جريدة الجرائد

قضية مسجد نيويورك تمهد لعودة الجمهوريين إلى الحكم

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

سليم نصار


خلال حفلة عشاء الإفطار السنوي في البيت الأبيض، رمى الرئيس باراك اوباما قنبلة سياسية من المتوقع ان تصيبه شظاياها بالأذى اثناء انتخابات الكونغرس في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

ومع ان اوباما تجنب الخوض في هذا الموضوع الحساس منذ مدة، الا ان النقاش الحاد خلال الإفطار جره الى الإدلاء برأيه حول مسألة اعتبرها الأميركيون انها من اختصاص سلطات نيويورك المحلية.

قال: انني كمواطن وكرئيس اؤمن بأن للمسلمين الحق في ممارسة معتقداتهم مثل الجاليات الأخرى، على اعتبار ان الدستور يكفل حرية العبادة. ومثل هذا الحق يضمن حرية بناء اماكن العبادة على الأراضي الخاصة.

ويبدو ان اطلاق هذه العبارة شجع خصوم اوباما على استنفار العصبيات الدينية والعنصرية بحيث امتلأت الصحف بالتهجمات القاسية ضد الحزب الديموقراطي. وكان من الطبيعي ان ينضم الى جوقة المنتقدين الرئيس السابق جورج بوش، الذي وصف مواقفه اثناء حفلة رمضانية بأنها تتمايز عن مواقف خلفه بفصل الدين الإسلامي عن تنظيم "القاعدة" اي بعدم تحميل الإسلام والمسلمين وزر الجريمة التي اقترفها انصار اسامة بن لادن وأودت بحياة ثلاثة آلاف بريء في مبنى التجارة العالمي (11 ايلول - سبتمبر - 2001).

كذلك اتهم بوش خلفه بالإزدواجية لأنه في رأية، هو مسلم في السر ومسيحي في العلن. ويقول ان هذا التعارض لازمه منذ استخدم اسمه الكامل في حفلة قسم اليمين "انا باراك حسين اوباما". وهو بالطبع لا ينكر ان اخويه مسلمان، وهما يحرصان على اداء مناسك العمرة كل سنة في مكة المكرمة.

اعترف السناتور الجمهوري جون كورنين ان حزبه قرر وضع مشكلة مسجد نيويورك على برنامج انتخابات تشرين الثاني بعدما كشفت نتائج استفتاء الرأي لمركز "غالوب" ان شعبية اوباما انخفضت 44 في المئة، اثر اطلاقه التصريح المثير للجدل. كذلك اكد استفتاء اجرته شبكة "سي ان ان"، ان ما نسبته سبعين في المئة من الشعب الأميركي تعارض بقوة موقف اوباما.

الرئيس السابق لمجلس النواب نويت غينغريتشو، اتهم اوباما باسترضاء الإسلام الراديكالي، معتبراً انه فتح الحوار مع هذا الفريق منذ تعهد في تركيا ومصر بوضع بلاده في خدمة سلام الشرق الأوسط.

انبرى للرد عليه بيل بيرتون، المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض، الذي شدد على الحق الدستوري الذي يمنح الرئيس مسؤولية المساواة بين المواطنين. وقال "انه ما دام بالمستطاع بناء كنيسة او معبد هندوسي او كنيس يهودي او معبد بوذي، فإن رفض طلب بناء مسجد في المكان ذاته، يبدو امراً مستغرباً".

وتعتبر قضية بناء مسجد "بيت قرطبة" والقضايا المرتبطة بالإسلام في الولايات المتحدة، من الأمور المرشحة للنقاش خلال حملة انتخابات التجديد النصفي. ويرجح المراقبون عودة الحزب الجمهوري الى الحكم بعد انتهاء ولاية اوباما الأولى، خصوصاً اذا استمرت شعبيته بالتدهور. وهو يتوقع صدامات سياسية في الكونغرس لأن الجمهوريين مصرون على اجراء تعديل دستوري يهدف الى منع الأطفال الذين يولدون لمهاجرين غير شرعيين من الحصول على الجنسية الأميركية. ولم يكن من الصعب على اوباما ان يدرك ان التعديل المطلوب سيحرم اطفالاً جدداً من الحصول على الجنسية الأميركية، مثلما حصل هو المولود لأب اسود من كينيا وأم بيضاء من ولاية "كنساس". والمعروف ان اوباما وظف خلال المعركة الانتخابية، هذه الخلفية العائلية، سياسياً وشعبياً فكان يتحدث دائماً عن زوجته السوداء وابنتيه السوداوين. ومن المؤكد ان هذه الحملة اثارت شكوك البيض، الأمر الذي دفع ديفيد فورم، كاتب خطب جورج بوش، الى القول ان اوباما قرر ان تكون هويته اميركية - سوداء.

