جريدة الجرائد

الإسلام الأبيض في أميركا

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

صالح سليمان عبد العظيم


يتعرض المسلمون هذه الأيام لهجمة أميركية شرسة، تأتي على رأسها حملة "أوقفوا أسلمة أميركا". وحتى يمكن فهم طبيعة هذه الهجمة، فإنه يجب وضعها ضمن سياق التحولات الإسلامية في الولايات المتحدة. فمنذ سنوات عديدة بدأت أعداد المسلمين تتزايد في أميركا، مصحوبة بالدعاية الكونية السلبية حول الإسلام، وهي دعاية تعاظمت بالتأكيد بعد أحداث سبتمبر التي أدمت أميركا في عقر دارها.

ورغم سيل المهاجرين المسلمين إلى أميركا في السنوات الأخيرة، سواء من العالم العربي أو آسيا أو غيرها من بقاع الأرض الأخرى، فإن ما أشاع قلق أميركا هو انتشار الإسلام بين مواطنيها البيض بشكل كبير. فالحملات الجديدة الداعية إلى وقف أسلمة أميركا، يعنيها بدرجة كبيرة وقف انتشار الإسلام بين الأميركيين البيض المسيحيين.

ما الذي تخافه أميركا من تحول مواطنيها البيض إلى الإسلام؟ وقبل ذلك، ما هي مواصفات هؤلاء المسلمين البيض الجدد؟

تنبع أهمية البيض المتحولين للإسلام، من كونهم خلافا للأفارقة الأميركيين، لم يلجأوا إليه عن ضعف أو عن شعور بالكراهية الناجمة عن استغلالهم وامتهانهم، أو حتى عودة إلى دينهم الأول قبل استرقاقهم وجلبهم للولايات المتحدة.

العكس هو الصحيح، فالبيض ما زالوا يمثلون العنصر الأكثر قوة وهيمنة في المجتمع الأميركي، رغم التراجع الهائل في نسبتهم مقارنة بالفئات الأخرى مثل المهاجرين اللاتين أو الآسيويين، كما أنهم وُلدوا وتربوا كمسيحيين مخلصين لتعاليم الكنيسة.

وهم يؤمنون بالقيم الرأسمالية في توجهاتها المثالية، ولا يعرفون لهم وطنا آخر سوى أميركا. كما أن تحولهم للإسلام يرجع لفهمهم الجيد لأميركا؛ فقد لجأوا للإسلام عن قناعة بنموذج جديد يتعارض بدرجة كبيرة مع النموذج الرأسمالي الاستهلاكي الحالي.

فالبيض الأميركيون المتحولون، يجمعون بين قيم الإسلام السامية، وبين أفضل ما في حضارتهم الرأسمالية من قيم تحض على العمل والزهد والمساواة والحريات المدنية. فأخلاقهم تختلف عن أخلاق العرب والآسيويين؛ فهم غير فقراء، يلتزمون بقيم العمل، يحترمون الوقت، ويؤمنون إيمانا حقيقيا بالمساواة مع المرأة.

من هنا فإنهم يمثلون خطرا كبيرا على المنظومة الرأسمالية المسيحية، من حيث أنهم يعون تماما نقاط الضعف التي تواجهها، كما يعون أيضا الآليات المختلفة التي يمكن من خلالها الدفاع عن أنفسهم حقوقيا وتشريعيا، كما يمتلكون الجرأة التي لا يمتلكها المهاجرون في الإعلان عن ذلك.

إضافة إلى ذلك، فقد خلق البيض المتحولون إلى الإسلام، أزمة كبيرة في السياق الأسري الأميركي، من خلال كسر التجانس والتوافق المسيحي داخلها. وعلينا أن نتصور هنا فردا من أفراد الأسرة المسيحية الأميركية، يخرج عن حالة الإجماع البروتستانتي أو الكاثوليكي مشهرا إسلامه في وجه باقي أفراد الأسرة، وأثر ذلك عليهم، سواء من خلال الرفض أو القبول وما يستدعيه من رغبة في التعرف على الإسلام والأسس التي يقوم عليها.

وإذا كانت السلطات الأميركية والقائمون على شؤون الكنيسة، سواء البروتستانتية أو الكاثوليكية، يمكنهم توجيه التهم للمسلمين المهاجرين وملاحقتهم أمنيا، بل والدعوة لطردهم من أميركا، فإن الأمر ذاته لا يمكن القيام به تجاه الأميركيين البيض المتحولين إلى الإسلام. فهؤلاء لونهم أبيض، لا يعرفون بلدا آخر سوى أميركا التي ولدوا فيها وآمنوا بالقيم التي تدعو لها وتتبناها.

لذلك فإن هناك صعوبات جمة في التعامل مع هؤلاء المسلمين، خصوصا إذا ما علمنا أنهم تزوجوا مسلمات وأنجبوا أطفالا مسلمين. وإذا كان بعض العرب المهاجرين إلى أميركا من أبناء الأقليات الدينية الأخرى، يمكنهم توجيه التهم للمسلمين في العالم العربي وإلصاق الإرهاب بهم، فإنهم لن يستطيعوا القيام بذلك تجاه الأميركيين البيض المتحولين للإسلام، بل إنهم لن يستطيعوا أن يمارسوا استعلاءهم عليهم.

من هنا يصبح التوجه الجديد لكافة الأطراف المناهضة للإسلام، هو العمل على تحجيم تحول البيض للإسلام من خلال تلك الحملات الجديدة التي ظهرت مؤخرا، والموجهة ضد الإسلام في الولايات المتحدة. ويزداد التوتر الأميركي بشكل خاص، في ضوء الدور الهائل للتبشير الكنسي الأميركي حول العالم. ففي الوقت الذي يتم فيه التبشير في الخارج، يتحول البيض إلى الإسلام داخل أميركا.

وحتى الآن فإن البيض الأميركيين ما زالوا داخل النطاق الشعائري للإسلام، يحاولون فهمه والتعمق فيه والدأب على شعائره. وهي جوانب ترتبط بالمراحل الأولى من التحول، التي يقف فيها المرء على الجوانب الروحية والطقوسية الخاصة بالدين، لكن الأمر سوف يختلف بالتأكيد بعد فترة من الزمن، حينما تزداد أعداد المتحولين وحجم تأثيرهم في الثقافة الأميركية الحالية.

عند هذا المستوى سوف يسعى البيض الأميركيون إلى أمرين على قدر كبير من الأهمية، يتعلق أولهما بفرض فهمهم الخاص للإسلام وما يرتبط بذلك من تفسيرات تتجاوز تفسيرات المهاجرين من عرب وغيرهم، ويتعلق ثانيهما بالتوسع في المؤسسات الدينية المختلفة، وعلى رأسها المساجد والمدارس الإسلامية.

فهل سيتم ذلك بشكل سلمي يرتبط بسياق الحريات الذي توفره أميركا، أم أنه سوف يتعدى ذلك لمواجهات عنيفة في ضوء التطرف الأميركي المتصاعد؟ تساؤلات سوف تجيب عنها أحداث المستقبل والمواجهات القادمة داخل المجتمع الأميركي. لكن يظل السؤال الهام هنا: ما هي الجوانب المختلفة التي تدفع الأميركيين البيض للتحول إلى الإسلام؟ ذلك ما سوف نجيب عنه لاحقاً.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف