماً بالقوى المؤيدة له، وتم إرسال "قادة المتصارعين" من الجانبين إلى ساحات الإعدام - بطريقة غير ديمقراطية! - ثم دخل القائد العسكري كرومويل في المشهد السياسي وأوقف العملية الديمقراطية لسنوات، ومن بعده استمر الصراع والشد والجذب ... ولم يصل، مثلاً، حزب العمال، الذي يمثل القوى العاملة في بريطانيا إلى السلطة إلا عام 1924 عندما شكل الزعيم العمالي المنتصر "رمزي ماكدونالد"، في الانتخابات البرلمانية، الحكومة لأول مرة في تاريخ بريطانيا. ولأول مرة في تاريخها أيضاً، استطاعت المرأة البريطانية التصويت في الانتخابات العامة سنة 1928 ومازالت الديمقراطية البريطانية تنمو وتتطور، فهم مازالوا "يتناقشون" هناك إن كان "مجلس اللوردات" يجب انتخاب أعضائه انتخاباً، أم تعيينهم بالوراثة؟!
ثم أن النظام الديمقراطي ليس مثالياً ولا طوباوياً وليس آتياً من "جمهورية" أفلاطون. ولأحد أبرز زعماء العمل السياسي في بريطانيا، وهو ونستون تشرتشل، مقولة شهيرة عن الديمقراطية، وهي أنها ليست أفضل نظم الحكم لكنها أقلها سوءاً!
فكل بديل حكم آخر يشمل من السوءات أكثر مما تشمله الديمقراطية! وإذا كانت مجتمعات العالم الثالث تريد الديمقراطية فعليها أن توفر شروطها أولاً:
1- التأكّد من أن التنمية الاقتصادية، وإقامة ضروريات البُنية التحتية، وتنامي قوى المجتمع المدني قد بلغت درجةً من النضج تسمح بقيام نظام ديمقراطي، وهذا يدخل - مثلاً - في سر نجاح المشروع الديمقراطي الإصلاحي لملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة الذي تستعد بلاده لانتخابات الدورة البرلمانية الثالثة هذه الأيام، حيث نشهد ونكتب، إلى جانب الديمقراطيات الناجحة في عالـم اليوم. والجدير أن هـذا "الوعي" اقترب من أن يصبح "مسلمة" في المجتمع حيث كتب الكاتب البحريني القدير عبدالله المدني في روايته الجديدة "بولقلق" إشارة بهذا المعنى - نشر المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ص 90.
2- العمل على تقوية الدولة الحاضنة للديمقراطية. فلا يمكن للديمقراطية أن تنمو في دولة مضعضعـة الأركان وما يحـدث أمامنـا في العــراق، يؤكـد ذلـك. و"الديمقراطيون" الذين يعملون على زعزعتها وإضعافها، يضعفون أهدافهم في الديمقراطية قبل كل شيء. وكان كاتب هذه السطور قد أشار إلى أهمية ذلك عندما أصدر كتابه (تكوين العرب السياسي) عام 1994، ص 191، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت) وكان المفكر المغربي الدكتور عبدالله العروي، يشير قبل ذلك في أبحاثه القيمة إلى هذه الحقيقة وضمن هذا السياق لابد من الإشارة إلى أهمية ظهور "القائد التاريخي" الحريص على تنمية الديمقراطية في وقتها المناسب.
3- في المسيرة الديمقراطية، وحيث أنها تطبق في واقع البشر وظروفهم، يمكن أن تحدث "تراجعـات" و"انتكاسات". ولكن هذا أدعى إلى الاستمرار فيها واستنقاذها، من التراجع عنها.
4- لابد من الحذر في مجتمعات كمجتمعاتنا العربية والإسلامية، إن بعض القوى، أو معظمها!، التي يدعمها "الشارع" وتثير غرائزه بتأثير الغيبيات أو المحرمات أو الهزائم، يمكن أن تصل إلى السلطة وتقضي على الديمقراطية من الأساس! حدث هذا في روسيا بعد الثورة على القيصرية، حيث استمرت تجربة ليبرالية جديدة فيها لمدة تسعة أشهر فقط، قبل وصول البلاشفة إلى السلطة، أما المثال الألماني الهتلري عام 1933 حيث نال الحزب النازي أغلبية برلمانية، باسم الديمقراطية. فإنه أشهر من أن يُعرّف.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لا حياة لمن تنادي
د.عبداللطيف الرعود -

