جريدة الجرائد

تبدُّل نظرة العرب إلى إيران

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

Shibley Telhami - Los Angeles Times


بسبب الغضب الناجم عن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني والسياسة الأميركية، بدأ الرأي العام يميل نحو طهران، مبتعداً عن واشنطن، وقد شكّلت خيبة أمل العرب الناجمة عن التقدّم البطيء نحو السلام والحصار الإسرائيلي لقطاع غزة ومأساة أسطول غزة، الإطار الأساسي لوجهات النظر العربية، ونتيجة لذلك، حققت إيران مكاسب كبيرة.

لربما حقق الرئيس أوباما فوزاً دبلوماسياً بحصوله على الدعم الدولي لفرض عقوبات قاسية على إيران، لكن الرأي العام العربي يسير في اتجاه معاكس، إذ أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها الشهر الماضي 'مؤسسة زغبي' وجامعة ميريلاند في مصر والمملكة العربية السعودية والأردن والمغرب ولبنان والإمارات العربية المتحدة، أن وجهات النظر في المنطقة بدأت تتبنى نظرة إيجابية إلى برنامج إيران النووي.

لكن وجهات النظر هذه تشكل معضلة بالنسبة إلى واشنطن، التي تعتمد على اعتبار العرب إيران خطراً ربما أكبر من إسرائيل. فلمَ يتبدل، إذن، الرأي العام العربي ويميل نحو إيران؟

تكشف استطلاعاتنا أن معظم العرب لا يصدقون ادّعاء إيران أنها تسعى إلى تطوير برنامج نووي سلمي، غير أن الأغلبية الساحقة منهم تعتقد أيضاً أن من حق إيران أن تبني أسلحة نووية، وعلى المجتمع الدولي ألّا يضغط عليها لتوقف هذا البرنامج. والأهم من ذلك أن معظم مَن شملتهم استطلاعات الرأي هذا العام قالوا إن تطوير إيران أسلحة نووية، في حال حدث، سيعود بتأثيرات إيجابية على الشرق الأوسط، مع العلم أن 29 في المئة فقط ممن استُطلعوا في عام 2009 اعتبروا ذلك أمراً إيجابياً.

لا شك في أن النتائج تختلف باختلاف البلدان. فقد ذكر معظم المصريين أن حصول إيران على أسلحة نووية خطوة إيجابية، في حين اعتبرت الأغلبية الساحقة في الإمارات العربية المتحدة هذه النتيجة سلبية. رغم ذلك، يبقى المنحى الذي اتبعه الرأي العام السنة الماضية مذهلاً.

لعل السبيل الأسهل لفهم هذا التبدّل في الرأي العام العربي يكمن في تفحص وجهات النظر العربية من السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. ففي الأشهر الأولى لإدارة أوباما (ربيع عام 2009)، أظهرت استطلاعاتنا أن نحو 51 في المئة ممن استُطلعوا (وهذه بالتأكيد نسبة كبيرة) عبّروا عن تفاؤلهم تجاه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ما تناقض مع عقد تقريباً من التشاؤم قبل انتخاب أوباما. ولكن بعد مرور سنة تقريباً، انخفض عدد المتفائلين إلى 16 في المئة فقط، مع تعبير 63 في المئة عن تشاؤمهم. ويوضح هذا التشاؤم أكثر من أي عامل آخر سبب تبدل المواقف العربية من إيران. فيميل العرب إلى النظر إلى إيران من منظار السياسات الأميركية والإسرائيلية.

لا يحب العرب إيران، ويعتبر كثيرون منهم هذا البلد خطراً كبيراً، لكن الشعوب العربية لا ترى في إيران الخطر الأكبر في المنطقة. ففي سؤال مفتوح عن البلدين اللذين يشكلان أكبر خطر يهدد أمنهم، أجاب 88 في المئة إسرائيل و77 في المئة الولايات المتحدة و10 في المئة فقط إيران. وكلما زاد غضب الشعوب العربية من إسرائيل والولايات المتحدة، تراجع قلقهم من إيران، معتبرين إياها في المقام الأول 'عدوة أعدائهم'.

عندما يتحدث المسؤولون الأميركيون عن المواقف العربية تجاه إيران، يقصدون عامةً مواقف الحكومات العربية، التي تشعر بمعظمها بالخوف من قوة إيران المتنامية، خصوصاً مع تراجع قوة العراق الإقليمية التي وازنت في الماضي النفوذ الإيراني، ولكن حتى شعور الحكومات العربية بالقلق من إيران يعود إلى أسباب مختلفة.

يملك بعض الدول الصغيرة المجاورة لإيران، ولاسيما الإمارات العربية المتحدة، مخاوف أمنية حقيقية. أما الدول الأبعد، مثل المغرب ومصر والأردن، فتقلق من تأثير إيران في الرأي العام داخل أراضيها ودعمها الحركات المعارضة للحكومات. وتدرك هذه البلدان أن إيران تستمد نفوذها من الاستياء الإقليمي من الولايات المتحدة ومن الجمود في الصراع العربي-الإسرائيلي, مما يوضح سبب اعتبارها معالجة هذا الصراع الوسيلة الأضمن للحد من النفوذ الإيراني.

من هنا ينشأ سؤال مهمة: إلامَ يعود التبدل الجذري في المواقف العربية من إدارة أوباما العام الماضي؟ لا يعني هذا التبدل أن العرب لا يقدرون الجهود التي بذلتها الإدارة لتغير المواقف الأميركية من المسلمين والإسلام. فقد أفاد مَن استُطلعوا أن هذه أفضل سياسات إدارة أوباما في رأيهم. لكن سبب التبدل جلي. فقد أكد 61 في المئة من العرب، الذين شملتهم الاستطلاعات، أن سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع العربي-الإسرائيلي من أهم المسائل التي خيّب فيها أوباما آمالهم.

تظهر استطلاعاتنا سنة بعد أخرى أن هذه المسألة تشكل المنظار الرئيسي الذي يرى من خلاله العرب السياسات الأميركية في الشرق الأوسط، وقد شكّلت خيبة أمل العرب الناجمة عن التقدّم البطيء نحو السلام والحصار الإسرائيل لقطاع غزة ومأساة أسطول غزة الإطار الأساسي لوجهات النظر العربية. نتيجة لذلك، حققت إيران مكاسب كبيرة.

عندما يخاطب المسؤولون الأميركيون الشعوب العربية ويشددون على خطر تطوير إيران أسلحة نووية، معتبرينه المشكلة الرئيسية التي تواجهها المنطقة، يجب ألا يتوقعوا الحصول على تعاطف هذه الشعوب أو انتباهها. فلا تظن شعوب المنطقة أن مواجهة إيران خطوة أساسية ضرورية على الدرب نحو السلام العربي-الإسرائيلي. على العكس، يعتقد معظم العرب أن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يجب أن يسبق الحد من النفوذ الإيراني. يحمل كل هذا أخباراً جيدة وسيئة على حد سواء. من الناحية الإيجابية، تبدو أغلبية العرب الساحقة مستعدة للقبول بحل إقامة دولتين بغية إنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. كذلك يعتقد كثيرون أن هذا الحل لن يولد إلا من خلال المفاوضات، لا حرب أخرى. أما من الناحية السلبية، فنرى أن الأكثرية ما عادت تظن أن هذا الحل سيُعتمد في يوم من الأيام، ما يفاقم غضب العرب من الولايات المتحدة ويدفعهم إلى النظر إلى إيران من منظار أقل تشاؤماً.

* بروفيسور في جامعة ميريلاند وباحث غير مقيم في مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف