قرائن نصر الله على محك تحقيق بيلمار
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ساركوزي يؤكد للحريري ضرورة تجنب "التوتر" مع إسرائيل
بيروت
لم يتضح في بيروت "الخيط الابيض من الاسود" في المسار الذي يمكن ان يسلكه الوضع بعد الغبار الكثيف الذي اثارته الاطلالة الاخيرة للأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله و"قرائنه الظنية" في سياق فرضية تورط اسرائيل في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.
واذ بدا ان نصرالله اراد من خلال تلك "القرائن الظنية" احداث "توازن سلبي" مع القرار الظني المرتقب صدوره عن المحكمة الدولية في اغتيال الحريري، والذي يشاع بانه سيوجه اصابع الاتهام الى عناصر من "حزب الله"، فإن تفاعلات هذا المخاض مرشحة للتحول "بقعة زيت".
ومن يقرأ في كفّ بيروت المفتوح على سيناريوات داكنة تستوقفه مجموعة من الوقائع المتحركة، وفي مقدمها:
* استمرار الانقسام اللبناني على حاله في مقاربة قرائن نصرالله، التي اعتبرها خصومه معطيات "ضعيفة" لتعزيز فرضية قائمة، في الوقت الذي وجد فيها حلفاء "حزب الله" أدلة حاسمة ومن باب تأكيد المؤكد.
* ملاقاة قوى "14 مارس" لما اعلنه نصرالله بايجابية مشروطة بـ "سطر واحد"، مفاده ان المرجعية الوحيدة للنظر بأي ادلة هي المحكمة الدولية "المستقلة" دون سواها، بغض النظر عن الاليات التي يمكن اعتمادها لـ "فحص" تلك القرائن.
* الموقف الحاسم لـ "حزب الله" وحلفائه القائم على التشكيك بصدقية المحكمة الدولية ونزاهتها، وتالياً رفض اللجوء اليها تفادياً لاكسابها اي شرعية، الامر الذي من شأنه جعل قرائن نصرالله مجرد سلاح في معركة اسمها "الرأي العام".
والثابت في هذا السياق ان الاخذ والرد في شأن ما اعلنه نصرالله في مؤتمره الصحافي الاخير سيملأ "الوقت الضائع"، واسمه الحركي في بيروت "هدنة رمضان" التي املتها الزيارة المزدوجة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الاسد للبنان اخيراً، وهي المرشحة لـ "الاضمحلال" مع العد التنازلي لموعد صدور القرار الظني عن محكمة لاهاي، المرجح في الخريف.
في موازاة ذلك، وفيما اعتبرت دوائر مراقبة ان القرائن التي قدّمها نصر الله تشكّل محاولة من "حزب الله" لإرجاء القرار الظني بدعوى التدقيق في "المعطى الجديد"، بقي المدعي العام في المحكمة الخاصة بلبنان دانيال بيلمار على صمته، وسط عدم امكان ايّ جهة سياسية الجزم سلباً او ايجاباً بما اذا كان "السيناريو الاسرائيلي" سبق ان تعرّض له التحقيق الدولي ودقّق فيه، نظراً الى الطابع السري للتحقيقات.
وفي حين يفترض ان تشكل الجلسة التي يعقدها مجلس الوزراء الاثنين المقبل، مؤشراً الى الطريقة التي ستتعامل بها الحكومة مع ما طرحه السيّد نصر الله في ظل كلام عن ان الحكومة لا يمكنها التدخل في ملف قضائي نظراً الى "فصل السلطات" من جهة والى ان القضاء اللبناني تنازل عن اختصاصه في ملف اغتيال الحريري الى المحكمة الدولية من جهة أخرى، لفت ما نُقل عن مدعي عام التمييز اللبناني القاضي سعيد ميرزا من "ان لجنة التحقيق ملزمة من حيث المبدأ بأن تتابع المؤشرات والقرائن التي قدمها السيد نصر الله"، من دون ان يحدد آلية حصولها على هذه القرائن ولا سيما في ضوء رفض الامين العام لـ "حزب الله" تسليمها الى المحكمة التي "لا نثق بها"، وإبدائه استعداده للتعاون مع أي لجنة تكلفها الحكومة اللبنانية متابعة التحقيق بفرضية اتهام اسرائيل.
الا ان الناطقة باسم المحكمة الخاصة بلبنان فاطمة عيساوي، اعلنت أن القاضي بيلمار "دعا على الدوام وهو لا يزال يدعو كل مَن لديه دليل متصل بالهجوم على الرئيس رفيق الحريري إلى عرضه عليه".
وشددت عيساوي، التي ذكرت أنها تتحدث باسم المحكمة وليس باسم مكتب الادعاء العام، على أن المدعي العام "أعلن أكثر من مرة أنه سيلاحق كل الادلة الموثوقة"، مضيفة: "أعلن مكتب المدعي العام أيضاً وعلى الدوام أن أي ادعاء مستند إلى عناصر موثوقة ومقدَّم اليه سيخضع إلى مراجعة دقيقة".
وحول تسريبات قيل إنها صادرة من داخل المحكمة، أكدت أن "المحكمة الخاصة بلبنان تأخذ أي مزاعم تستند إلى حقائق وأدلة حول وجود تسريبات على محمل الجد"، مضيفة: "للمحكمة ثقة كاملة في الاجراءات الداخلية التي تتبعها لمراقبة أي تصرف يخرق قوانينها".
وسط هذا المناخ، بدأ رئيس البرلمان نبيه بري مهمة بدت متصلة بمرحلة ما بعد المؤتمر الصحافي لنصر الله والتي "ترتّب على المسؤولين اللبنانيين اتخاذ خطوات جدية للتعامل مع هذه المحطة الجديدة" كما قال. واعتُبرت هذه المهمة استكمالاً للتحرك الذي كان أطلقه الاسبوع الماضي حين زار الامين العام لـ"حزب الله" في إطار مواكبة ما افرزته القمة اللبنانية- السورية- السعودية التي عُقدت في بيروت قبل نحو اسبوعين.
فقد زار رئيس البرلمان امس الرئيس ميشال سليمان حيث عقد معه لقاء استمرّ نحو ساعة اكتفى بعده بري بالقول "آن وقت العمل"، من دون ان يحدد طبيعة هذا العمل ولا آلياته.
وجاء لقاء سليمان - بري بعيد تأكد رئيس الجمهورية ثقته بأن الصعوبات التي يواجهها لبنان في الوقت الحاضر بسبب الخلاف حول المحكمة الدولية وما يتسرب عن القرار الاتهامي لن تؤدي الى تدهور الاوضاع كما يخشى البعض، معتبراً "ان ما يحكى عن تأزم وتوتر حاصلين منذ مدة، ليسا سوى الاوجاع التي تسبق الولادة، ولا مصلحة لاحد بتفجير الاوضاع في لبنان سوى اسرائيل".
وحول مطالبة البعض الحكومة بسحب القضاة اللبنانيين من المحكمة الدولية، وعدم متابعة تمويلها، والتهديد بإسقاطها ان هي لم تلتزم بهذين المطلبين، اعتبر سليمان في حديث صحافي "ان التحدي والخطاب المتوتر لن يوصلا الى اي حل مقبول، بل ان الهدوء وتحكيم العقل واللجوء دائماً الى الحوار هي العلاج الناجح لجميع المشكلات التي يواجهها اللبنانيون"، معولا في الوقت ذاته على اقتناع الجميع بأن لا رابح في اي مواجهة تحصل بل ان الجميع سيخسر واكبر الخاسرين سيكون "لبنان وشعبه".
ولاقى الحراك الداخلي العلني و"المكتوم"، اتصالات كُشف انها تجري مع عدد من العواصم العربية والغربية بينها دمشق والرياض والقاهرة وباريس من أجل تحديد الآلية التي ستتبع لاستثمار القرائن التي عرضها نصر الله واحالتها على بيلمار، علماً ان بيروت بدت مهتمة امس بمجموعة مواقف عربية وغربية واقليمية مما اعلنه الأمين العام لـ "حزب الله"، ولا سيما اعتبار الخارجية الايرانية ان متابعة ملف اغتيال الحريري قضية "لبنانية بحت" ووصْفها الوثائق والادلة التي عرضها نصر الله عن تورط اسرائيل في هذه الجريمة بانها "جديرة بالاهتمام والدراسة"، الى جانب اعلان السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي "ان أدلة وقرائن السيد نصر الله مهمة جداً ويجب أن تؤخذ في الاعتبار من الباحثين عن الحقيقة"، واعتباره أنّ "المحكمة الدولية لا تستطيع تجاهل هذه المعطيات التي قدّمها السيد نصرالله".
وفيما كانت باريس تجدّد بلسان الناطقة باسم الخارجية الفرنسيّة كريستين فاج تمسكها بـ"المحكمة الخاصة بلبنان كجهة مستقلة وحيدة لمحاكمة الجناة"، مشددة في ردّها على نصر الله على أن "المحكمة الدولية وحدها تتمتع بصلاحية محاكمة المنفذين والمنظمين والمتورطين ومن أعطى الأمر باغتيال الحريري"، كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يستقبل في مقر إقامة العائلة في "كاب نيجر" بجنوب فرنسا حيث يقضى اجازته الصيفية رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري (اول من امس).
ورغم ان البيان الذي صدر عن قصر الرئاسة الفرنسي لم يشر الى ان المحادثات تطرّقت الى ملف المحكمة الدولية، فان دوائر سياسية رجحت ان يكون هذا العنوان حضر في المداولات بين ساركوزي والحريري الذي لا يزال يعتصم بالصمت منذ القمة الثلاثية في بيروت والذي اختارت كتلته "الردّ الهادئ" على قرائن نصر الله.
وأوضح قصر الرئاسة الفرنسي في بيان له مساء الثلاثاء أن ساركوزي والحريري تناولا خلال اللقاء الذي استمر لمدة ساعة ونصف الساعة العلاقات الثنائية بين البلدين والوضع في الشرق الأوسط، في إطار الصداقة التقليدية التي تجمع بين لبنان وفرنسا.
وأضاف البيان: "اكد الرئيس ساركوزي في ضوء الأحداث الجسيمة التي وقعت على الحدود الإسرائيلية - اللبنانية (في منطقة العديسة) أنه يتعين فعل كل شيء من اجل تجنب حدوث توترات جديدة"، مشدداً على "ان باريس ستواصل مع الأطراف الرئيسة الإقليمية والدولية مساندة السلطات اللبنانية والمؤسسات الديموقراطية، والجهود الرامية إلى تعزيز استقرار لبنان وأمنه وسيادته".