جريدة الجرائد

بمناسبة ذكرى لم تعلّم الكثير

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


حازم صاغيّة


في مثل هذه الأيّام قبل عشرين عاماً، اجتاح صدّام حسين، حاكم العراق آنذاك، دولة الكويت. لم يكن الحدث ذاك عاديّاً بحيث أنّ العراق والمنطقة لا يزالان، بمعنى ما، يدفعان أكلافه الباهظة.

وقد قيل ويقال الكثير في ذاك الغزو وفي خلفيّاته ومعانيه: يمكن الحديث عن عُظام صدّام الذي ساقه إلى الصدام بالغرب لحظة سقوط الاتّحاد السوفياتيّ، أو عن طبيعة نظامه التوتاليتاريّ المحكوم تعريفاً بالتوسّع.

يمكن أيضاً الحديث عن درجة التصدّع التي أحدثتها تلك الحرب في ما خصّ علاقات الشعوب العربيّة وانفجار عنصريّات شعبيّة متبادلة. ومن العناوين الأخرى التي استرعت، ولا تزال تسترعي، الاهتمام، كيف أنّ الكويتيّين عبّروا عن درجة رفيعة من الإجماع الوطنيّ جعلت الحكومة التي نصّبها صدّام في بلادهم تبدو مهزلة بالكامل، وكيف أنّ اندراج إمارة نفطيّة صغيرة في شبكة المصالح الدوليّة حماية لها يوفّرها "الغرباء" حيال "الأخوة" الأقوياء والمستبدّين.

لقد ظهر من ينتقد، بحقّ، الكويت تبعاً لمعايير اجتماعيّة ومواطنيّة متقدّمة، إلاّ أنّ ما تأكّد أنّ النقد الذي يُوجّه إلى تركيبة ما يجب ألاّ يُستخدَم في تبرير الانتهاك والسحق لتلك التركيبة ولشعبها، فضلاً عن أنّ طرد الغازي وتحقّق الإشباع الوطنيّ هما وحدهما ما يمهّدان لإصلاح جوانب القصور أو لوضعها في دائرة النقد والتغيير.

كذلك ظهر غمز لبنانيّ من أنّ الاهتمام الغربيّ بالكويت فاق مثيله تجاه لبنان الذي "سُلّم أمره لسوريّة"، وذاك بسبب نفط الإمارة الخليجيّة. وإذا كان دور المصالح في السياسة معروفاً، لا يستدعي الاكتشاف، بقي أنّ اللبنانيّين لم يعوّضوا نقص أهميّتهم للعالم، تبعاً للمصالح، بأيّ تماسك وإجماع وطنيّين من النوع الذي أبداه الكويتيّون.

لكنّ ما يراه موقّع هذه الأسطر بوصفه أقوى دلالات الحدث الكبير الذي طرأ قبل عشرين عاماً، هو أنّ "الجماهير العربيّة" انحازت انحيازاً كبيراً ولا لبس فيه إلى جانب صدّام وغزوه. وكان المخيف في هذا أنّ العقود التي انقضت على نشأة الدولة الوطنيّة في العالم العربيّ، وعلى شيوع مبدأ حقّ تقرير المصير، مرّت مرور الكرام على الثقافة السياسيّة العربيّة. هكذا بقيت فعاليّة البهلوانيّات المتّصلة بتحرير فلسطين ومحاربة إسرائيل، والمرفقة ببضعة صواريخ أقرب إلى الخردة، أكبر بلا قياس من فعاليّة الواقع.

بيد أن الكويتيّين وحلفاءهم في العالم العربيّ اختاروا، بدورهم، ألاّ يخوضوا معركتهم الوطنيّة بلغة تشبهها وتواكبها. هكذا بقي حقّ تقرير المصير أضعف في التوكيد ممّا حظيت به العروبة والإسلام والقدس.

لقد خاض الظالم والمظلوم معركتهما بلغة واحدة هي اللغة الجامعة ومأوى الثقافة الشعبيّة والشعبويّة المشتركة. بهذا فُوّتت فرصة كبرى لرفع الوعي السياسيّ إلى سويّة الواقع كما هو الواقع. فكأنّ الأطراف جميعاً يمثّلون وجهات نظر مختلفة في خدمة العروبة والإسلام والقدس!

لقد قالت تلك الحرب أنّ الظاهر الحديث والحداثيّ هو، عندنا جميعاً، بالغ الضعف والهشاشة، بحيث لا ينقص إلاّ ظهور صدّام حسين حتّى يطلع المكبوت على شكل مأساة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف