جريدة الجرائد

العرب: ثمن «الرسوب» في امتحان العولمة!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لابد من استلهام نماذج النجاح العالمية

الرباط - عزيز مشواط

في المستقبل القريب قد يصبح عاديّاً أن نقرأ على منتوجات من قبيل دمى الأطفال العبارات التالية" تم تصميمها في الولايات المتحدة الأميركية، وتم نسج شعرها في اليابان، وبفرنسا وقع إخراج ملابسها فنيّاً، أما حاسوبها الناطق فقد برمج في الهند، في حين أن صباغتها، المستخلصة من البترول العربي، مصنوعة في تايوان، قبل أن يتم تجميعها النهائي بالصين".

هكذا تصف الكاتبة الأميركية "سوزان برغر" في كتابها Made in Monde الأثر "السحري" لمفعول العولمة في تشتيت جغرافية التصنيع العالمية، بعد أن صار الإنتاج الإنساني، بمختلف تجلياته الثقافية والمادية، عابراً للقارات وللحدود.

ولا أدري إن كانت "برغر" وهي تقوم بسرد الجنسيات المشاركة في إحدى عمليات الإنتاج المستقبلي، قد عمدت بوعي أو بدون وعي إلى استحضار العرب فقط كمشاركين بالمادة الأولية، من خلال البترول. ولكن لا يهم وعي "برغر" بالمسألة أم لا، ما دام الواقع يثبت أن العالم العربي لا يزال مستهلكاً بالدرجة الأولى، ولا تتعدى مشاركته في العملية الإنتاجية تزويد العالم بالمواد الأولية والخام. أما المشاركة في الإنتاج والإبداع الإنسانيين فتبقى شبه منعدمة.

وبالتأكيد، هناك إجماع عام على حقيقة اتساع الهوة بين الدول العربية والدول الغربية وحتى بعض الدول الآسيوية. ففي منتصف السبعينيات، يقول تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003، كان المستوى الاقتصادي والمعيشي لكوريا الجنوبية موازيّاً لحال دول عربية كمصر والمغرب، غير أن الهوة اليوم بين هذين البلدين وكوريا صارت ضخمة إلى درجة تستحيل معها كل المقارنات.

لقد فشل العالم العربي في التموقع الصحيح خلال العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين بفعل أسباب عديدة. ويتفق الجميع، على اتساع الهوة بين الدول المتقدمة والعالم العربي الإسلامي اجتماعيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً، بفعل فشل استراتيجيات التنمية بكل أبعادها. غير أن الأزمة تصبح أعمق بفعل التوتر المستمر بين إكراهات الحفاظ على النظام السائد، الذي تتقاطع فيه مصالح مجموعة من القوى الدينية والنخب المستفيدة، والحرية التي تفرضها هجرة الأفكار والمنتوجات العابرة للحدود بفعل العولمة. ويتولد عن التخوف من التغيير وفقدان مصالح الجهات الدينية والاقتصادية المستفيدة من الانغلاق، عداء مستحكم لكل جديد. وهذا العداء غالباً ما تستثمره مجموعات مذهبية متطرفة في العالم العربي الإسلامي فتنتج خطاباً إسلامويّاً، يساهم بهذا القدر أو ذاك، في الحيلولة دون إمكانية استفادة المجتمعات العربية من الفرص الهائلة التي تقدمها العولمة للتحديث والعقلنة والتنمية.

وهكذا، تركز الخطابات الإسلاموية في نقدها للعولمة على أبعاد أخلاقية صرفة. فيتم تفسير العولمة بطريقة تجعلها انحلالا أخلاقيّاً ميئوساً منه، يهدد الهوية بالتشتت.

والحال أن وضعية التردد أمام العولمة، والعجز عن الانخراط في التنمية والإنتاج الإنساني، دفعا البعض إلى اتهام الثقافة بالمسؤولية عن هذه الأوضاع. ولكن إذا كان واقع حال العالم العربي الإسلامي مترديّاً، وتقبع جل دوله في مؤخرة الترتيب العالمي، فإن ذلك لا يعود بالضرورة إلى نقص ثقافي، بل يعود إلى القبضة الخانقة للذهنية المتشددة.

إن العرب والمسلمين في حاجة لنبذ الفهم المتشدد للدين وتفادي القراءات والتأويلات الخاطئة التي تمنعهم من الاستفادة من المنتوج الإنساني، لأن الترياق الضروري للعالم العربي الإسلامي للخروج من حالة التشرذم واللاتنمية يتمثل في استثمار كافة الإمكانيات التي تتيحها العولمة. وعلى رغم أن كثيرين ينظرون إلى مفعول العولمة باعتبار أنه قد قلص من خيارات البشر في التصرف بحرية، وحكم عليهم باتباع نموذج أحادي في التطوير، إلا أنها، إلى جانب ما يمكن أن تحمله من تحديات، توفر فرصاً استثنائية للنجاح والاستفادة من المنتوج الإنساني بكل حرية.

ويعتقد أصحاب النظرة التبسيطية أن نشوء نظام اجتماعي ما بعد تقليدي، الذي تفرضه العولمة مضر، وخاصة أنه يمس أساليب الحياة. إلا أن سنة التطور تفيد بأن المنافسة لابد وأن تطور الأنساق الضعيفة لتصير أكثر تنافسية.

وعلى عكس كل توقعات المتفائلين والمتشائمين بشأن تأثير العولمة، هناك سيناريوهات كثيرة متعددة وناجحة سواء في الدول المتقدمة أو تلك السائرة في طريق النمو. ففي العالم نماذج متعددة للاستجابة للعولمة باعتبارها أرقى مراحل الحداثة، فالنموذج الياباني والنموذج الصيني والنموذج الماليزي والنموذج الكوري الجنوبي، مؤشرات تثبت اختلاف المجتمعات في تعاطيها مع المنتوج الغربي.

إن دراسة هذه النماذج بعمق وبعيداً عن تضخيم الذات أو تقزيمها، مركزي في مسيرة البحث عن أسباب غياب العرب عن المساهمة في الحضارة الإنسانية الراهنة. ويقتضي الأمر أيضاً، كما يشير إلى ذلك الدكتور إبراهيم أبراش في مقالة عميقة حول "العرب وتحديات العولمة"، تعاملاً عقلانيّاً وموضوعيّاً مع موضوع العولمة وغيرها من النظم الفكرية والاقتصادية المستوردة. ويجب أن نتوقف عن تضخيم الذات بطريقة غير موضوعية وغير عقلانية. أما نقطة الانطلاق حسب "أبراش" فهي "الإقرار بأننا كمجتمعات عربية وإسلامية توقفنا عن المساهمة الحضارية منذ القرن الخامس عشر (سواء كانت الأسباب داخلية كخضوعنا لنظم متسلطة أو خارجية كالاستعمار)، وإن غالبية مشتملات الحضارة الحديثة هي نتاج الآخر، العالم الغربي، والقول إننا كنا أصحاب حضارة أو ساهمنا في وضع أسس الحضارة الإنسانية لا يفيـد في شـيء ما دمنا اليوم نعتمد في معيشتنا على منتجات الآخر الثقافية والاقتصادية والعلمية، وهذا القول لا يعني التقليل من شأن ماضينا المشرف".

ينشر بترتيب مع خدمة "منبر الحرية"

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
وهم السلمون
بن ناصرالبلوشي -

العرب والمسلمون يسبحون((وهما))عكس تيارالعولمة(البشرية),وذلك لايمانهم بانهم(غير)و(مختلفين)عن الكل(الأخرين)في تيارالعولمة الجارف!