لبنان... وامتحان القضبان!

أحمد عبد الملك

في اليوم التالي لصدور بيان القمة الثلاثية في بيروت، التي ضمت العاهل السعودي والرئيس السوري والرئيس اللبناني؛ ضمن الجهود العربية لدعم وحدة الصف العربي، ظهرت صحف لبنان لتعلن أن تلك القمة لم تحمل حلاً قريباً لموضوع القرار الظني المُرتقب صدوره عن المحكمة الدولية الخاصة بمقتل رفيق الحريري. في حين اعتبرت بعض الصحف اللبنانية الأخرى أن القمة هدفت إلى التهدئة. ذلك أن المحكمة دولية، ولا يستطيع أحدٌ تغيير مسار عملها. في حين رأت صحف غيرها أهمية تأجيل إصدار القرار الدولي لإيجاد مخرج للموضوع. ورأت صحيفة "ديلي ستار" الناطقة بالإنجليزية أن "صلب المشكلة في لبنان -وهي قضية التعايش بين حزب الله والدولة اللبنانية- لا تزال دون حل، وستبرُز مجدداً على السطح".

وكانت أوساط قريبة من المحكمة الدولية في نيويورك قد أشارت إلى أنه لا يوجد حاليّاً من يعرف صيغة القرار (الظني)، وهو ما زال في رأس المدعي العام الدولي "دانيال بلمار" وأن "تكهنات" الأمين العام لـ"حزب الله" وبعض حلفائه في لبنان وسوريا كانت قد استندت إلى التحقيقات التي أجرتها المحكمة مع نحو 18 قياديّاً من الحزب، التي بدت أسئلتها -على ما يبدو تنحو منحى الاتهام أكثر من كونها أسئلة موجهة إلى شهود فقط. واعتبرت تلك الأوساط أن ما جرى في لبنان مؤخراً هو محاولة تأجيل صدور القرار لأطول مدة ممكنة، قد تظهر خلالها خريطة الطريق الدولية، لكيفية التعاطي مع البرنامج النووي الإيراني، التي أجمعت دوائر إعلامية وسياسية على احتمال تبلورها في أواخر هذا العام أو أوائل العام المقبل. وأشارت المصادر إلى أنه تم التنسيق بين حزب الله وأطراف إقليمية لاستحقاقات نشوب أزمة داخلية في لبنان لتفجير الأوضاع مع إسرائيل كبادرة وقائية.

وكان مدير معهد مسائل العولمة في موسكو "ديلياغين ميخائيل" قد قال: "توحي عقوبات الولايات المتحدة المفروضة على إيران -وهي أشد من عقوبات مجلس الأمن وأكثر إيلاماً منها- بأننا على عتبة مواجهة". وهذا لو وقع سيرفع أسعار النفط، ويسبب ركوداً اقتصاديّاً دوليّاً.

وفي هذا الصدد أعلن حسن نصر الله الأمين العام لـ"حزب الله" أن قرار المحكمة (الظني) هو "مشروع إسرائيلي ومؤامرة كبرى على البلاد وعلى المنطقة"، وأشار إلى أن "حزب الله" قد أعد ملفاً عن المحكمة الدولية سيكشفه قريباً. واتهم الجواسيس الإسرائيليين في لبنان بأنهم السبب فيما يحدث في البلد سواء قبل الحرب أو بعدها. وحذر (نصر الله) في أبريل الماضي من أن الحزب لن يسكت على أي اتهام سياسي أو إعلامي يُوجه له في القضية! في حين أعلن نائب الأمين العام لـ"حزب الله" (نعيم قاسم) أن الحزب قرر "التعاطي مع مسألة المحكمة الدولية بدقة متناهية، فإذا كانت مُسيسة في طريقة أدائها فلنا موقف، وإذا كانت قضائية مستندة إلى الأدلة الحاسمة المادية المعترف بها فسيكون لنا موقف آخر".

وكانت المحكمة الدولية قد رفضت اتهامات "حزب الله" لها ونعتتها بأن وراءها دوافع سياسية! ونُسب للمتحدثة باسم المحكمة الدولية أن "التجارب أظهرت في محاكم أخرى أن نتائج عمل مثل هذه المؤسسات تتحدث عن نفسها. وتناقض مزاعمَ غير موثقة بالتدخل بشكل عدائي".. وأضافت "نحن على قناعة بأن هذا سيحدث أيضاً مع المحكمة الخاصة بلبنان".

إن الإشكالية التي تزيد الأمر تعقيداً هي أن الحكومة اللبنانية ملزمة بالتجاوب مع المحكمة الدولية لتسليم المتهمين -مهما كانوا- أو الذين يثبتُ تورطُهم في مقتل الحريري.

وكانت مصادر أميركية مكلفة بمتابعة ملف المحكمة الدولية قد أشارت إلى أن "ما يُثار عن معرفة القرار الظني قبل صدوره هو محض تكهنات، بل حملات إعلامية تقصد استباق المحكمة لنسفها".

وفي ذات الوقت رأت قوى "14 آذار" في تصريحات نصرالله "انقلاباً أبيض" يمهّد لوضع اليد على ما تبقى من مؤسسات أمنية وسيادية وخدمية لا تزال خارج الإدارة المباشرة لـ"حزب الله". واعتبر عضو كتلة "نواب الكتائب" إيلي ماروني أن كلام نصرالله يشكل "رسالة ضغط حتى يخاف القضاة في المحكمة الدولية، وبهذا الكلام يضع نفسه مكان الأجهزة الأمنية، تماماً كما حلوا مكان شبكة الاتصالات، وأنشأوا شبكة اتصالات خاصة بهم".

ومن جانبه عضو تكتل "لبنان أولاً" أحمد فتفت اعتبر أن "هدف المحكمة ليس الانتقام من أحد، بل العدالة والبحث عن الحقيقة" وأشار إلى أن "التشكيك بقراراتها قبل صدورها يؤدي إلى توتير الأجواء الداخلية، وإلى اضطراب الوحدة الوطنية".

وإذن، فالقمة الثلاثية على أرض لبنان الأسبوع الماضي كانت تهدف إلى ضبط الأعصاب، والتهدئة بين جميع الفرقاء اللبنانيين، وعدم العودة إلى نشر الغبار الطائفي من جديد، بهدف إشعال لبنان واضطراب أمنه وإدارته، كي لا يكون مستعدّاً لقبول أو تطبيق قرار المحكمة الدولية! وهي في واقع الأمر لم تقدم حلولاً ناجعة كما صرحت بذلك الصحف اللبنانية.

إن جريمة اغتيال الرئيس الحريري دانها الجميع، وعلى الجميع أن يتحملوا قرار المحكمة الدولية -التي لا نشك أنها لن تجامل أحداً على حساب أحد- وإن طال الأقربين أو الأعزاء! ذلك أن مثل هذه المحاكم تعمل بمهنية وكفاءة عالية، ولا تتدخل في "شطحات" العصابات أو توجهات "ملوك الطوائف" كي تميل بقراراتها إلى هذا الطرف أو ذاك! وعلى اللبنانيين تقبّل قرار المحكمة الدولية بروح من المسؤولية والتسامي فوق جراحاتهم حفاظاً على وحدتهم وأمن بلادهم، ووقوفها قوية أمام أي عدوان إسرائيلي محتمل. ومن الصواب أن يَدخلَ المجرمون خلف القضبان، ومن الخطأ أن يُدخلَ اللبنانيون بلدَهم خلف القضبان.