جريدة الجرائد

أغرب المفارقات.. شنّ الغارات مع سلام المفاوضات!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


محمد بن عيسى الكنعان

معروف ابتداءً لأقل الناس معرفةً في شأن الصراع العربي الإسرائيلي، أن الموقف الفلسطيني مُنقسم إزاء إستراتيجية التعامل السياسي لهذا الصراع، بين المضي في (طريق المقاومة) أو السير في (طريق المفاوضات)،

وزاد هذا الانقسام اتساعاً بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في يونيو 2007م، ثم زاد هذا الانقسام تعقيداً عقب العدوان الإسرائيلي على القطاع في ديسمبر 2008م، مع استمرار الحصار الجائر بغلق المنافذ البحرية وكل المعابر، ليتوج الانقسام بدخول الفلسطينيين وأطراف عربية في جدل بيزنطي حول المصالحة الفلسطينية بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والحكومة المقالة في غزة.

غير أن هذا الانقسام المخزي، الذي انعكس سلباً على الموقف الرسمي العربي، لم يمنع قيام السلطة الفلسطينية بوقف المفاوضات مع إسرائيل عقب عدوانها الإرهابي على غزة، ورغم أنها استؤنفت بطريقة (غير مباشرة) معها في شهر مايو الماضي من العام الجاري. إلا أن موقف السلطة ظل متماسكاً أمام الضغوطات الأمريكية والإسرائيلية برفض الذهاب إلى طاولة (المفاوضات المباشرة) مع الإسرائيليين، إلا بعد تقدم حقيقي معهم في المفاوضات (غير المباشرة)، خاصة ً ملفي (الأمن والحدود والقدس) فضلاً عن قضايا فتح المعابر وحق العودة والأسرى والمعتقلين. وقد عزز ذلك التماسك موقف الجامعة العربية ولجنة متابعة عملية السلام الذي جاء في ذات السياق.

لكن الموقف المتحد (الفلسطيني العربي) انقلب بطريقة تبعث على الدهشة والريبة، بإعلان الموافقة على الانتقال إلى المفاوضات المباشرة، وحقيقةً لم يكن ذلك مفاجئاً بالنسبة للسلطة الفلسطينية، خاصةً في ظل معلومات تشير إلى رسالة (تهديد مبطن) تلقتها من الرئيس الأمريكي باراك أوباما تتكون من (16 بنداً)، إنما المفاجأة في موقف الجامعة العربية ولجنتها الموقرة وهذا التراجع الغريب. فما قصة تلك المعلومات ولماذا تراجعت الجامعة العربية.

يقول الدكتور صائب عريقات كبير المفاوضين الإسرائيليين إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد تسلم رسالة من الرئيس الأمريكي في 26 يوليو، متضمنة ً الدعوة للدخول في مفاوضات مباشرة التي ستؤدي إلى تحقيق حل الدولتين من خلال إقامة دولة فلسطينية.كما أشارت إحدى الموقع الإلكترونية التابعة لإحدى القنوات التلفزيونية العربية الإخبارية في 31 يوليو، إلى أن مسؤولين فلسطينيين كشفوا أن الرسالة تُحذر الرئيس الفلسطيني من أن عدم الدخول في تلك المفاوضات سيضر بالعلاقة الأمريكية الفلسطينية وهو ما جاء في (البند الثالث) من الرسالة. التي جاء فيها أيضا أن الرئيس أوباما توقع أن تناقش المفاوضات جميع مواضيع الحل النهائي. وأن إدارته ستعمل على وقف الاستيطان إذا بدأت هذه المفاوضات، خاصةً أنها تمكنت من خفض وتيرة الاستيطان في مدينة القدس الشرقية المحتلة والضفة الغربية خلال السنوات الثلاث الماضية أكثر من أي وقت مضى (حسب البند التاسع)، بل يُورد في (البند العاشر) أنه في حال توجهتم للمفاوضات المباشرة، ستمدد الإدارة تجميد الاستيطان، وفي حال الرفض ستكون مساعدتها في هذا الشأن محدودة جداً. لاحظ أن الحديث عن الاستيطان يرافقه تعبيرات (وقف) (تجميد) وليس (إزالة)، مع التحفظ على صحة الإدعاء أن هناك خفض للاستيطان، خصوصاً أن الإسرائيليين يملكون الشجاعة أمام العرب والوقاحة أمام الأمريكيين بإعلان مشاريع الاستيطان المستمرة التي كان آخرها إعلان بناء 40 وحدة استيطانية في أجواء الحديث عن هذه الرسالة، وكل هذا يتفق مع ما شدد عليه أوباما في (البند السابع) من أن إداراته الأكثر التزاماً بإقامة الدولة الفلسطينية، ولكن لن تقدم المساعدة للفلسطينيين إذ لم يذهبوا للمفاوضات وفق (البند الثامن).

إن التحليل البسيط في مفردات هذه الرسالة يجعلك تؤمن أنها مجرد رسالة خالية الفاعلية بدلالة (لغة التسويف) في خطابها، وهي اللغة التي تتقنها الإدارة الأمريكية منذ بداية عملية السلام عام 1990م على مدار مختلف الرؤساء الأمريكيين. وهذا يبدو في بقية البنود كالبندين الأول والثالث عشر المتعلقان بوقت بدء المفاوضات المباشرة، وفي الثاني أن الرئيس الإسرائيلي مستعد لهذه المفاوضات، والسادس يتحدث عن طلب دعم الاتحاد الأوروبي وروسيا بهذا الشأن، والبند الحادي عشر يذكر إن إدارة أوباما تتوقع أن تتعامل المفاوضات مع الأراضي المحتلة عام 1967م، كما ستستمر في اعتبار أي عمل قد يُسهم في هدم الثقة عملاً استفزازياً سيتحمل الطرف الذي يرتكبه مسؤوليته (البند الرابع عشر)، وكأنها لا تعيش الواقع ولا تقرأ التاريخ اللذين يشهدان بأعمال إسرائيل الإرهابية. أما البندان الأخيران في رسالة أوباما فيشيران إلى التزامات الحكومة الإسرائيلية، إزاء مطالب الفلسطينيين مثل رفع الحصار عن قطاع غزة الذي تراه الإدارة الأمريكية أنه تحقق في شكل كبير.

هذه الرسالة التي عصفت بالموقف الفلسطيني ثم ارتدت بشكل مؤثر على الجامعة العربية (انظر البندين الرابع والخامس)، فتحول موقفها الذي عكس هشاشة الموقف العربي الرسمي في قضية الصراع مع الكيان الصهيوني، فالرئيس الأمريكي يقول بوضوح في رسالته من خلال البند الرابع: إنه لن يقبل بالتوجه إلى الأمم المتحدة بديلاً من الانتقال إلى المفاوضات المباشرة، وقال في البند الخامس إنه وإدارته سيعملان على إقناع الدول العربية بالمساعدة في اتخاذ قرار بالتوجه إلى المفاوضات المباشرة، وهذا ما تم بالفعل، فتناست هذه الجامعة (فاقدة الحيلة) تصاريح أمينها العام الذي ملأ الإعلام، بتأكيداته أن عدم تحقيق تقدم على مسار قضية السلام من الإسرائيليين، سينقل ملف هذه القضية بالكامل إلى مجلس الأمن، وأن مهلة ذلك تنتهي في سبتمبر المقبل بناءً على قرار لجنة المتابعة العربية، وأنها لن تقبل بمفاوضات مباشرة إلا وفق جدول زمني محدد.

أين ذهب كل هذا؟ الجواب تختصره غارات إسرائيل المتكررة على غزة وعدوانها الأخير على لبنان، فهي تريد السلام عبر المفاوضات مع شن الغارات وارتكاب جرائم إنسانية في عرض البحر. لهذا سيبقى هذا السلام السراب سلام حكومات وليس سلام شعوب أبية تنشد الحرية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف