جريدة الجرائد

غازي القصيبي بين الحياة و«الحياة»

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

زياد بن عبدالله الدريس
(1)

عنوان هذه المقالة وضعته الأسبوع الماضي ، حين استلمت نسخة من أحدث إصدارات غازي القصيبي : (الوزير المرافق)، من الصديق الكاتب يحي إمقاسم الذي عرض للكتاب الجديد عرضا ً موسعاً ومشوقا ً فوق التشويق القصيبي المعهود بالطبع (صحيفة الحياة 10/8/2010م).

قرأت العرض صباحا ً واستلمت الكتاب مساء ً. كنا نتحدث، يحي وأنا، عن حالة غازي الصحية الحرجة التي دعته لدخول العناية الفائقة.

قلت بما أن الوضع الصحي بلغ هذا الحرج فسأجعل مقالتي الأسبوع القادم فورا ً عن الكتاب، لعل غازي يسر بقراءة المقالة، وفي الحقيقة أني أنا الذي كنت أطمع أن أسر بقراءته لمقالتي هذه!

ولأن الوضع الصحي أصبح حرجا ً لدرجة ظهور العبارة المخيفة: "غازي بين الحياة والموت"، فقد قررت أن أجعل العنوان هو (غازي بين الحياة والحياة)، الحياة الأولى هي التي يزاولها سائر الناس والحياة الثانية هي التي يختص بها أمثال غازي القصيبي من الكائنات الحية التي تستمر حية حتى بعد موتها. كما لا يخلو العنوان من إسقاط على اسم صحيفة الحياة التي كانت آخر المحتفين بأعمال غازي قبل موته.

هذه هي حكاية المقالة وعنوانها، لكن القدر كان أقدر وخلال خمسة أيام بين ولادة هذه المقالة ووفاة ذلك الغازي، أن يحيلها إلى مقالة رثاء وتأبين .

(2)

عنصر الدهشة في كتاب (الوزير المرافق) ليس جَلَد القصيبي على الكتابة والتأليف حتى في أحلك الظروف، ولا أسلوبه السلس الذي ألفناه وعهدناه منه، ولا التقلبات المتمكنة والمحكمة له في مجالات الكتابة بين الرواية والسياسة والإدارة والسيرة والشعر، حتى إنه حيّر الناس وأربك الصحف فيما يمكن تسميته ووصفه به، فلم يجدوا أفضل من أن يصفوه بأنه: غازي القصيبي!

الدهشة في هذا الكتاب الأخير، أو ما قبل الأخير بالأصح، هو هذه القدرة المتقنة عند القصيبي للكتابة في مواطن الغضب والتأزم والمسكوت عنه. ثم يخرج سالماً معافى.

لطالما كُتب الكثير عن أزمة "ثنائية السياسي والكاتب"، وكيف يمكن للمثقف الكاتب حين يتحول إلى سياسي مسؤول أن يستمر في نهجه الكتابي دون أن يسبب حرجاً لمنصبه؟!

لم يكن المخرج من تلك الإشكالية سوى تحوّل الكتّاب المسؤولين إلى الكتابة في المناطق الرمادية تلك التي لا تثير نقعاً ولا صليلاً!

غازي القصيبي بمهارة مذهلة استطاع أن يقبض على المعادلة .. فيحتفظ بصورته المتفردة : كاتباً مثيرا ُ ومسؤولاً مرموقاً. في آن.

للحق، لم تتجل هذه المهارة القصيبية في كتابه الأخير فقط ، بل قرأناها في كتبه (حياة في الإدارة)، (سعادة السفير)، (أمريكا والسعودية)، (أبو شلاخ البرمائي) وغيرها من كتبه الأخرى المثيرة للجدل . الجدل عند الناس، لكن ليس عند غازي المتوافق والمتصالح مع نفسه .

في كتابه (الوزير المرافق) يتحدث عن جيمي كارتر وكأنه يتحدث عن زميله في الدراسة، أما انديرا غاندي فهي ابنة جيرانهم، والعقيد القذافي ولد حارتهم الشقي!

يصف كارتر بأنه (كان حريصا على إرضاء الجميع مهما كانت مذاهبهم ومشاربهم ، وقد انتهى به الأمر بإغضاب الجميع من كل المذاهب والمشارب)، لا يقول غازي هذا الوصف عن كارتر دون أن يحمّله رسالة مبطنة من قناعات غازي نفسه. وعلى نفس المنوال يروي عن أنديرا غاندي قولها: (لقد كانت الرغبة في فرض التطور غلطة الشاه الأساسية، وكانت غلطة أتاتورك قبله. لقد تصوروا أن التغيير يمكن أن يتم بقرار حكومي. هذه نظرة خاطئة. الناس أنفسهم هم الذين يحددون سرعة التغيير ولا يمكن أن تفرض عليهم الدولة أن يتغيروا حسب هواها)، هذا دون شك هو رأي وقناعة غاندي الهند وغاندي السعودية أيضا!

أما حديثه عن ومع العقيد المعقد فهو ما لا يمكنني الاقتباس منه لأنه كله اقتباس!

رحم الله غازي القصيبي ، ما أبدعه وأمهره... وما أفقدنا فيه.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف