ضربة فكرية جديدة للقاعدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فارس بن حزام
ربما هو تصرف نادر أن تشير وكالة الأنباء السعودية إلى شخصية أكاديمية أو دينية، بأنه قد مر بتحولات فكرية. فلم يسبق أن تم التعامل الرسمي مع حالة سابقة، كما جرى مع الدكتور عبدالعزيز بن أحمد الحميدي، أستاذ العقيدة في جامعة أم القرى في مكة المكرمة، ولذلك دلالاته الكثيرة.
قبل أيام، كان أول ظهور إعلامي للدكتور الحميدي، الذي يعرفه الجهاديون جيداً، خاصة من خريجي جامعة أم القرى أو أهل منطقة مكة المكرمة. وفي ظهوره كان شخصاً آخر، غير الذي عرفوه على مدى سنوات.
ربما لم ينتشر اسمه في مناطق أخرى، وربما لم يشهد له أي حضور عند الأوساط الدينية المتطرفة في الرياض أو مدن أخرى، لكنه كان رقماً صعباً وخفياً في منطقته وجامعته، حيث يعمل. فلا يظهر أمام العامة، ولا يقدم الآراء المساندة لأفكار "القاعدة" علانية، فنشاطه داخلي يقتصر على المجالس الخاصة، وعبارته الثابتة لسائليه عن الخروج للقتال: (اذهبوا ولا تخذلوا الأمة)، حتى تحول إلى صندوق أسود، وماكينة علمية جبارة تضخ الأفكار الخطيرة، التي تسحر متلقيها بإسنادها العلمي المحترف.
وكانت المهمة الصعبة أمام أية مؤسسة تكافح الإرهاب وأفكاره، الوصول إلى العاملين في الخفاء، الذين تثبت علاقتهم بالتأثير الفكري والتجنيد لصالح "القاعدة"، خاصة في المرحلة التالية مباشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، سواء في غزو أميركا لأفغانستان وسقوط نظام طالبان، ومن ثم غزو العراق، وصعود "القاعدة" في السعودية، قبل تقهقرها، إذ كانت المرحلة الذهبية للدكتور عبدالعزيز الحميدي، قبل أن ينتهي نشاطه الخفي سريعاً.
فجأة، اختفى الدكتور الحميدي عن جمهوره المحدود، لنحو عام ونصف العام، ليطل عليهم عبر التلفاز من دون سابق ميعاد، ويفجر في وجوه من عرفوه قنابل فكرية، بإعادة قراءة مفاهيم الولاء والبراء؛ كالعلاقة مع الدول غير المسلمة، والمنظمات الدولية، بعد أن كان يخوض معارك شرعية شرسة في الولاء والبراء والتعامل مع المخالف، كان ينتصر فيها أحياناً، اعتماداً على قدراته العلمية الهائلة.
فجاء في جديد أقواله: "ليس من مصلحة المسلمين أن يكونوا في حالة حرب دائمة ومستمرة"، و"مصالح مشتركة بين البشر لا يمكن إغفالها، ولا يمكن لشعب مسلم أو بلد أن يعيش هكذا وحده"، وهنا، نسف تام لمفهوم الولاء والبراء عند "القاعدة" وجمهورها.
فما رد فعل أتباعه المتوقع؟
صدمات فكرية، وارتباك داخل التيار المتآكل. وحسب ما ذكر، أن للدكتور الحميدي حلقات أخرى إضافية في شهر رمضان، فربما يكون الوقع أقسى على قلوب الأتباع، فالحال هذه المرة ليست كحالات التراجع الفكري السابقة مع ثلاثي التطرف الموقوف (علي الخضير، ناصر الفهد، أحمد الخالدي)، فمثلما كانت دعواه للقتال مبنية على أسس علمية، كان تراجعه مبنيا على أسس علمية أيضاً، إضافة إلى أن الفارق العلمي بين الحميدي والثلاثي الموقوف، لا يمكن إخضاعه إلى المقارنة؛ للفارق العلمي الهائل بين الطرفين. وقبل كل شيء، فهو حر طليق في منزله.