جريدة الجرائد

نهاية الحرب على الإرهاب

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

قاسم حسين

الولايات المتحدة الأميركية مشغولةٌ اليوم بمناقشة السماح ببناء مسجدٍ في موقع تفجير برج التجارة العالمي.

الهجوم الذي أوقع ثلاثة آلاف قتيل خلال ساعتين، اعتبره الرئيس الأميركي الجديد آنذاك جورج بوش الابن المشروع الأول لفترته الرئاسية، بإعلانه الحرب الشاملة على مفهومٍ غامضٍ وملتبسٍ اسمه "الإرهاب".

الخطوة الأولى كانت غزو بلدٍ من أفقر دول العالم لإسقاط حكومة الطالبان واعتقال بن لادن، بعد قرع طبول الحرب تحت شعار "من لم يكن معي فهو ضدي". حينها كتب الكاتب الخبير بالشرق الأوسط روبرت فيسك أن البحث عن بن لادن أشبه بالبحث عن إبرةٍ في كومةٍ من القش. هذا الرأي أثبتت الوقائع صحته، رغم أنه بدا حينها غير واقعي؛ لأن آلة الدعاية الأميركية الضاربة كانت تسعى لإقناع المشاهد بأنها تملك أكبر جيش برمائي مستعد للسيطرة على أيّ شبرٍ في الكرة الأرضية.

الخطوة التالية، كانت غزو بلدٍ آخر تعرض للحصار الطويل، وهو مشروعٌ اصطدمت فيه أميركا بأقرب حلفائها في أوروبا، وخالفت فيه كل القوانين والأنظمة الدولية. وحين وقف وزير خارجيتها آنذاك كولن باول في الأمم المتحدة ليبرّر الغزو، لم يصدّقه أحدٌ من دول العالم.

سياسة بوش التي كانت تقوم على فلسفة القوة الهائلة التي تصدم وترعب الخصم، قادت إلى تقويض بلدين صغيرين مدمّرين أصلاً، وسقوط ملايين القتلى وتهجير ملايين أخرى. وظلت هذه السياسة الهوجاء تهز العالم هزّاً، وعرّضت عدداً من دول وشعوب العالم إلى ضغوط سياسية وحروب اقتصادية وتهديدات عسكرية لم تنقشع إلا برحيل المحافظين المتطرفين. بعد سبعة أعوام من الحرب على الإرهاب، تتركّز سياسة الرئيس الأميركي الجديد على تنفيذ انسحابٍ آمنٍ من العراق، يتلوه انسحابٌ يحفظ ماء الوجه في أفغانستان.

في عهد بوش تساقط كلّ أقطاب اليمين المتطرّف من دعاة الحروب المفتوحة على الآخرين، ولم يبقَ منهم في نهاية عهده إلا كونداليزا رايس. أما الرئيس أوباما الذي يدفع ثمن أخطاء سلفه، فقد بدأت الخلافات تظهر بين أقطاب إدارته فيما يخص الحرب في أفغانستان، فأقال قائد قواته ستانلي مكريستال قبل شهرين، بينما أعلن وزير دفاعه روبرت غيتس قبل يومين تقاعده العام المقبل بعد تأمين الانسحاب، فلا أحد يتكلم اليوم في أميركا عن الانتصار والسحق والسحل!

الأميركيون يراجعون اليوم نتائج سياسة القوة، التي اعتقدوا أنها ستحسم الأمور بسرعة خاطفة، وتنهي كل المشاكل، وتضع العالم كله على طريق الخلاص. وما قيل لهم أمس أثبتت الوقائع خطأه اليوم. فالقاعدة التي ذهبوا للقضاء عليها في أفغانستان، تمدّدت إلى باكستان، ومدّت أذرعها لبلاد عربية أخرى كاليمن والمغرب، حتى تمكّنت من الصومال.

في بداية الحرب على الإرهاب، كان الإعلام الغربي يلمز من قناة الشعوب العربية بأنها الوحيدة التي تقوم بعملياتٍ انتحاريةٍ لا يقوم بها حتى الأفغان. العمليات الانتحارية انتشرت على بقعة واسعة، والقاعدة نجحت حتى باستقطاب مواطنين أميركيين للقتال ضد الجيش الأميركي.

حربٌ غير مسبوقة في التاريخ، لم تجلب الأمن لأقوى دولةٍ في التاريخ، نشرت المزيد من الإرهاب، وأطاحت بملايين البشر من ضحايا القوة، سيبقى يتذكّرها العالم لأمد طويل. فالقوة عبر التاريخ لم تحلّ مشكلةً إن لم ترافقها السياسة والدبلوماسية ولغة الحوار.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف