جريدة الجرائد

ابحثوا عن الوطن في أوراق غازي القصيبي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

جمال أحمد خاشقجي


هذا رجل سنفتقده، ونتذكره في ليلة ظلماء نرجو ألا تكون، سيفتقده الباحثون عن الرأي الآخر بعدما يملون من أصحاب الرأي الواحد.
لقد خط غازي القصيبي مدرسة جديدة في العمل الحكومي، هو أن تعمل من داخل الحكومة وكأنك مختلف، وبالتالي تفكر خارج الأطر فتقدم الحلول المختلفة والمميزة التي يبحث عنها ولي الأمر. عندما فعل ذلك ألغى عبثية الانتقاد دون علم وعمل، ودون معلومات ودون خبرة بما هو جار على أرض الواقع.
كان أمينا مع رؤسائه ولكن لم يكن يوما من الرجال الذين يصمتون حني ينطق المسؤول فيعرفون رأيه فيعززونه بما لديهم من خبرة وعلم وإنما كان يقول ما يؤمن به ويصدق به النصيحة.
حضرت أكثر من اجتماع عمل معه وهالتني صراحته فتعلمت منه بعدما أمضى سنوات وسنوات في دائرة المسؤولية، إن أولياء الأمر في وطني يحبون الصادق الأمين الصريح. صراحته قد تجعله .. يحلق بعيدا أحيانا ولكنها كانت هي دوما من تعيده من منصب إلى آخر.
يظلمه من يجعل رحيله خسارة تيار، إنه خسارة لوطن، ما كان القصيبي ليبراليا أو قوميا أو يمينا أو يسارا، وإنما سعودي معتدل وطني مسلم، إنه تيار الاعتدال لم يبحث عن نموذج للاعتدال والوسطية، حتى وهو يجادل، ويخاصم، كان معتدلا. لقد تمثل في شخصه "المواطن السعودي الطموح التواق" المستشرف لمستقبل، الفخور بماض، الغيور على دين، كانت محبته للدين تتمثل في غيرته عليه من اعتساف التشدد الذي يشوه الدين فيصرف عنه الأخيار من المجتمع، فصنف مؤلفا جامعا في سماحة الإسلام.
خالف الحزبيين وصادمهم من أجل الوطن، فزعموا إنه يصادم الدين.
أراد أن يعز المرأة التي تحتاج إلى عمل، فيصونها بوظيفة ترفع بها رأسها وتقيم بها بيتها فلا تخضعها حاجة، فقالوا مشروع تغريبي وعجزوا عن تقديم حل عملي.
شجاعته وصراحته أغضبت صناع الكوابيس والجامدون قليلو الحيلة ضيقو الأفق، المتوجسون، الذين يحسبون كل صيحة عليهم، ولكن كان مستعدا أن يخاصم ويتحدى لأن قضيته دين ووطن.
ظل مشغولا بهذا الوطن حتى آخر لحظات عمره، وسط هموم الوزارة، ومعركة قيادة العاطلين إلى ما ينفعهم، محاطا بضغوط المتسترين، وتجار التأشيرات، ودسهم، وجد وقتا لآخر همومه هو أن يبحث في الإرهاب، ذلك الداء الذي أصاب مجتمعنا في مقتل، فكاد أن يعطل تنمية ومستقبلا، فنوى أن يؤلف عنه كتابا يعتمد فيه على رأي الإرهابيين والمتطرفين أنفسهم، اتصل بي، إذ يبدو أن لي سمعة فيما يخص "الإرهاب والتطرف" وطلب ما عندي من معلومات ونصوص ذات علاقة، خاصة تلك التي تكون على لسان المتطرفين أو كتب لهم ورسائل.
جمعت بعضا مما عندي وأرسلتها له، اتصل شاكرا وقال إنها عين ما أراد، وأضاف بحكمة أننا لن ننتصر على الإرهابيين ما لم نفهمهم، رأي سديد وافقته عليه فقلت له، مار أيك إذن أن تسعى للقاء هؤلاء في معتقلهم، فأرافقك فنجلس معهم ونسمع منهم، ضحك واتهمني أنني أريد أن استخدمه كي استفيد وأحقق سبقا صحفيا.
لعله فعل وأخذ بنصيحتي فالراحل كان على ما كثر عليه من أعمال وهموم شعلة نشاط، فابحثوا في أوراقه فثمة كنز من المعلومات هناك، ليس أدبا وشعرا فقط وإنما وطن متناثر في كل ورقة وفي ثنايا كل سطر.
معلومة أخيرة : أعتقد أن لغازي القصيبي الفنان اهتماما بالكاريكاتير، ربما يرسمه أيضا، ولكنه بالتأكيد كان جامعا للرسوم الكاريكاتيرية، أثناء عملي رئيسا لتحرير الوطن، كان كثيرا ما يرسل خطابا يطلب فيه رسما كاريكاتيرا نشر في الصحيفة يعلق على بعض هموم وزارته، غازي كان من القلائل الذي لا يضيرهم تصويره في رسم ساخر، بل كان يحب ذلك.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف