الحريري يتجنب ذكر المحكمة ويلتزم صون السلم الأهلي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أمير قطر يشدد على "الحكمة والعقل"
بيروت
بقي لبنان في قلب الاهتمام العربي أمس أيضاً عبر الزيارة الفريدة من نوعها التي قام بها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الى جنوبه ومعه أركان الدولة رؤساء الجمهورية ميشال سليمان، المجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري، وسائر الرسميين، فيما سعى الوسط السياسي الى تقصي المعلومات عن النتائج غير المعلنة للقمة السعودية - السورية - اللبنانية التاريخية التي عُقدت في بيروت أول من أمس، وسط تسريبات عما طرحته من معالجات للخلاف اللبناني حول المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وإمكان صدور القرار الظني عن الادعاء فيها خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وساد تكتم على ما دار خلال القمة الثلاثية، لا سيما في اللقاءات الثنائية التي حصلت خلالها، بينما رحبت المواقف السياسية التي صدرت أمس بالزيارة المشتركة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشار الأسد، وأكدت أن من أولى ثمارها التهدئة السياسية استناداً الى ما صدر في البيان الرئاسي اللبناني. ولوحظ ان رئيس الوزراء سعد الحريري تجنب امس ذكر موضوع المحكمة الدولية، مشددا في المقابل على تمسكه بصون السلم الاهلي.
وعلمت "الحياة" أن من نتائج القمة أن نواب تيار "المستقبل" وقادته "تلقوا تعليمات بعدم تناول موضوع المحكمة، وما يتردد عن احتمالات صدور القرار الظني من الادعاء العام فيها قريباً، وبعدم إثارة النقاش في هذا الصدد لا سلباً ولا إيجاباً، حرصاً على المحكمة نفسها والتزاماً بالتهدئة التي انتهت القمة الثلاثية الى دعوة الأطراف اللبنانيين إليها". وذكرت مصادر مطلعة أن هذا الأمر يفترض أن ينسحب على حلفاء "المستقبل".
إلا أن يوم أمس، الذي تحوّل الى يوم جنوبي في برنامج زيارة أمير قطر، لم يخلُ من الحديث عن المحكمة، خصوصاً على لسان نواب من "حزب الله". فتطرق إليه رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النيابية محمد رعد في خطابه أثناء الاحتفال بافتتاح مستشفى مدينة بنت جبيل الحكومي الذي موّلت بناءه قطر في إطار مشاريع إعمار ما هدمته الحرب الإسرائيلية العام 2006، والتي نفذتها الهيئة القطرية لإعادة إعمار لبنان، وفي حضور الشيخ حمد والرؤساء سليمان وبري والحريري وسائر الرسميين. إذ قال رعد أن "الأزمة الداخلية التي عصفت بلبنان بعد حرب تموز انتهت بفضل اتفاق الدوحة، والاستقرار الذي شهده لبنان منذ ذلك الاتفاق معرض للتهديد عبر قرار ظني ظالم يحقق أهداف إسرائيل مجدداً في لبنان، بعد أن عجزت عن تحقيقها في عدوان تموز 2006". وأشار الى أن "التسييس هو ألد أعداء الحقيقة، وإطلاق الحزب لناقوس الخطر هو لشعوره بخطر الفتنة التي تحضّر ولأننا حريصون على حفظ لبنان بأعز ما عندنا".
وتناول الرئيس بري موضوع المحكمة في كلمته في بنت جبيل من زاوية أخرى، إذ قال: "إن إسرائيل ليس لها عمل كل يوم سوى أن تقدم لنا التهم بالنسبة الى المحكمة الدولية والتحقيق الدولي وهي ما عندها شغلة وعملة إلا فقط التفرقة بين اللبنانيين بالنسبة الى هذا الأمر".
وكان اليوم الجنوبي لأمير قطر بدأ منذ الصباح برفقة الرؤساء الثلاثة حيث استقبل في القرى على الطرقات المؤدية الى مدينة بنت جبيل بنثر الرز والورود ونحر الخراف. وفي قلب المدينة، وبحضور نواب الجنوب اصطف عدد كبير من الأهالي والكشافة، على جانبي الطريق حيث احتُفل بقص شريط افتتاح بوابة بنت جبيل، وتسلم أمير قطر مفتاح المدينة و3 قرى في القضاء ساهمت قطر في إعادة إعمارها وسط احتفال فولكلوري وشعبي، وعرض للخيالة.
وفي قلب المستشفى الذي تم تدشينه، ألقى النائب رعد كلمته التي شكر فيها باسم الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله قطر مذكراً بفضلها في إعادة إعمار القرى التي هدمتها إسرائيل وبجهودها "لإنهاء الحرب في ظل جهد البعض لإطالتها".
أما بري فشكر قطر "من دون أن ننسى فضل الكويت، والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وسورية والجمهورية الإسلامية في إيران". وتمنى بري أن تكون زيارة الأمير حمد "كما زيارة الأمس للعاهل السعودي والرئيس بشار الأسد مناسبة لتعزيز بناء الثقة بين الأطراف اللبنانيين وعدم الوقوع في الأفخاخ الهادفة الى العودة بلبنان الى أجواء الفتنة". كما تمنى بري على الضيف القطري "تقوية مناعة لبنان إزاء محاولة إسرائيل خلق شرخ بين المواطنين وقوات يونيفيل لتقويض القرار 1701"، مشدداً على وفاء لبنان لالتزاماته تجاه هذا القرار.
وتحدث أمير قطر عن أن لبنان "ما زال يواجه الكثير من التحديات وهو أهل لمواجهتها"، مشيراً الى أن "معركة إعمار المجتمع لا يمكن تقسيم اللبنانيين فيها الى خاسر ورابح". وقال: "لبنان يعرف مصلحته ويمكنه أن يتخذ قراره بحكمة وروية وقد وجدتم الدوحة والطائف وغيرهما من المدن العربية جاهزة لاحتضان لقاءاتكم لكنكم لن تحتاجوا لمثل هذا في المستقبل إن شاء الله، غير أنكم ستجدوننا دائماً داعمين لازدهار لبنان ومساندين لصوت الحكمة والعقل والعيش المشترك لكل مواطنيه".
وأكمل الضيف القطري جولته الجنوبية مع الرئيس سليمان والرئيس بري فيما عاد الرئيس الحريري من بنت جبيل الى صيدا، ثم عاد فانضم إليهم في منزل بري في المصيلح للمشاركة في مأدبة الغداء الجامعة التي أقامها رئيس البرلمان على شرف الشيخ حمد، في حضور سليمان وأركان الدولة. وشملت جولة أمير قطر بوابة فاطمة وبلدة الخيام الحدوديتين، حيث أزاح في الأخيرة، وسط استقبال شعبي حاشد، الستارة عن تدشين مبنى مقر المجلس البلدي فيها. ثم انتقل الى بلدة دير ميماس حيث زار الكنيسة التي تكفلت قطر بإعادة بنائها، في إطار تبنيها إعادة بناء عدد من المساجد ومراكز العبادة في العديد من القرى الجنوبية التي شهدت استقبالات شعبية للموكب، لينتهي المطاف في منزل بري.
وواصل الضيف القطري برنامج زيارته مساء أمس فالتقى الحريري في بيروت وأجرى محادثات معه حول التطورات في لبنان والمنطقة، قبل أن يقيم رئيس الحكومة مأدبة عشاء تكريما له، في حضور حشد وزاري ونيابي وسياسي.
ووزع مكتب الحريري بيانا سياسيا، للمناسبة، خلا من أي إشارة الى موضوع المحكمة الدولية، مركزا على عنوان الاستقرار. وقال الحريري، في البيان: "فيما تعود إسرائيل الى تهديدنا، وفيما تهدد التعقيدات الإقليمية بمناخات قد يستغلها البعض لضرب استقرارنا الداخلي لا سمح الله، نجد سمو الشيخ حمد بن خليفة، ينخرط بنشاط الشباب الذي لا يكل، الى جانب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسيادة الرئيس بشار الأسد، في الجهد العربي الموحد لمواجهة مخططات إسرائيل وضمان استقرار لبنان".
وأضاف: "هذا الاستقرار، الذي كانت الدوحة قبل عامين من اليوم، مكاناً لترسيخه، وترسيخ التفاهم عليه بإشراف مباشر وتدخل شخصي من سمو الشيخ حمد، الذي نحفظ له جميعاً قدرته على تقريب وجهات النظر انطلاقاً من قناعة اللبنانيين التي احتضنها العرب جميعاً، أن الأساس يجب أن يكون دائماً، حفظ السلم الأهلي والاستقرار وإعطاء لبنان الفرصة للخروج من الفراغ الرئاسي الخطير الذي كان يعاني منه في حينه".
ولاحظ أن القطريين "من أوائل الأخوة العرب الذين اكتشفوا لبنان وجهة اصطياف وسياحة وطبابة واستثمارات". وتحدث عن فتح قطر أبوابها للبنانيين "عندما هب جنون الحرب الأهلية".
واضاف: "عندما أطلق الرئيس الشهيد رفيق الحريري مشروعه لإعادة إعمار لبنان بعد الطائف كانت قطر سباقة، بمؤسساتها الحكومية وقطاعها الخاص الى المساهمة في التمويل والتنفيذ وإعلان الإيمان ببلدنا وبمستقبله".
ورأى أن "هذا المجهود تعرض، الى اعتداءات إسرائيلية متكررة وفي كل مرة، كانت قطر، تعمل على وقف العدوان، وعلى محو آثاره، في جميع المناطق تماماً كما شهدنا اليوم جميعاً، في زيارة سمو ضيفنا الكبير الى جنوبنا الحبيب".
وكان نائب الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم قال في حديث متلفز إن القرار الظني (في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري) "سيأخذ لبنان الى المجهول". ودعا الحريري الى "اتخاذ القرار الصائب والتصدي للمخطط الهادف لإضعاف المقاومة، والفرصة ما زالت متاحة لمعالجة الموقف قبل صدور القرار الظني".
وتترقب الأوساط السياسية مدى انعكاس مفاعيل القمة الثلاثية على موقف "حزب الله" في الخطاب الذي سيلقيه السيد حسن نصرالله مساء الثلثاء المقبل، في مهرجان الذكرى الرابعة لانتصار المقاومة في حرب تموز (يوليو) 2006.