الدم في بغداد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سمر المقرن
إنني أعتذر من بغداد، والدم فيها، والناس والتاريخ فيها، إن ما يحدث في بغداد أصبح وجبة يومية لكل صحيفة يومية وقناة فضائية، وحمام الدم لم يكن مفاجئة حتى ملّت الصحف من الحديث عنه، ولم يعد يغري القنوات الفضائية أن تغطي ذهاب الأرواح وموت الأطفال والنساء في بغداد، لا شيء في بغداد مغر سوى الألم والموت والسواد، والعراق الذي صار الآن يرضخ تحت نيران الدكتاتورية والدم والظلم والطائفية والجنون والحرب، بل صارت بغداد بعد أن كانت هادئة في ظل نظام نعتوه بـ "الظالم" صارت مدينة أشباح، وصار أهلها لا يأتمنون على أنفسهم فيها ومنها، والعالم كله يبكي على بغداد حتى مل العالم من البكاء، فصار يبحث عن أحداث أخرى، فلم تعد أرقام الموتى في العراق مغرية له، ولم يعد الظلم في بغداد وجبة لذيذة للعيون والآذان التي تراقبها، حتى كتّاب المقالات والمحللون لم يعد يغريهم أن يتحدثوا عن بغداد، ولا القارئ يحفل بما يجري في العراق، لقد تعوّد الجلد العربي على ملمس الجرح، وتعود على سماع أصوات الموت والقنابل والتفجير والاحتلال في بغداد، وفي نفس الوقت لا يسمع أي شيء عن جرائم المال، ولا تصدير النفط، ولا عبث الدول الغربية فيه.
إن كل شيء مخجل في بغداد، كل شيء وأي شي، ولا أحد يعرف لماذا هذا التواطؤ ضد الإنسانية في بغداد، لماذا تواطأ العربي مع المسلم في بغداد، ولماذا اتفق السني مع الشيعي على العراق، ولا لماذا تواجد الإرهابي بجوار الأميركي بين نهري دجلة والفرات، ولا لماذا تصر أميركا على وجودها وإنفاقها، رغم أن شعبها يعاني من التضخم ويتجه للدرجات الهوائية ليقاوم ارتفاع أسعار النفط، ولماذا أوروبا صامتة، أو لماذا روسيا عاجزة عن فعل شيء من أجل العراق، أو لماذا الناس كل الناس لا تشعر بالناس في ذلك البلد المنكوب.
كل ما عليك أن تتأمل ماذا يحدث في العراق، وماذا تدفع الآن لتعرف أن العالم قبيح في أفعاله، وفي أهدافه، وفي رؤيته، وفي كل شيء رغم ما يدعيه من جمال، ورغم ما يزعم من إنسانية.
بغداد والعراق تحترق وتموت وتهرم وتزرع الحقد في العالم لأنها مظلومة، وأنا وأنت والحكومات والشعوب والأمم والتاريخ هو السبب.
إنني أعتذر مرة أخرى من بغداد، وأعتذر من كل بغدادي ومن كل عراقي عن عجزي، وعن ألمي الصامت، وعن مساهمتي الخجولة، وإنني أدعو فقط -لأني لا أملك إلا الدعاء- أن ينقذ الله -عز وجل- بغداد من البغداديين أولاً، ومن أعدائها ثانياً، ومن الإنسان أخيراً. واعتذر من بغداد من عجز العاجزين من المتألمين من أمثالي، فبغداد المريضة لن تموت لكنها تتألم وستعود بعد أن يكون قد امتلأ صدرها صديداً وقيحاً من حمامات القتل والانفجار والقنابل والسرطان وقلة الماء والغذاء والهجرة ونقص التعليم والجهل!