جريدة الجرائد

التسوية ولبنان والدور السوري

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


رضوان السيد


وصـل إلى لبنان يوم الجمعة في 7/30 الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشّار الأسد. وقد سبقت الزيارة رحلاتٌ للملك السعودي إلى مصر وسوريّا، وتعقُبُ زيارتَه للبنان زيارةٌ أُخرى إلى الأردنّ. وكان مجلس المبادرة العربية قد اجتمع بمقرّ الجامعة يومي الأربعاء والخميس، وكما لم يكن متوقَّعاً؛ فقد قرّر المجلس تفويض الرئيس الفلسطيني محمود عباس الدخولَ في تفاوُضٍ مُباشرٍ مع إسرائيل لمدةٍ محدودةٍ قد تمتدُّ إلى شهر نوفمبر القادم. وهذا التفويضُ غير المتوقَّع بهذه السرعة ربما كان سببُهُ الحصول على الضمانات المطلوبة من الولايات المتحدة، من خلال رسالتين من الرئيس أوباما تلقّى إحداهما الرئيس الفلسطيني والأخرى الرئيس المصري، وهذه وغيرها هي الأمور التي جرى الحديث فيها مع نتنياهو في زيارتيه لمصر والأردنّ ومن ضمنها: مرجعية التفاوُض (أي حدود العام 1967 للدولة الفلسطينية)، والاستمرار في تجميد الاستيطان، والجلاء الإسرائيلي عن بعض المناطق بالضفة والتي كانت إسرائيل قد أعادت احتلالها. على أن يجري في المفاوضات بحث قضايا الوضع النهائي الخمس، وإن لم يكن ذلك شرطاً مسبقاً. والمفهوم أنّ تمديد فترة التفاوُض والتي تعني عدم ذهاب الطرف العربي إلى مجلس الأمن كما كان مخطَّطاً، له عدةُ أغراض: إعطاء إمكانيات التقدم باتجاه السلام فرصة، وإعطاء الرئيس أوباما فرصةً لما بعد الانتخابات النصفية في نوفمبر، وإعطاء الفلسطينيين فرصة للعودة إلى التوحُّد حول شروط التسوية وضماناتها، والحيلولة أخيراً دون لجوء أحد الأطراف إلى الحرب التي يشجعها انقطاع التفاوض. والمقصود بذلك إسرائيل في الأساس، لكنْ أيضاً إيران وحزب الله بعد التوتُّرين الأخيرين، الأول بجنوب لبنان مع اليونيفيل (أي القوات الدولية التي تُساعدُ الجيش اللبنانيَّ في المنطقة الحدودية)، والثاني خطابات الأمين العامّ لحزب الله ضدَّ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

ما الذي يدفعُ سائر الأطراف إلى الحرص على التفاوُض إلى هذا الحدّ؟ لقد دفعني ذلك الإصرار رغم عدم ظهور إمكانيات للتقدم على طريق السلام بسبب التعنُّت الإسرائيلي، إلى القول في بعض المداخلات قبل أسابيع إنه تفاوُضٌ من أجل التفاوُض، وربما كان هدفه الوحيد إضعاف أو تأخير احتمالات الحرب. لكنّ الواقع أنّ الجميع، وبخاصةٍ السوريون والفلسطينيون، وربما الإسرائيليون، يقفون جميعاً تحت سقف التسوية. فالفلسطينيون (وبخاصةٍ السلطة) لا يملكون إلاّ هذا الخيار. وحماس استطراداً ما عادت تملكُ حتّى خيار إطلاق إطلاق الصواريخ، التي يرى أبو مازن منذ عدة سنوات أنها لا تُفيدُ أحداً ولا شيئاً. أما السوريون فيذكرون أنهم اتخذوا السلام خياراً، ويريدون استعادة أرضهم المحتلّة من طريق التفاوض والدبلوماسية والقرارات الدولية(242، 338)، وفي سبيل ذلك قبلوا مفاوضاتٍ غير مباشرة بوساطةٍ تركيةٍ، وما أَوقفها غير الحرب على غزّة. أمّا إسرائيليو نتنياهو، والذين ما تنازلوا عن شيء وحتّى عن بعض المستوطنات، يُصرُّون على أنه لا بد في النهاية من الدخول في تسوية مع العرب. وقد بَشَّرَ نتنياهو أخيراً انه يرى أملاً كبيراً في هذا المجال في المبادرة العربية للسلام! وتُصرُّ إدارةُ أوباما على أنّ هدفها إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ من طريق التفاوُض المستمرّ، في حدود العام 2012. وقد كررت أخيراً القول- بعد اجتماع أوباما بكلٍّ من محمود عباس ونتنياهو- أنّ تقدماً حصل بهذا الاتّجاه، وأنه لا بُدَّ من تثمير ذلك التقدم في مفاوضاتٍ مُباشرة.

وفي ضوء هذه "الوقائع"، يمكن فهم أو استطلاع أبعاد الأمرين: تمديد فترة التفاوُض وتحويله إلى مُباشر، وثوران "حزب الله" ثم إيران على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. فالتمديد والتحويل -ما دامت التسوية التفاوُضية هي الخيار- منطقيان؛ وبخاصةٍ أنّ العرب يستطيعون الرجوع- إنْ حصل اليأْس- إلى مجلس الأَمْن في ديسمبر القادم بدلاً من أكتوبر. إنّما الجديدُ وليس الطارئ هو الحصارُ الذي يزدادُ إحكاماً على إيران بعد القرار الدولي الرابع للعقوبات. وهذا عاملٌ مؤثّرٌ؛ وبخاصةٍ إذا لاحظْنا أنّ الأمين العام لحزب الله، بدأ أحاديثه ضد المحكمة الخاصة بلبنان بالقول إنّ المقاومة هي الطرفُ الرئيسيُّ الذي وقف ويقف ضدَّ "التسوية الظالمة". فإيران متضايقةٌ من الحصار، ومتضايقةٌ استطراداً من إمكان التقدم باتجاه التسوية بدون شَورٍ ولا دستور ولا دورٍ لها فيها، بعدما بذلتْهُ مباشرةً وبواسطة الحزب وحماس طوالَ السنوات الماضية للدخول على خطّ النفوذ في المنطقة من طريق المقاومة. ولذا فقد اعتبر الأمين العامّ لحزب الله أنّ صدور قرارٍ ظنّيٍّ من المحكمة الدولية ضدَّ أفرادٍ في الحزب له هدفان: ضرب دور الحزب في المجال الداخلي اللبناني، والأهمّ ضرب دور المقاومة بما هي ذراع النفوذ الإيراني الرئيس في المنطقة العربية بتصويرها بوصفها تنظيماً إرهابياً يمارس العنف ويغتال المدنيين. وبذلك فإنّ الهياج على المحكمة قد يكونُ سببُهُ بالفعل الاعتقاد بأنّ القرار الظنّي للمحكمة قريب، وأنه يتّهم الحزب. وقد يكونُ سبُبُه الاعتقاد بأنّ عملية التسوية تتقدم، دون أن تكون لإيران(أو للحزب) قدرة على إيقافها أو التأثير فيها لصالحها أو الأمرين معاً.

وهكذا فإنّ هذا الهياج على التسوية وعلى المحكمة من لبنان، أيقظ لدى الرُعاة العرب الإحساس بأنّ لبنان قد يتعرض من جديدٍ لاضطرابٍ داخليٍّ هدأَ كثيراً بعد تسوية الدوحة عام 2008، كما قد يعودُ ساحةً للحرب لتعطيل التسوية أو عرقلتها. ولا شكّ أنّ زيارة الملك السعودي والرئيس السوري إلى بيروت، والتحدث إلى سائر الأطراف وطمأنتها كفيلٌ بعودة الداخل إلى الهدوء. فقرارات المحكمة لا يمكن التأثير عليها، لكنّ الوقت، والنتائج الشعبية (إمكان عودة التوتر بين السنة والشيعة) والسياسية (استمرار حكومة الاتحاد الوطني برئاسة سعد الحريري) يمكن استيعابُها كما أشار لذلك رئيس الحكومة عندما أكّد الحرص على وحدة المسلمين، ومصالح اللبنانيين. والمملكة العربية السعودية في هذا المجال رعت على مدى العقود الماضية، وبخاصةٍ بعد استشهاد الرئيس الحريري، السلامَ الداخليَّ في لبنان، ودعمت حكومات ما بعد الخروج السوري من لبنان عام 2005، ومن ضمن ذلك حكومتا الرئيس فؤاد السنيورة، والحكومة الحالية التي يترأسها سعد رفيق الحريري. ومنذ عامٍ ونيَّف، عادت العلاقات السعودية- السورية إلى وثوقها، كما أنّ الرئيس سعد الحريري زار سوريا منذ تشكيل حكومته قبل أقلّ من عامٍ أربع مرات. والرئيس بشار الأسد حليفٌ تاريخيٌّ لحزب الله، كما أنّ لسوريا نفوذاً لدى أطرافٍ اُخرى في لبنان.ولذا فإنّ سوريا عادت قادرةً على القيام بدور "الوسيط النزيه" والوسيط

"المقبول النصيحة" من سائر الأطراف. ولذا فإنّ المنتظَر أن يكون لسوريا قبل الزيارة وبعدها دورٌ بل أدوارٌ في التهدئة والاستيعاب؛ وبخاصةٍ أنّ الأمين العامّ لحزب الله، كان قد دعا في كلمةٍ له الرئيس الأسد للإسراع في المجيء إلى لبنان، وإن كان قد ربط ذلك بالوقوف إلى جانب أنصارها الذين حفظوها في غيابها في السنوات الخمس الماضية، وتعرضوا "لمظالم" كبرى بسبب ذلك الوفاء!

لكنْ هل سيكون الدورُ السوريُّ العائد هو دور"إدارة الأزمة"، كما حصل في ظروفٍ سابقة، أم ستكونُ له مفاعيلُ أَعمق وأكثر دواماً؟ أَقولُ ذلك، لأنه كما سبق، فإنّ الاستنفار القائم لدى "حزب الله"، ليس سببه المحكمة وحسْب؛ بل احتمالات التسوية، وتأْثيراتها على الدور الإيراني، وعلى الأَوضاع في المنطقة. وما اعترضت سوريا على مدّ فترة التفاوض وتحويله إلى مباشر في اجتماع لجنة المبادرة بالجامعة العربية، وهي جزءٌ من عملية التسوية. لكنْ لا مصلحة لها في الضغط على خصوم التسوية إن لم يحصل تقدمٌ بالفعل في العملية، وبالاتجاهين: اتجاه إقامة الدولة الفلسطينية، واتّجاه تحرير الجولان. وصحيحٌ أنه ما لاح شيء في الأُفُق حتى الآن، لكنّ المهتمين بعملية السلام من الأوروبيين والروس والأميركيين، يتعاملون مع سوريا باعتبارها جزءًا فاعلاً في العملية، وإلى جانب ذلك فهم يراقبون سلوكها وتطلعاتها بعد أن امتدّ دورها أو امتدت وظائفُها من غزة إلى العراق.. ولبنان.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف