جريدة الجرائد

مفتي القدس: الضم الصهيوني للمقدسات ينذر بحرب دينية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

القاهرة - محمد عبدالحي


القضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك، تقع تحت نير الاحتلال وتبحث عن شعوب إسلامية وعربية تدعمها وتساندها، والسياسة الخطيرة التي تتبعها إسرائيل وخاصة في هذا العام من ضم المقدسات الإسلامية واعتبارها جزءاً من الآثار اليهودية، أمر ينذر بخطر داهم، بل وبإمكانية اشتعال حرب دينية في المنطقة. هذا ما أكده الشيخ محمد حسين مفتي القدس والديار الفلسطينية في حواره مع ـ'الجريدة' أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة، وأشار إلى أن إسرائيل تسعى بقوة إلى تحويل دفة الصراع مع العرب والمسلمين إلى صراع ديني وايديولوجي بدلاً من الصراع السياسي القائم، وأن إسرائيل تنفذ مخططاً شيطانياً لتهويد الأرض الفلسطينية كاملة، موضحاً أن الخلافات والصراعات الفلسطينية الداخلية لا تصب في النهاية إلا في مصلحة المحتل الصهيوني، وتكريس الاحتلال وإضعاف الموقف الفلسطيني وبالتالي إضعاف الموقف العربي والإسلامي... وفي ما يلي تفاصيل الحوار.

● كيف تنظر إلى القرارات الإسرائيلية بضم المقدسات الإسلامية إلى قائمة التراث اليهودي مثل الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح والبقية تأتي؟

- الاحتلال كرَّس جهوده كاملة في سلب المعالم الإسلامية في القدس والخليل والمدن الفلسطينية كافة، بهدف تغيير الوجه الإسلامي العربي للمدن الفلسطينية، وإثبات يهودية البلاد، وإن قرار الاستيلاء على الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح، مصادرة للأماكن الدينية وفرض أمر واقع على الأرض، والحرب في هذه الأيام ليست حرب مدافع أو صواريخ بل هي حرب دينية وحرب معتقدات وتزييف للتراث والتاريخ الإسلامي، وأن ما يحدث الآن على الأرض هو أن إسرائيل تنفذ مخططاً شيطانياً لتهويد الأرض الفلسطينية بالكامل، وهذا واضح للعيان، فحينما تكون مثل هذه الآثار وهذه المساجد وهذه الحضارة عرضة لمثل هذه القرارات الابتزازية وقرارات المصادرة الإسرائيلية فإن ذلك يدل على أن الإسرائيليين لا يملكون أصلاً حضارة في هذه البلاد، إنما يحاولون تزوير الحضارة القائمة ويسخرون هذا التزوير لخدمة أهدافهم التوسعية والاستيطانية، وبالتالي فإن ما حدث في شهر فبراير الماضي من قرار ضم الحرم الإبراهيمي إلى قائمة التراث اليهودي قرار خطير ينذر بمحاولات إسرائيل دفع المنطقة إلى حافة حرب دينية خطيرة، وتتحمل السلطات الإسرائيلية كل التداعيات لمثل هذه القرارات الخطيرة.

● ما الدور المطلوب القيام به لصد هذه الهجمة الإسرائيلية عن المقدسات الإسلامية؟

- كل فلسطيني بل وكل مسلم على وجه البسيطة يرفض مثل هذه القرارات التي وصل الأمر فيها إلى أن تستولي إسرائيل على أماكن العبادة، وأن تتدخل في عبادة المسلمين وفي حقهم في مساجدهم، وعلى العالمين العربي والإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية ومنظمة اليونسكو والمؤسسات الدولية التي تعنى بالتراث، ضرورة التحرك لحماية المقدسات الدينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

● هل تعتقد أن العرب والمسلمين قادرون بالفعل على التحرك لنصرة الأقصى والمقدسات الإسلامية في ظل الظروف الحالية؟

- رغم ضعف الموقف العربي والإسلامي الحالي تجاه ما يحدث للمقدسات الإسلامية في فلسطين وخاصة المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، فإننا نحذر العالم العربي والإسلامي من مغبة التراخي في اتخاذ مواقف عربية وإسلامية رسمية خلال هذه المرحلة لمواجهة الصلف الصهيوني، ومن استمرار الصمت تجاه ما يحدث خشية النيل من حرمة المسجد الأقصى ومكانته استغلالاً لهذا الصمت الإسلامي المطبق، لذلك فإنه يجب أن ينتفض المسلمون في كل مكان لإنقاذ مقدساتهم، لأن الهجمة الحالية تتطلب عمقا عربيا وإسلاميا مساندا للانتفاضة الفلسطينية المتفجرة في الخليل والقدس، كما تتطلب مواقف ضاغطة ومتقدمة ومتوحدة في خدمة القضية الفلسطينية للتأثير في الموقف الدولي، لأن الجبهة الفلسطينية الداخلية الصامدة تحتاج إلى جبهة خارجية، وأن أهالي القدس والضفة صامدون ومستمرون في وجه الاحتلال ومخططاته، وسيظلون الخندق المتقدم للأمة كلها في تحجيم العدو الصهيوني، ولكن هذا يجب أن يرافقه في نفس الوقت تحرك رسمي لدى مجلس الأمن والأمم المتحدة لإنقاذ الموقف، ويجب أن يعلم الجميع أن ما حدث من ضم للحرم الإبراهيمي يعد مقدمة لاتخاذ قرار صهيوني لاحق بضم المسجد الأقصى المبارك، فهم يطلقون عليه جبل الهيكل، وهذا أمر له مدلوله في نظرتهم وفي ما يعتقدون، وبالتالي فإن مؤسسات إسرائيلية كثيرة وجمعيات استيطانية تتحدث عن هدم المسجد الأقصى وعن بناء الهيكل، وبالتالي فإن المسجد الأقصى ليس بعيداً عن مثل هذه القرارات الصهيونية الخطيرة والعدوانية، فالقدس مدينة تم عزلها بجدار الفصل العنصري، وتم اتخاذ العديد من القرارات الخاصة بها منذ احتلالها في عام 1967، باعتبارها القدس الموحدة، وانها عاصمة للكيان الصهيوني، وهذه كلها مقدمات تشير إلى خطر حقيقي وداهم للأرض الفلسطينية عامة والمقدسات خاصة، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، وعلى الرغم من وجود هذا الخطر فإن ردود الأمة العربية والإسلامية لم تصل بعد إلى درجة المسؤولية التي تقع على عاتقها في حماية المقدسات الإسلامية والأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني بشكل عام.

● هل هذا الصمت الإسلامي سيشجع إسرائيل على الإسراع في تنفيذ مخططاتها في القدس والمسجد الأقصى؟

- بالتأكيد وخاصة أن حال المقدسات الإسلامية بل والمسيحية أيضاً في فلسطين المحتلة تمر من سيئ إلى أسوأ في ظل التعنت الصهيوني الذي يقابله صمت عربي وإسلامي، وبعد أن شغل العرب والمسلمون أنفسهم بخلافاتهم الداخلية نسوا الشعب الفلسطيني ونسوا مقدساتهم الغالية، العدو الصهيوني يستعد لتنفيذ آخر حلقة في مخططاته التي يسعى من خلالها إلى هدم الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم، فسلطات الاحتلال صعدت كثيراً في الآونة الأخيرة من عمليات استهداف الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية، ولم تعد تكترث بمشاعر المسلمين وردود أفعالهم، فالعدو الصهيوني ينفذ في سبيل ذلك الكثير من الإجراءات، ومنها ما هو ظاهر على الأرض ومنها ما هو خفي لا ندري عنه شيئاً، فالظاهر لنا مثلاً عدم إعطاء سلطات الاحتلال تراخيص بناء للعرب، ثم هدم عشرات المنازل الخاصة بالعرب بحجة أنها بنيت بدون ترخيص، أيضاً فرض قيود وتكلفة باهظة لمن يريد الحصول على هذه التراخيص، بالإضافة إلى قيام سلطات الاحتلال بسحب هويات المقدسيين العرب من الذين يسكنون خارج القدس، وإحكام الحصار حول المدينة من خلال بناء الجدار العازل وتحديد أعمار الذين يريدون دخول القدس والمسجد الأقصى من الفلسطينيين بأربعين سنة، أما الإجراءات الأخرى التي تتم في الخفاء وهي الأخطر، فمنها مثلا ما يتعرض له المسجد الأقصى المبارك من عمليات حفر للأنفاق أسفل المسجد، والتهديدات باقتحامه أو هدمه، وهذا بات حقيقة واقعة تحدث كل يوم تقريبا من جانب قطعان المستوطنين، فالمسجد الأقصى الآن في خطر بالغ حتى ان الجميع في القدس يخشون أن يستيقظوا يوماً ليجدوا الأقصى متهدما بفعل الممارسات العدوانية والخداع واللجوء إلى الحيل للتمويه، فيجب ألا ينخدع المسلمون في العالم بالأخبار التي ينشرها الإعلام الإسرائيلي عن قيام الشرطة الإسرائيلية المكلفة حماية المسجد الأقصى بالقبض على خلية تضم متطرفين إسرائيليين خططوا لاقتحام الأقصى منذ فترة، فالحقيقة أن سلطات الأمن الإسرائيلية لديها خطط جاهزة لاقتحام الأقصى، فهم يحاولون تنفيذ مآربهم تدريجياً خطوة بخطوة، وأبرز مثال على ذلك افتتاح كنيس لليهود أسفل الأقصى.

● مع خفوت بريق الدعم السياسي العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية ما المطلوب من وجهة نظرك على صعيد الدعم المادي؟

- مع الأسف العرب والمسلمون يتكلمون كثيراً ولكنهم عند التنفيذ لا يفعلون شيئاً، فإسرائيل تنفق المليارات من أجل توطين اليهود في القدس وكل القرى والمدن الفلسطينية المحتلة، في حين يقف الشعب الفلسطيني عاجزاً حتى عن شراء قوت يومه، وهناك حملة مسعورة لتهويد المدينة، وجعل مواطنيها الفلسطينيين أقلية هامشية غريبة في مدينتها، وهي تستغل في ذلك غفلة العرب وبخلهم المادي تجاه القضية الفلسطينية والقدس، حيث تفتقر المدينة المقدسة إلى الرؤية والاستراتيجية اللازمة وخاصة على المستوى الاقتصادي للمواجهة والتصدي للإجراءات الإسرائيلية، ويكفي أن نقول إن هناك مخططاً يهودياً أُطلق عليه اسم "القدس 2020" يهدف إلى تهويد القدس المحتلة، وتم رصد أكثر من 15 مليار دولار أميركي لتنفيذه خلال السنوات العشر المقبلة، والسؤال كم رصد العرب بما لديهم من إمكانات مادية لمواجهة هذا المخطط الشرس، ولابد أن يسعى العرب والمسلمون إلى إيجاد آلية للإنفاق على المواقع الدينية الإسلامية في فلسطين، فنحن في حاجة إلى مزيد من الدعم المادي من جانب إخواننا العرب إذا كانت لاتزال لديهم نية الحفاظ على مقدساتهم، فهي ليست مقدسات الشعب الفلسطيني فحسب، ولا سبيل لإنقاذ القدس وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي إلا بتكاتف الأمة الإسلامية وإنهاء مظاهر خلافاتها واستعادة وحدتها حتى تتفرغ لحماية قضاياها الكبرى والمصيرية وفي مقدمتها قضية فلسطين والقدس ومقدساتها وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك.

● هل توافقني الرأي في أن الفلسطينيين أنفسهم سبب التجرؤ الصهيوني بهذا الشكل بسبب الانقسام الفلسطيني المتجدد؟

- الإسرائيليون ليسوا بعيدين عن الانقسام الفلسطيني الحالي، وهذه الخلافات والصراعات الفلسطينية الداخلية لا تصب في النهاية إلا في مصلحة المحتل الصهيوني، وتكريس الاحتلال وإضعاف الموقف الفلسطيني، وبالتالي إضعاف الموقف العربي والإسلامي، وفلسطين اليوم في حاجة ماسة إلى ثلاثة أبعاد أساسية لابد من تفعيلها في وقت واحد، البعد الفلسطيني ويتمثل في وحدة الفصائل الفلسطينية والشعب الفلسطيني ووحدة الموقف والخطاب الفلسطيني، وحينما يكون البعد الفلسطيني مفعلاً وعلى قلب رجل واحد فإن ذلك يوجب أيضاً على العالم العربي أن يكون كذلك ومن ورائه العالم الإسلامي الذي يمثل البعد الثالث للقضية، فإن وجود موقف موحد من الأمة العربية والإسلامية يدعم الموقف الفلسطيني فسيكون له تأثير كبير على الساحة الدولية، فالعالم اليوم يتعامل بقضية المصالح ولديه في منطقتنا العربية والإسلامية مصالح استراتيجية لو تم مجرد التلويح بتهديدها فسيتغير وجه العالم الخارجي تجاه قضايانا العربية والإسلامية وخاصة القضية الفلسطينية، ولكن للأسف فإنه بالفرقة الحالية على جميع الأبعاد الثلاثة يبقى كلامنا مجرد أمنيات غير قابلة للتحقق في الوقت الحالي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف