جريدة الجرائد

لا «البرادعي» شافع ولا «جمال» نافع.. مطلوب «نبي» لمصر!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك



شريف عبدالغني


إنها حالة جديدة في الشارع المصري.. حرب ملصقات بين أنصار التغيير بقيادة الدكتور محمد البرادعي ويأتي من بعده أسماء معارضة مثل أيمن نور وحمدين صباحي، وبين مؤيدي ما يسمى بالاستقرار الذي أصبح في العرف المصري "جمودا". وحسب الفئة الأخيرة إذا ترشح الرئيس مبارك في انتخابات الرئاسة العام المقبل فخير وبركة، وفي حال عدم رغبته فليس هناك سوى نجله جمال، باعتبار أن "هذا الشبل من ذاك الأسد" وهي العبارة التي رفعها صاحب أحد محلات الكشري في حي إمبابة الشعبي الفقير بالقاهرة، مصحوبة بصورتين للرئيس ووريثه المنتظر! محبو البرادعي ينطلقون من فكرة أن ترسيخ حكم ديمقراطي كفيل بتحسين الأوضاع المعيشية للمصريين، وعاشقو آل مبارك يتحدثون عن مزيد من "الإنجازات"، مع مداعبة خيال الفقراء بأن "مبارك الثاني" في حال وصوله للسلطة سيأمر البنوك بمنح كل مواطن قرضا قيمته عشرة آلاف جنيه يسدده دون فوائد "وبراحته على الآخر"، يعني أن كلما توفر معه ربع جنيه يمكن أن يسدده من القرض. ووصل الصراع بين الطرفين إلى الشبكة العنكبوتية، فالداعمون لكل طرف يستخدمون "فيس بوك" كساحة ترويج. فريق البرادعي بدأ المواجهة في الشارع والإنترنت، ولم يترك منافسوهم هذه الساحة خالية منهم ومن "جمال"، وأنشؤوا صفحة على "فيس بوك" عنوانها "نعم لجمال مبارك"، لكنهم تلقوا ضربة شديدة من "هاكرز" مجهولين عرفوا أنفسهم بـ "شباب بيحب مصر" استولوا على الصفحة وحولوها إلى "مرفوض.. غير مرغوب فيك"، كما كتب أحدهم ساخرا: "جمال مبارك لا يستطيع أن يدير صفحة على (الفيس بوك) فهل تعتقدون أنه يستطيع أن يدير دولة؟"، وقال آخر: "الحق يا جمال يا مبارك الصفحة بتاعتك اتسرقت منك".
المفارقة أن هذا الصراع يشغل بال عدد ضئيل من عموم الـ80 مليون مصري، بعدما نجح النظام الحالي بجدارة، وبشكل يستدعى منافسة أليسا على جائزة "الميوزيك أوورد"، في أن يشغل المصريين بالبحث عن لقمة العيش، ثم التفكير في هموم أمراضهم المتوطنة، ولعب النظام لعبة خبيثة طوال الثلاثين عاما الماضية، حيث عمل على نشر ثقافة الفساد بين عموم الناس. لقد كتبت في المقال الماضي -"العرب" عدد الاثنين 9 أغسطس 2010- أن وزير التنمية الإدارية المصري قال مؤخرا إن أكبر مشكلة تواجه الجهاز الإداري للدولة هي "الرشوة" التي يطلبها كثير من موظفي الحكومة مقابل إنجاز أعمالهم. لكن الوزير لم يذكر الأسباب التي أدت إلى استشراء الرشاوى بين صفوف الموظفين. فالنظام يرفع الأسعار بينما تظل الرواتب ثابتة، حتى لو زادت الأخيرة فإنه يقابلها ارتفاع تسعيرة كثير من السلع الأساسية أضعافا مضاعفة، فماذا يفعل أصحاب الدخول المحدودة لمواجهة هذه الزيادة، النظام يترك كل واحد "يقلب عيشه" أي يتكسب مثلما يريد. الموظف يرتشي، وعسكري المرور يمد يده، والتاجر يغش، ورجل الأعمال يسرق، والمدرس يمص دم أولياء الأمور عبر الدروس الخصوصية، والصحافي يعمل لحساب المصدر الذي يغطيه لا لحساب جريدته والقراء. أما السبب فهو أن السلطة الفاسدة تعمل على إفساد الشعوب حتى تغض النظر عن فساد أولي أمرها. عندما تكون فاسدا ستصمت على فساد رئيسك في العمل، وهو لن يستطيع النطق بكلمة أمام فساد المسؤول الأعلى، وهكذا ندور كلنا في نفس الحلقة. الفاسد يفقد القدرة على نطق أهم كلمة في الحياة "لا".. فيتحول إلى كائن بلا كرامة وبلا نخوة، فلا يطالب بحقوقه، ويكتفي بإتاوة يفرضها على هذا أو ابتزاز لآخر، يرضى بالذل والهوان ويتحول إلى دابة يركبها حكامه. وقبل هذا وبعده ترك النظام الأمراض تنهش في الشعب، فما أجمل وأسهل أن تحكم شعبا فاسدا مريضا!
إن حاكم مصر المقبل سيرث تركة ثقيلة جدا، فلا البرادعي ولا جمال يستطيعان حملها. في أميركا يسأل المواطن زميله: أنت "جمهوري" أم "ديمقراطي"؟ نسبة إلى الحزبين الكبيرين هناك، أما في مصر فالسؤال: أنت "أهلاوي" أم "زملكاوي".. "فشل كلوي" ولا "فيروس سي".. "مرتشي" أم تسدين.. ولذلك فلا البرادعي سيشفع ولا جمال سينفع في مواجهة هذا كله، مع الإشارة إلى مشاركة الأخير في السلطة خلال السنوات العشر الأخيرة وبالتالي تحمله جزءا من مسؤولية الأوضاع الراهنة. مصر بحاجة إلى "نبي"، يقيم مجتمعا جديدا خاليا من الأمراض والفساد والجهل والخرافة. يعيد المصري مسالما لا مستسلما.. شجاعا لا خانعا.. قائدا لا خاضعا.. "ابتداعيا" لا "اتباعيا". وقد تكون مهمة "النبي المنتظر" أصعب من مهمة الأنبياء والرسل الحقيقيين، فهؤلاء قسموا المجتمع إلى فسطاطين "الكفر" و"الإيمان" وانطلقوا من الفسطاط الأخير نحو إقناع "الكفرة" بالدعوة والرسالة، أما المجتمع الحالي فالكل تداخل في بعضه ولا يعرف "النبي الجديد" من أين يبدأ، ولا كيف ينطلق، ومن معه ومن ضده، ومن يدخل فسطاط "التغيير"، ومن يتمسك بفسطاط "الجمود"، خاصة أن مشكلة مصر الإضافية أن نخبتها قد لا تقل فسادا عن سلطتها. فمعظم الأحزاب القائمة هي صنيعة رجال الحكم لاستكمال الديكور الديمقراطي، وعدد كبير من المعارضين يؤدون دورا مرسوما لهم، وبعضهم كان حكوميا وذهب ليأخذ نصيبه من "تورتة" السلطة، فلما لم يجد "فتفوتة" واحدة منها ثار وغضب واتجه لمطبخ المعارضة.
عندما تكون السلطة جاهلة جهولة، فإن أبواقها تخرج من نفس طينتها، وقد أطلقت مؤخرا جيوشا من الصحافيين الذين يتميزون بجهل من النوع العصامي، لتشويه صورة البرادعي الذي يعد -سواء اتفقت معه أو اختلفت- أحد أنقى الرموز المصرية، وبغض النظر عن مكانته الدولية، فإنه سبق ورفض إغراءات الحكم الذي عرض عليه -باعتراف مسؤوليه- منصب وزير الخارجية. هؤلاء الجهلاء -أعضاء حملة تحطيم البرادعي- هم سادة الساحة حاليا، بشكل يؤكد أن مصر انحدرت حتى طمع فيها "الرويبضة"، ووصلت لـ "السنين الخداعات" التي حذرنا منها الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا: "سيخوّن فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن، ويكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، وينطق فيها الرويبضة".. قالوا: وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: "الرجل التافه يتكلم في أمر العامة".
حاكم مصر المقبل يجب أن يكون نبيا حتى يستطيع مواجهة مربع "الفساد" و"الفقر" و"المرض".. و"الرويبضة"!!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مقال ومقال
عمر المصرى -

هذا الكاتب رائع بيفكرنا بعصر الكتاب الكبار جدا نأمل أن نقرأ له بمصر وليس بالخارج فقط وشكرا لايلا ف لأنها تتحفنا بمقالاته