إنها ديمومة الكراسي سبق بنو يعرب الاغريق في تعريفها وتسميتها،وسيعتذر سقراط وأفلاطون من بني يعرب عن كلمة الديمقراطيه بلغتهم الاغريقيه ويتنازلوا عنها طوعا للعرب الذين تفننوا بها وأجادوا إستعمالها وتعريفها لكل الامم،إرتبطت في بلدانهم بالأوليغارشية أي مجموعة القلة التي تتحكم في كل شيء،تتحكم في المناصب القيادية العليا والوسطى تستمر ما دامت الحياه!! ويحدث نوع من التواصل فيما بينها (خصوصا في العليا منها) وتتكون طبقة صارت تشابه ما يعرف بـ (الأوليغارشية) أي مجموعة القلة التي تتحكم في كل شيء، بل تصبح هي الطبقه الحاكمة المباشرة لشؤون البلاد والعباد في تعاملاتهم وهمومهم اليومية، وتقترن الأوليغارشية بالفساد ومقاسمة المصالح والنفوذ وحيث أنها متواصلة بحكم خريطة لمراكز وتعلم ما يدور وما يحدث وما كان وما سيكون''متاح لها التمتع بخيرات البلدبل وتورثها لاجيالها ولا ينازعهم أحد!! كراسيهم ثابته من ثبات حاكمهم،والحاكم رغم الكرسي الدائمه إلا أنه يفوز بنسبة99،9%وكم كان احدهم لو يضيف العشر لتصبح نتيجته100% ولا معارضه شعبيه بل حناجر تهتف "بالروح بالدم نفديك يا ملك، ياريس،يازعيم،يا..وفي السياسه لا دخل لهم،فلا كلام بل هم في سبات ونوم عميق،وشاعرنا الرصافي يصفالناس ساخرا : ياقوم لا تتكلموا إن الكلام محرمناموا ولا تستيظوا ما فاز إلا النؤوموتأخروا عن كل ما يقضي بأن تتقدمواودعوا التفهم جانبا فالخير ألا تفهمواأما السياسة فاتركوا أبدا ولا تندموا!! ولكنه يعودويدعوا الأمة أن تنتفض : يا أمة رقدت فطال رقادها هبي وفي أمر الملوك تأمليأيكون ظل الله تارك حكمه الـ منصوص في آي الكتاب المنزلأم هل يكون خليفة لرسوله من حاد عن هدي النبي المرسلوفي موضع آخر يقول :إنما نحن أمة تدرأ الضيم وتأبي أن تستكين لواليأمة سادت الأنام وطابت عنصرا من أواخر وأواليفإذا ما غلا الغشومنهضنا فقــــــذفناه سافلا من عالوإذا ما غلا المليك رددناه ذلـــيلا يــــــــقال بالأغلال!!ولن تنفع كلمات الرصافي لأن المثل قد سبقه ونعى له الامه وكبر عليهاالتكبيرا الاربع حين قال"لقد أسمعت من ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي"

لا حياة لمن تنادي
د.عبداللطيف الرعود -

إنها ديمومة الكراسي سبق بنو يعرب الاغريق في تعريفها وتسميتها،وسيعتذر سقراط وأفلاطون من بني يعرب عن كلمة الديمقراطيه بلغتهم الاغريقيه ويتنازلوا عنها طوعا للعرب الذين تفننوا بها وأجادوا إستعمالها وتعريفها لكل الامم،إرتبطت في بلدانهم بالأوليغارشية أي مجموعة القلة التي تتحكم في كل شيء،تتحكم في المناصب القيادية العليا والوسطى تستمر ما دامت الحياه!! ويحدث نوع من التواصل فيما بينها (خصوصا في العليا منها) وتتكون طبقة صارت تشابه ما يعرف بـ (الأوليغارشية) أي مجموعة القلة التي تتحكم في كل شيء، بل تصبح هي الطبقه الحاكمة المباشرة لشؤون البلاد والعباد في تعاملاتهم وهمومهم اليومية، وتقترن الأوليغارشية بالفساد ومقاسمة المصالح والنفوذ وحيث أنها متواصلة بحكم خريطة لمراكز وتعلم ما يدور وما يحدث وما كان وما سيكون''متاح لها التمتع بخيرات البلدبل وتورثها لاجيالها ولا ينازعهم أحد!! كراسيهم ثابته من ثبات حاكمهم،والحاكم رغم الكرسي الدائمه إلا أنه يفوز بنسبة99،9%وكم كان احدهم لو يضيف العشر لتصبح نتيجته100% ولا معارضه شعبيه بل حناجر تهتف "بالروح بالدم نفديك يا ملك، ياريس،يازعيم،يا..وفي السياسه لا دخل لهم،فلا كلام بل هم في سبات ونوم عميق،وشاعرنا الرصافي يصفالناس ساخرا : ياقوم لا تتكلموا إن الكلام محرمناموا ولا تستيظوا ما فاز إلا النؤوموتأخروا عن كل ما يقضي بأن تتقدمواودعوا التفهم جانبا فالخير ألا تفهمواأما السياسة فاتركوا أبدا ولا تندموا!! ولكنه يعودويدعوا الأمة أن تنتفض : يا أمة رقدت فطال رقادها هبي وفي أمر الملوك تأمليأيكون ظل الله تارك حكمه الـ منصوص في آي الكتاب المنزلأم هل يكون خليفة لرسوله من حاد عن هدي النبي المرسلوفي موضع آخر يقول :إنما نحن أمة تدرأ الضيم وتأبي أن تستكين لواليأمة سادت الأنام وطابت عنصرا من أواخر وأواليفإذا ما غلا الغشومنهضنا فقــــــذفناه سافلا من عالوإذا ما غلا المليك رددناه ذلـــيلا يــــــــقال بالأغلال!!ولن تنفع كلمات الرصافي لأن المثل قد سبقه ونعى له الامه وكبر عليهاالتكبيرا الاربع حين قال"لقد أسمعت من ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي"