جريدة الجرائد

النيل والإرهاب.. صداع أفريقي يهدد مصر والجميع

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في قمة الاتحاد بغياب مبارك والبشير

القاهرة- أحمد سيد حسن


لم يحدث أن تذكرت مصر انها دولة افريقية بمثل ما تشعر به هذه الايام. فالعديد من القضايا الافريقية اصبحت تدق ابواب مصر بقوة، ومعظم هذه القضايا تصنف تحت خانة "التحديات الاستراتيجية"، وفي المقدمة طبعا قضية مياه النيل بعد ان اقدمت معظم دول الحوض (6 من اصل 10 دول) على التوقيع على الاتفاقية الاطارية الجديدة لتوزيع ايراد نهر النيل من المياه، اما القضية التالية فهي تتعلق بمخاطر انفصال جنوب السودان على مصر، في ظل توقعات اقرب الى اليقين بأن الجنوب "راحل راحل" عن الشمال بعد اشهر قليلة في مطلع العام القادم.

كانت تلك القضايا المخيفة لا تكفي لاحداث قلق لدى السياسة المصرية، فاضيفت اليها مشكلة تنامي وتصاعد الارهاب القادم هذه المرة من الصومال، الدولة العربية العضو بالاسم في الجامعة العربية، والتي كانت جزءا من الامبراطورية المصرية ايام حكم مؤسس مصر الحديثة الوالي محمد علي (1805 - 1845) حيث كانت الصومال واريتريا ومصوع تحت السيادة المصرية باتفاقيات مع شيوخ القبائل فيها، كما دانت ولاية دارفور للسيادة بـ"الايجار"، نتيجة اتفاق مع سلطات دارفور.

غياب البشير ومبارك
الإرهاب في الصومال والذي فرض نفسه على قمة الاتحاد الافريقي (اختتمت اعمالها الثلاثاء الماضي في العاصمة الاوغندية كمبالا)، وصل الى هذا البلد قبيل انعقاد القمة بأيام قليلة، ومـع ختام مباريات مـونديال جنوب افريقيا عبر عملية ارهابية حصدت 76 قتيلا ومئات الجرحى من ابناء اوغندا اثناء متابعتهم العرس الافريقي الذي استولى على اهتمام واعجاب العالم، وهو قد مثل قصة نجاح مبهرة لجنوب اقريقيا والقارة السمراء التي حاولت توظيف هذا النجاح لاثبات جدارتها بالمشاركة في تنظيم مسابقات رياضية كبرى بحجم المونديال وبنجاح كبير.
وربما كان وصول ارهاب مقاتلي حركة الشباب المجاهدين الى اوغندا سببا في فرض اجراءات امنية مشددة في الجزيرة التي عقدت فيها القمة والتي تحولت الى ثكنة عسكرية، وهو ما دعا الرئيس الاوغندي يوري موسفيني ليطالب برحيل الارهابيين الى اسيا او الشرق الاوسط - وكأن هاتين المنطقتين هما الموطن الطبيعي للارهاب والارهابيين - لكن تلك الكلمات لم تخف حقيقة ان القارة الافريقية تعوم على بحيرة من الارهاب.. ولا يكاد يخلو بلد فيها من جماعات ارهابية تعمل تحت شعارات دينية، مثل "جيش الرب الاوغندي" او شعارات عرقية اثنية مثلما حدث في الحرب الدموية في رواندا والتي قتل فيها اكثر مـن مليون في معارك وحشية.
هذا علاوة على الحروب المستمرة في دارفور والتي تم بسببها تشديد مواد الاتهام ضد الرئيس السوداني عمر حسن البشير، واضافة تهم الابادة العرقية بحق سكان دارفور، وبالتالي لم يستطع البشير الحضور الى القمة بل على العكس، لم يوفد وفدا على مستوى رفيع حيث كان تُتوقع مساندة من الاتحاد الافريقي له في معركته مع المحكمة الجنائية الدولية.

نظيف يمثل الرئيس
اما الرئيس المصري حسني مبارك فمنذ محاولة اغتياله الفاشلة عام 1995 في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا فقد توقف عن حضور القمم الافريقية عدا قمة ابوجا في نيجيريا عام 2005. ولكن تحرص مصر على تمثيلها بوفود رفيعة على مستوى رئيس الوزراء، وبالتالي شارك د. احمد نظيف في هذه القمة والقى كلمة الرئيس مبارك وكانت اهم فقراتها دعوة الرئيس المصري الى عدم الاعتراف بالانقلابات العسكرية وتغيير الانظمة المنتخبة ديموقراطيا، في ظل استمرار تعرض دول افريقية لقلاقل سياسية واستمرار تدخل الجيوش في الحياة السياسية.

أموال القذافي
وغياب الرئيس مبارك تزامن مع صعود اهتمام الزعيم الليبي معمر القذافي بالقارة الافريقية بعد ان يئس من العمل العربي المشترك. وكان هو صاحب فكرة تحويل منظمة الوحدة الافريقية التي ولدت في مصر عام 1961 الى الاتحاد الافريقي في ظل حلم القذافي بتحقيق الوحدة الافريقية. وهو في تلك القمة دعا الى فتح ابواب الدول الافريقية للاموال الليبية المستثمرة في دول غربية وتقدر كما قال القذافي بـ 900 مليار دولار، قادرة على تغيير وجه الحياة في افريقيا.
وبالتوازي مع غياب مبارك والبشير فإن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة حضر القمة في اطار اهتمام جزائري تقليدي وتاريخي ايضا بالعلاقات مع الدول الافريقية، خاصة ان الجزائر نجحت وما تزال في تأمين انسحاب المغرب من الاتحاد الافريقي بسبب ازمة الصحراء الغربية (البوليساريو) التي تشارك كمراقب.

أول حضور لرئيس أريتري
وحضر للمرة الاولى رئيس اريتريا اسياسي افورقي، وهي ايضا كانت جزءا من الامبراطورية المصرية الى ان تنازلت مصر عن حقها التاريخي في حكم اريتريا عام 1948 تأكيدا لحق شعب اريتريا فى الاستقلال، كما قبلت القاهرة سنة 1956 استفتاء تقرير المصير للسودان الذي كان جزءا من المملكة المصرية واختار الاستقلال، وها هو يتجه نحو الانفصال مجددا، ولكن هذه المرة انفصال الجنوب عن الشمال.

مشروعات للتنمية
يبقى أن القمة التي كانت اصلا مخصصة لاوضاع المرأة والطفولة في افريقيا، اكتشفت انها بحاجة الى مليارات الدولارات لتحسين الأحوال الصحية، وجاء دعم معنوي للقادة الافارقة من الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي ذكّرهم بأنه افريقي المنشأ (من كينيا، ولونه دليل على ذلك). وهو دعم معنوي لم يتحول الى واقع لتنفيذ الوعود الاميركية والغربية بمساعدة افريقيا على الخروج من دائرة الفقر وتراجع التنمية.
ولكن يبدو انه كان للارهاب اوقع صدى، حيث نجح شباب "المجاهدين" في الصومال وعصابات القراصنة في المحيط الهندي وعند مدخل البحر الاحمر في تنبيه العالم الى مخاطر الارهاب في القارة الافريقية الذي ينمو بسرعة فى عديد من دولها.

دول حوض النيل
وبالتالي فمن المؤكد أن كلمات موسفيني، بدعوة الارهاب والارهابيين للذهاب الى آسيا والشرق الاوسط قد ضاعت سدى، لان الارهاب ضمن قائمة طويلة من المخاطر الكبرى اصبحت تستوطن في افريقيا، وقد فوجئت دول القارة بحروب داخلية فيما بينها على خلفية مياه النيل مثلا. فعلى الرغم من الدبلوماسية المصرية الهادئة ومحاولة تنفيذ مشروعات مشتركة مع دول حوض النيل، فإن مصر تعاني صداعا افريقيا مؤلما، حده الأول مياه النيل والثاني الإرهاب، حيث تطمح مصر في ان تصلها مياه النهر عند حدودها الحالية (55 مليار متر مكعب) والا يصلها ارهاب شباب المجاهدين وقراصنة البحر الصوماليين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف