جريدة الجرائد

البصرة: عوائل تتصارع على الجثث واشلاء تدفن كمخلفات طمر صحي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

البصرة

قال شهود عيان وأهالي ضحايا التفجيرات الإرهابية التي طالت منطقة العشار في البصرة، أن نزاعات حدثت بين ذوي الضحايا على عائدية بعض الجثث في دائرة الطب العدلي، كما ان اسلوب التعامل مع الجثامين "لم يكن مقبولا" في المحافظة التي لم تعتد كثيرا على عمليات التفجير الضخمة.

وتعرضت منطقة العشار المزدحمة بالناس والمحال والصيدليات والمكاتب وعيادات الأطباء وبسطات الباعة قبل نحو اسبوعين إلى انفجار سيارتين مفخختين وعبوة ناسفة بحسب مصادر أمنية، ما أودى بحياة نحو 50 شخصاً وإصابة 185آخرين آخرين. وفي حديث لـ"العالم" قال المواطن محمد حسين أن الأهالي اختلفوا على عائدية جثث بعض الأطفال التي تشوهت وضاعت ملامحها جراء التفجيرات.

وتفتقر البصرة لمختبر الحمض النووي المعروف بـ(دي أن أي) لتحديد هويات الضحايا والأشلاء، ما أضطر دائرة الصحة إلى تشكيل لجنة للكشف عن هويات الضحايا في مختبر بغداد. وبعد نحو أسبوعين ما زال بعض المواطنين يبحثون عن ذويهم الذين فقدوا في التفجيرات. وقال حسين روضان، وهو ضابط في الجيش، ان أمه كانت في منطقة الحادث وأنهم هرعوا للمكان حالما سمعوا بالتفجيرات لكنهم واجهوا صعوبة كبيرة في البحث عنها بسبب اندلاع الحرائق وتراكم الحطام.

ونشر روضان المئات من الصور للمفقودة في مناطق البصرة. كما ظهرت صور لمفقودين آخرين. وقال "واجهنا عرقلة من الجهات الأمنية التي طوقت المكان وصعوبة في التعرف على الضحايا بسبب احتراقهم. وتوجهنا في اليوم التالي للمستشفيات مع أعداد غفيرة من الناس، وقد باشرت بلدية البصرة في ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي بتجريف المكان بالجرافات ونقل الحطام بما يحتويه لمنطقة الطمر الصحي في منطقة الشعيبة "بالرغم من اعتراض الناس". وأكد "عثرت على عظام تعود لأحد الضحايا في منطقة الطمر الصحي، وقد رفض الطب العدلي تسلم العظام إلا بعد الحصول على كتاب من الشرطة". ويؤكد شهود عيان قريبون من موقع الطمر الصحي أن "12 شاحنة جلبت الأنقاض وكان الدخان يتصاعد منها وتم تطويق المكان بساتر ترابي غير أن ذلك لم يحمه من الكلاب السائبة وكانت هناك ثياب ممزقة ومحترقة وملطخة بالدم".

وقال روضان "ساعدني وضعي كضابط عسكري في الوصول لمكان الطمر حيث لم يتمكن أهالي الضحايا من ذلك وبقوا متشبثين بأبواب المستشفيات ودائرة الطب العدلي".

لكن علي غانم المالكي مسؤول اللجنة الأمنية في مجلس محافظة البصرة ابلغ مراسل "العالم" ان "عملية التجريف لم تتم إلا بعد انتهاء الجهات الأمنية من عملها". وأوضح "تم رفع تقرير متكامل من مكتبي الأدلة الجنائية ومكافحة المتفجرات بعد مسح موقع التفجيرات ولم يتم التجريف بصورة عشوائية. إضافة إلى ان الشارع ضيق وبقيت الأشلاء بين الحيطان دون أن تنتشر في مساحات واسعة". وأضاف"نحن نتفهم ألم أهالي الضحايا وسنخاطب الجهات المعنية حول موقع الطمر الصحي، كما نعتبر ما أشيع عن إصدار شهادات وفاة بسبب انفجار محولة كهرباء استهانة بدماء الأبرياء، فالجهات المعنية أكدت إصدار 45 شهادة وفاة لضحايا عمل إرهابي".

من جانبه نفى مصدر في قيادة شرطة البصرة أن يكون لدى قيادته علم بعثور مواطنين على أشلاء في منطقة الطمر الصحي. وقال المصدر لـ"العالم" ان "عملية رفع الأنقاض من صلاحيات الدفاع المدني، أما عمل القوات الأمنية فيجري في الساعات الأولى بعد الحادث". غير أن مصدرا في الدفاع المدني بالبصرة نفى مشاركة آلياته برفع الأنقاض. وقال ان "رفع الأنقاض من مسؤولية البلدية أما عمل آلياتنا فينحصر في نقل المواد ولم نشترك في رفع الأنقاض بل في إنقاذ الأشخاص".

وتوالى حدوث تفجيرات البصرة عند الساعة السابعة مساءً، وهي ساعة الذروة، حيث تشهد المنطقة إقبالا كبيرا من المتبضعين والمراجعين لعيادات الأطباء. وقال شهود أن التفجيرات حدثت بتتال محسوب حيث سدت المنافذ على المارة واندلعت نيران كبيرة بسبب وجود بسطات الملابس راح ضحيتها العديد من النساء والأطفال، في حين أفاد أهالي الضحايا أن عدد القتلى والجرحى يفوق كثيراً الإحصائية الرسمية. وأنحى مواطنون فقدوا ذويهم الجرحى باللائمة على عدم استعداد المستشفيات لمواجهة هذه الحوادث الجسام. وقالوا أن بعض الجرحى فارقوا الحياة لعدم توفر الدم في المستشفيات واعتماد تلك الجهات المخاطبات الرسمية مع مصرف الدم وهو ما تسبب بإهدار الوقت.

وقال المواطن علي مزعل ان هناك أشلاء عشرات المفقودين لم تحدد هوياتهم حتى الآن. وأضاف أنه أنتظر مع المئات من الأشخاص عند أبواب المستشفيات والطب العدلي للبحث عن ذويهم. وأضاف "فقدت أخي وأبنه وهو صاحب بسطية في المكان، ومنعنا من دخول المستشفى التعليمي الذي نقل إليه الضحايا والجرحى واكتفوا بعرض ملصق عليه أسماء بعض القتلى فقط".

ويقول أهالي المفقودين أن البلدية تولت تجريف مكان الحادث صباحاً دون أن يمنحوهم فرصة التعرف على الضحايا. وقال مزعل "هناك عائلة عثرت فقط على خاتم لأبنها المفقود وأقاموا مراسم العزاء على ذلك".

وأشار مزعل إلى نزاعات حدثت بين أهالي الضحايا في دائرة الطب العدلي على بعض جثث الأطفال والضحايا المشوهة التي يصعب التعرف على هوياتها. وقال "تنازع أهالي الضحايا على الجثث المتفحمة وكل منهم يطالب بعائديتها إليه وفي هذه الحالة كان يجب اعتماد فحص الـ dna لتحديد هويات الأشلاء والضحايا".

وقال حسين روضان "أخبرتنا المحافظة بعدم وجود نختبر لاجراء هذا النوع من الفحص، ويبدو أن المحافظ نفسه لا يعلم شيئاً عنها". واضاف ان "هذا الوضع يمثل أعلى درجات الإهمال والاستخفاف بعقول الناس فالبصرة تعرضت لتفجيرات سابقة وكان على المحافظة أن تكون مستعدة للتعامل مع هذه الأوضاع". وأضاف "لقد جرى توزيع جثث الضحايا على الناس وكان يفترض تشكيل لجنة الحمض النووي قبل الإقدام على أية خطوة تثير المشاكل والشكوك فمن يضمن أن هذه الأشلاء هي لهذا الشخص أو ذاك وقد ضاعت ملامحها؟".

وعدّ الدكتور صلاح أحمد السعد رئيس لجنة كشف هويات الضحايا أن "هناك مبالغة في أعداد الجثث المذكورة". وقال أن "العدد الكلي بلغ حوالي 50 قتيلا". وأضاف "نحن لدينا الآن 4 جثث غير محددة الهويات وقمنا بأخذ عينات الـ dna لغرض مطابقتها في مختبر بغداد ومعرفة النتيجة أما بقية الجثث فتم التعرف عليها من قبل ذويها".

غير أن متابعين شككوا بالرواية الرسمية. وأشارت مصادر مطلعة إلى الارتباك الأمني الذي رافق الحادث وقال شهود عيان أن منطقة الحادث كانت خالية من أي تواجد أمني، وأكدت الجهات الأمنية عدم وقوع ضحايا في صفوفها.

وقال شهود عيان أن شدة التفجيرات قذفت بأشلاء الضحايا إلى سطوح الدور المجاورة. وقال ماجد وهو صاحب محل قريب من مكان الحادث "عثرنا صباح اليوم التالي على رؤوس أطفال ونساء فوق السطوح وفي الساحة المجاورة".

وقال الناشط في مجال حقوق الإنسان سامي تومان ان "الكثير من أهالي الضحايا اتصلوا بنا معبرين عن مأساتهم والمشاكل التي ترتبت عن الحادث". واضاف في تصريح لـ "العالم" ان "الأكثر إيلاماً موقف الحكومة المحلية غير المكترث، اذا حاولت منذ اللحظة الأولى تسطيح الحادث وتبريره بانفجار مولدة كهربائية".

وتابع ان "ماحدث من جرف للحطام صبيحة اليوم التالي هو محاولة تصب في التعتيم على حجم المأساة ، فأين الأدلة الجنائية وماذا فعلت في مكان الحادث؟ كيف يتم تجريف المكان ونقل الأنقاض والأدلة دون تحديده أولا بمحددات أمنية وأجراء كشف ميداني على المكان؟".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف