جريدة الجرائد

المشهد الصحفي بين العرب والغرب

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الكويت


هناك نموذجان صارخان يظهران للمراقب كم هي حالة الصحف والإعلام والحريات في ديار العروبة مأساوية، ولنأخذ على سبيل المثال الوضع الصحافي وحرية التعبير في كل من تونس واليمن لنتعرف على حالة الخطاب الإعلامي لمعرفة ممَّ يشكون وماذا يعانون وإلى أين هم سائرون؟
وهناك على الطرف الآخر من المشهد وضع الصحافة والميديا في كل من أميركا وبريطانيا الدولتين الرائدتين في الغرب على مستوى التطور والمهنية والهم الذي تعيشانه من حيث الصراع بين الصحافة الورقية وصحافة الدوت كوم، وهل مستقبل الصحافة الإلكترونية سيعزز من قيم الديموقراطية وحرية تداول المعلومات؟ وإلى أين تأخذه رياح التغيير؟
التعميم في مثل هذه الحالات يفقد الحديث موضوعيته، ولهذا المقارنة هنا بغرض التشبيه بعيداً عن وضع الجميع في سلة واحدة.

قائمة صيادي حرية الصحافة


بحسب الدراسة التي وضعها الأستاذ سمير جبران رئيس تحرير صحيفة "المرصد" اعتبر أن اليمن الدولة الأكثر انتهاكاً ومضايقة للصحافيين وتقليصاً لحرية الصحافة في العالم العربي، وهو الأمر الذي جعل منظمة "مراسلون بلا حدود" تضع النظام لأول مرة في قائمة "صيادي حرية الصحافة في العالم".. ووصف عام 2009 من قبل منظمات دولية بالعام الأسود لحرية الصحافة والأسوأ منذ عشرين عاماً، وفيه تم قتل أحد الصحافيين من قبل مجموعات متنفذة بسبب تناوله قضايا فساد متصلة بهم..
يشير الباحث إلى أن الحكومة أنشأت عام 2008 هيئة وطنية لمكافحة الفساد، وفي عام 2009 أنشأت محكمة للصحافة، والمفارقة أن هيئة مكافحة الفساد أحالت 70 قضية إلى نيابة الأحوال العامة بينما كانت محكمة الصحافة تنظر في أكثر من 250 قضية نشر، وهذا يعني انه مقابل كل قضية فساد يحال إلى النيابة 3 صحافيين إلى المحكمة.

تونس وسجناء الرأي


تلك هي الصورة التي تحدث في اليمن، أما في تونس فيمكن معرفة الوضع القائم هناك من خلال النتائج التي توصلت إليها بعثة تقصي الحقائق في الفترة من إبريل إلى مايو 2010 من قبل مجموعة مراقبة حالة حرية التعبير، وهي ائتلاف يضم 20 منظمة عضواً في الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير..
يعالج المشروع ثلاث قضايا: أولاً، احتجاز سجناء الرأي. ثانياً، استخدام العقوبات الإدارية لمعاقبة أصحاب وجهات النظر المعارضة. ثالثاً، القيود المفروضة على حرية تكوين الجمعيات للأغراض السلمية..
يقدر أن هناك نحو ألف سجين سياسي يقضون عقوبات بالسجن تتراوح بين سنة وأكثر من 70 عاماً، وغالبية هؤلاء تم حبسهم بتهم ملفقة تتعلق بممارستهم لحقهم في حرية التعبير والتجمع أو تكوين الجمعيات.
العديد من الصحافيين الذين جاهروا بالحديث عن موضوع السجناء السياسيين تم سجنهم أو احتجازهم، فجاء مثالا سجنُ زهير مخلوف في أكتوبر 2009 على خلفية نشر شهادات على شبكة الإنترنت تتعلق بوفاة سجناء سياسيين تحت التعذيب..
خلاصة التقرير تقول ان حرية التعبير "لا تزال في حالة يرثى لها"، فأغلب المواقع الإلكترونية والمدونات الشخصية محجوبة، وان ما وراء الواجهة، كما ينتهي إليه التقرير، هو تقويض حقوق الإنسان..

ماذا يحدث في لندن وواشنطن؟


لنرَ ماذا على الضفة الأخرى من العالم أو بالأحرى ماذا يحدث في قلب العالم.. الصراع القائم على ساحة النشر الالكتروني والاعلام الغربي يتمثل في نوعية المحتوى والشكل الجديد للصحيفة وهامش الحرية الذي سيكون متاحا للقارئ والمواطن..
الاعتبار القائم أن المنافسة الحقيقية تجري تحت سقف أن يكون مضمون الصحف الالكترونية مختلفا وأن تكون النوعية أفضل مما هي عليه في الصحافة الورقية، والتساؤل هو: على أي مستوى من الجودة ستكون عليه الصحيفة بعد أن ساد شعور قوي بقرب انهيار الصحافة الورقية واحلال الصحف الالكترونية بديلا منها؟
الكثير من التحليلات والدراسات، التي استخدمت تعبيرات دراماتيكية كالاعلان عن شهادة وفاة للصحف الورقية أو أن الزلزال أخذ يتسع ويتحرك تحت أقدام النماذج التقليدية للصحافة، فيها الكثير من المبالغات الخطابية..

وجهة نظر مغيَّبة
الاتجاه العام للصحف الكبرى في كل من بريطانيا وأميركا هو فرض رسوم على متصفحي الطبعة الالكترونية، وإن خطت بعضها في هذا المضمار، لكن لم يعرف بعد ما اذا كانت صحيفة ورقية قررت التوقف نهائيا وبدأت بالتحول الكترونيا بشكل كامل، فيما عدا ايقاف العدد الأسبوعي من "الواشنطن بوست" بحلول نهاية السنة الجارية..
أفضل ما قرأت حول هذا "الصراع" ما كتبه بول فارحي في مجلة "أميركان جورناليزم ريفيو" نعرضه بتصرف وفيه يعكس وجهة النظر المغيبة عن مستقبل الصحافة الورقية. يقول "يمكن للبروفيسور في جامعة نورث كارولاينا فيليب ماير الذي درس الصحافة لثلاثة عقود، أن يرى العتمة في نهاية النفق، فهو يعتقد أنه اذا استمرت الاتجاهات الراهنة للقراء، فان الصحف اليومية سوف تختفي تماما في عام 2044، وتحديدا في شهر أكتوبر 2044. ويقول ماير في كتابه، الذي صدر اخيرا بعنوان "اختفاء الصحيفة: انقاذ الصحافة في عصر المعلومات"، انه "لأمر يثير الصدمة ولكن هذا ما تفصح عنه الأرقام".
وليس من الصعب فهم كيف ننتقل من هنا الى هناك، فالاعلام يتحدث منذ فترة ليست بالقصيرة عن أخبار سيئة تنتظر الصحف الورقية وأنها على وشك مواجهة أزمة وربما مأزق خطير، فهل مستقبل الصحف الورقية قاتم حقا؟
صحيح أن وضع الصحافة الورقية ليس جيدا كما كان عليه قبل سنوات، فالتوزيع الذي سجل تراجعا مطردا على مدى العقدين الماضيين، انحدر بشكل كبير اخيرا، وقد بدأ جيل الشباب يعزف عنها وأخذت الصحف تقلص ميزانياتها واشتدت المنافسة بين الصحف، ولا بد من الاشارة الى أخطاء ارتكبتها الصحافة وأدت الى اضعاف مصداقيتها، ومن الأمثلة على ذلك أكاذيب الصحافية جوديث ميلر عن أسلحة الدمار الشامل العراقية، ناهيك عن الانترنت وما فعلته بالصحف الورقية..

الصورة الأكثر إيجابية


ولكن كل ذلك يتجاهل صورة أكبر وأكثر ايجابية، وهي أن الاعلام يبالغ كثيرا في صعود وأفول الصحف، ان لم يكن يخطئ تماما في ذلك، ففرص نجاة الصحف اليومية لا تقل عن فرص موتها، فبالنظر الى الاعصار الذي ضرب كل وسائل الاعلام، يمكن القول ان الصحف اليومية كانت الأكثر ثباتا في وجه هذا الاعصار.. وبالنتيجة، فان موت الصحافة اليومية ليس حتميا، فالصحف ربما تملك الفرصة الأفضل من بين كل وسائل الاعلام.. للنجاة في عالم الاعلام اليوم.
السؤال المطروح بإلحاح اليوم هو ما المقارنة أو المقاربة التي اعتمدت عليها التقييمات المتشائمة لمستقبل الصحف الورقية، فطالما أن كل وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية تفقد باستمرار من قرائها ومستمعيها ومشاهديها، فان الحكم على الصحف بمعزل عن وسائل الاعلام الأخرى يعطي صورة مبتورة ومشوهة وغير موضوعية، فاذا قارنا الصحف بوسائل الاعلام الأخرى، نجد أن أداءها ليس سيئا، بل انها أفضل من غيرها أحيانا، بما في ذلك الانترنت. سيبقى العالم بحاجة الى وجود صحافة حرة ومستقلة تماما كحاجته الى التعليم والصحة وتأمين الخدمات العامة كالماء والكهرباء والنقل.
ألا يستحق المشهد المقارنة والتشبيه ومعرفة ماذا يدور في ساحة الاعلام العربي والساحات "المتحضرة"؟!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف