خلط الدين بالسياسة في الموائد الرمضانية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مصر: الجدل حول موائد الراقصات يتوارى أمام "الشنط" الانتخابية
القاهرة ـــ أحمد متبولي
رغم ان أجواء رمضان في مصر تختلف عن نظيرتها في أي وقت في العام وتميل إلى الهدوء على الأصعدة كافة، بما فيها الصعيد السياسي، فإنها تشهد هذا العام صخبا واضحا، سواء بسبب الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في نوفمبر المقبل، أو بسبب الجدل المثار حول حملات التوقيع الالكترونية والورقية بين أنصار كل من جمال مبارك ومحمد البرادعي.
شوارع القاهرة والمحافظات امتلأت بصور الراغبين في الترشح للانتخابات، رغم أن جميع الأحزاب والقوى السياسية لم تعلن رسميا عن أسماء مرشحيها بعد، خصوصا أن القانون يعطي اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات حق تحديد مواقيت بدء الحملات ونهايتها والمبالغ المقررة للإنفاق عليها، لكن مؤشرات الانفاق تشير إلى انها ستصل إلى مبالغ فلكية، خاصة مع اشتداد المنافسة على المقاعد البرلمانية بما سيجعلها أعنف وأقوى انتخابات تشهدها مصر خلال عقود.
جميع الاطراف سعت الى استغلال هذه المناسبة الدينية للتوصل إلى اكبر قاعدة جماهيرية ممكنة تساعدها في معركتها القادمة، من خلال موائد الرحمن والشنط الرمضانية. ورغم كل الدعاوى الرافضة لفكرة استغلال الدين في السياسة فإن هذا الشهر الكريم يشهد اكبر تطبيق لهذه الفكرة، سواء من جماعة الإخوان المسلمين أو الحزب الوطني نفسه او باقي أحزاب المعارضة.
موائد الراقصات
وموائد الرحمن فكرة تطبق في مصر منذ أمد بعيد، لكنها في السنوات الأخيرة أخذت منحى مختلفا ودخلت في دائرة الجدل، بعد ان دخل عدد من الفنانين والراقصات في تنظيم موائد عدة. وظهرت فتاوى متضاربة، بعضها يبيح الأكل من الموائد التي تقيمها الراقصات والاخر يحرم الأكل منها باعتبار ان أموالها حرام. وخرجت بعض الراقصات يدافعن عن مهنتهن وعن أموالهن التي يكتسبنها من عملهن الشاق!
وظل هذا الجدل مستمرا حتى بدأ يتوارى أمام الموائد السياسية، التي احتلت المشهد الرمضاني، حيث سعى كل طرف الى استغلال هذه العادة الطيبة التي يستفيد منها آلاف الفقراء، كل على حسب هدفه.
الكنيسة.. و"الإخوان المسلمون"
كانت ابرز الموائد في رمضان المائدة التي تنظمها الكنيسة الأرثوذكسية ومائدة الإخوان المسلمين. الأولى توقفت منذ عامين وأعادتها الكنيسة العام الحالي، والثانية يمنعها الأمن منذ ثلاثة أعوام.
الكنيسة كانت تطلق على مائدتها مائدة "الوحدة الوطنية"، وكان يحضرها جمع من كبار الساسة والشيوخ، على رأسهم شيخ الأزهر الراحل الشيخ سيد طنطاوي، فيما كان يستبعد منها بالضرورة جماعة الاخوان. وهي كانت مناسبة سنوية لتخرج الصحف القومية وتؤكد ان العلاقة بين "قطبي الأمة" على ما يرام، رغم الخلافات التي كانت تظهر بين الحين والاخر.
لكن منذ عامين قررت الكنيسة وقف تنظيم المائدة بعد أن دخلت علاقاتها مع الدولة في مرحلة شد وجذب، حيث تطالب الكنيسة بما تراه من حقوق مهدرة لابنائها، فيما تؤكد الدولة على ضرورة سيادة القانون وان يكون الجميع متساوين بغض النظر عن دياناتهم. واستمرت حالة الشد والجذب وساعد على اشتعالها حوادث عدة تعرض لها الأقباط زادت من حدة الاحتقان لدى الكنيسة.
مبادرات شنودة الثالث وشيخ الأزهر الجديد
لكن بابا الكنيسة البابا شنودة الثالث، الذي يمتاز بمهارة كبيرة في إدارة علاقته مع السلطة، وجعل تأثير الكنيسة على الأقباط اكبر من تأثير الدولة، ارتأى انتهاج التهدئة وقرر اعادة مائدة الوحدة الوطنية هذا العام، خاصة ان الأجواء في مصر ملتهبة والغموض يحيط بالأوضاع السياسية. ويبدو أنه فضل ان تكون الكنيسة بجوار الدولة في مرحلتها الانتقالية، مع ممارسة ضغوط للحصول على بعض الامتيازات، كما يحدث حاليا لبناء مطرانية جديدة في محافظة المنيا، بدل ان تكون في خصومة معها، على غرار ما حدث مع الرئيس الراحل انور السادات، الذي سبق ان أصدر قرارا بعزله.
هذا إضافة إلى رغبة الكنيسة في فتح باب للتقارب مع شيخ الأزهر الجديد الدكتور احمد الطيب، الذي بدا من يومه الأول انه يتخذ مواقف أكثر وضوحا يعبر بها عن النهج التاريخي للأزهر، بعيدا عن مواقف سلفه سيد طنطاوي التي أثارت الكثير من الجدل.
قوة "الإخوان" السياسية
أما مائدة الإخوان فقد كانت تستغلها الجماعة في إظهار قوتها السياسية من خلال دعوة أكبر عدد من الفصائل السياسية، بمن فيهم عدد من قيادات الحزب الحاكم، لكن تأثيرها ازداد عقب فوز الجماعة بــ88 مقعدا من مقاعد البرلمان.
ومنذ ثلاث سنوات قرر الأمن منع إقامة مائدة الإفطار السنوي، واستعاضت عنها الجماعة بموائد نظمها نوابها في دوائرهم الانتخابية او في مقر كتلة النواب، كونها تتمتع بالحصانة.
المرشحون للانتخابات و{الشنط الرمضانية"
هذا العام دخل على الخط الراغبون في الترشح للانتخابات البرلمانية وأقاموا عشرات الموائد في قرى المحافظات للتقرب من الناخبين، بل وقاموا بتوزيع آلاف "الشنط الرمضانية"، التي تحتوي على مواد غذائية على آلاف الأسر الفقيرة، بل حرص كبار قيادات الحزب الوطني على تنظيم موائد ضخمة، على رأسهم أمين التنظيم احمد عز، الذي اقام مائدة جمعت عشرات من قيادات الحزب سعيا الى لم الشمل عقب بروز انشقاقات بسبب ترشيحات الحزب للانتخابات.
ورغم استفادة الفقراء من هذه الموائد في توفير وجبة دسمة للإفطار ـــ بعد أن تسبب ارتفاع الأسعار غير الطبيعي في ابتعاد اللحوم عن مائدة رمضان لدى عدد كبير من الأسر المصرية ـــ فإن الإطراف السياسية نحت جانبا موقفها من "استغلال الدين بالسياسة"، واستغلت فضائل هذا الشهر الكريم في العمل على تحقيق أهدافها وخلطت الدين بالسياسية. وهكذا فقد تحولت موائد الرحمن إلى موائد انتخابية ترفع شعار "الوطني" تارة، وشعار "الإخوان" تارة أخرى، وشعار "الوحدة الوطنية" تارة ثالثة.