عندما فاز باراك اوباما برئاسة الجمهورية قالت الصحف الأميركية، ان دلالات هذا الفوز تتخطى مشكلة الأبيض والأسود. والسبب ان المؤسسين السابقين من امثال الرؤساء ماديسون وجاكسون ولنكولن، جعلوا من الرئاسة مرآة الناخبين... كل الناخبين.

وتشير ارقام دائرة الهجرة الى توافد جاليات كثيرة، ما بين عامي 1900 و 1910. فمن ايطاليا هاجر نحو من مليوني نسمة، ومن روسيا هاجر مليون ونصف المليون نسمة، ومن بولندا جاء مليونا مهاجر، ومن اجل وقف ذلك التدفق المتواصل، سن الشيخ هنري كابوت لودج قانوناً (عام 1909) يلزم الإيطاليين والروس والبولنديين واليونان والآسيويين بامتحان قراءة وكتابة باللغة الإنكليزية. غداة اقرار قانون جونسون عام 1964، تقلصت نسبة المهاجرين من اوروبا عشرة في المئة، بينما ازدادت اعداد القادمين من آسيا والمكسيك وأميركا اللاتينية. والطريف ان ارقام دائرة الهجرة تتحدث عن 40 مليون شخص من اصل 300 مليون، عدد سكان الولايات المتحدة لم يولدوا على ارضها، بل جاء معظمهم من المكسيك والصين والفلبين والهند وفيتنام. كما تتحدث عن وجود اربعين مليون نسمة من اصول هسبانية او لاتينية جاءوا من اسبانيا والمكسيك وكولومبيا. وتشكل هذه الفئة من السكان اكبر اقلية في البلاد (13 في المئة) بعد ذوي الأصول الأفريقية الذين تبلغ نسبتهم 22 في المئة.

وإذا كان هناك من يعتبر هذا التنوع في الأعراق هو اساس قوة الولايات المتحدة، الا ان هناك من يخشى من اتساع الشرخ داخل المجتمع الأميركي، مثلما كان في النصف الأول من القرن الماضي. ولكن هذه المرة بين البيض والبيض.

بعض المعلقين يرى ان المعارك السياسية المتوقعة ستكون بين المسيحيين والمسلمين واليهود، في ضوء النقاش الحاد الذي يجرى بين الجمهوريين والديموقراطيين، حول حق بناء "مسجد بيت قرطبة" قرب موقع مركز التجارة العالمي.

زعماء الحزب الجمهوري، وبينهم جورج بوش، يرفضون الفكرة لأنها في نظرهم، تمثل انتصاراً لتيارات الحقد والكراهية والتخلف وكل ما تمثله اعتداءات 11 ايلول - سبتمبر - 2001 من نجاح ضد قوى الخير والحرية.

بينما يرى زعماء الحزب الديموقراطي، وبينهم باراك اوباما، ان رفض بناء هذا المشروع في هذا المكان، يمثل انتصاراً لأسامة بن لادن وكل ما اراد ان يثبته من وراء التفجيرات الانتحارية، ومن وراء فكرة تحويل انصاره الى قنابل متحركة يطلقها بهدف تحقيق اغراض سياسية واقتصادية.

وفي مداخلات اعلامية متكررة اعرب عدد من الأميركيين عن خشيتهم من المصادر الممولة لمشروع تبلغ تكاليفة مئة مليون دولاراً. وقد طمأن صاحب الشركة المتعهدة بأن كل دولار سيصرف سيكشف للمسؤولين عن مصدره.

المنطق الذي يستخدمه الرئيس اوباما لا يقتصر على كسب حقه الدستوري من وراء تعزيز التقارب المسيحي - الإسلامي فقط، وإنما من وارء التعاون بين بلاده ودول اسلامية تشجب الفكر الجهادي الإرهابي. خصوصاً ان اعتداءات بن لادن لم تركز ضرباتها على نيويورك فقط وإنما شملت دولاً اسلامية مثل السعودرية ومصر وإندونيسيا واليمن والصومال وأفغانستان وباكستان والعراق.

خلال عامي 2003 و 2004 تعرضت المملكة العربية السعودية لسلسلة عمليات ارهابية استهدفت الأجانب وعدداً من المواطنين الآمنين. ولم تسلم من هذه الاعتداءات وزارة الداخلية وقطاع النفط والمواقع المعتدلة نسبياً. وقد ردت عليها القيادات السعودية بإطلاق جهود سياسية وفكرية واسعة النطاق بحيث جرى اعادة تأهيل بعض المتهمين بالإرهاب وممارسة العنف. وقد نجحت هذه الأدوات الثقافية - الدينية في نشر حركات الاعتدال وتهميش الجماعات المرتبطة بـ "القاعدة". كما نجح الشيخ سلمان العودة في الوصول الى عقول الشبان عبر رسالته المفتوحة التي نشرت عام 2007. كذلك ساعدت الفتاوى التي اصدرها عبدالعزيز آل الشيخ في خلق اجواء مواتية لمعارضة المتطرفين.

اثبتت الأحداث ان البلد الذي حقق بعض النجاح في مكافحة ايدولوجية الإرهاب، كان البلد الإسلامي الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، اي اندونيسيا. وقدر لهذا البلد ان يخوض حرباً داخلية طويلة بدأت عام 2002 بعدما قامت "الجماعة الإسلامية" التابعة "للقاعدة" بسلسلة عمليات انتحارية.

جامعة الأزهر في القاهرة، نددت مرات عدة بالفكر الجهادي المتطرف، داعية الشبان الى الانشغال عن الدم والدموع بالعلم والعمل. وكذلك فعلت "حركة دار العلوم" في الهند المعروفة بعلاقتها السابقة مع تنظيم "القاعدة".

ومن الاستثناءات التي تبرز في هذا المجال، ربما تكون افغانستان وباكستان واليمن. ففي افغانستان، حيث تدرب اسامة بن لادن، اقترن الفكر الجهادي بصراع عرقي يشعر فيه "البشتون" بأن الأقليات المنافسة تظلمهم.

بقي ان نسأل ما اذا كانت الحملة التي يتعرض لها الرئيس باراك اوباما من قبل الحزب الجمهوري هي حملة مرتبطة بقرار بناء مسجد "بيت قرطبة"، ام انها لا تصب في هذا المعين؟

الملاحظ ان معظم الانتقادات جاءت من اصدقاء بوش، ومن انصار "اللوبي اليهودي" في الكونغرس. والسبب ان اوباما يعمل على الانسحاب من بلدين احتلتهما سياسة الجمهوريين، اي من العراق وأفغانستان. وفي "اتفاق براغ" ثبت ان اوباما تصالح مع روسيا وقرر الانفتاح على تركيا وسورية، كي لا يجعل من انهيار حجارة الدومينو الإقليمية سبباً لحرب واسعة في منطقة الشرق الأوسط.

ووراء هذا السبب "الاستراتيجي" تختفي اصابع اسرائيل التي يهمها الا يجدد رئيس يطمح الى تحقيق استقرار اقليمي يكون المفتاح لاستقرار عالمي بعد عام 2011.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
هذه هي المشكلة
هناء -

انها حقا مشكلة بسبب عمل عصابة خارجين عن القانون والعالم الاسلامي يحاربهم مع هذا ف 1,57 مليار مسلم متهم. ولا يريدون ان يسمعوا بانه ليس من الحق ان ينسبوا اجرام جماعة اسامة بن لادن بال1,57 مليار مسلم/// الوضع يذكرني بصدام اذا فرد اخطاء فالعائلة كلها مجرمين ولكن على نطاق اوسع.///نعم حقهم ان جرم 11 سبتمبر ليس بشيء قليل و لكن الغير متوقع ان يكون هذه هي ردة فعل من شعب مثقف وعادل بان يعاقب امة باكملها.