جريدة الجرائد

رجل الدين والسياسة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

هدى المطاوعة


القائد الديني‮ ‬ليس بالضرورة هو من‮ ‬يسن القوانين في‮ ‬البرلمان،‮ ‬إنما هو المستشار الذي‮ ‬يلجأ إليه رجال ونساء المجتمع من أجل المشورة والحكمة،‮ ‬فمنذ نشأة الأديان كان رجل الدين‮ ‬يمثل القدوة الأخلاقية للمجتمع في‮ ‬تسامحه وفي‮ ‬تعامله مع من حوله وغالباً‮ ‬ما‮ ‬يتفرغ‮ ‬رجل الدين ليجتمع بالناس في‮ ‬مجلسه ليثقف الناس في‮ ‬كيفية الاستفادة من سيرة الأنبياء والصالحين في‮ ‬التعامل مع مشاكل العصر باستخدام باب الاجتهاد والقياس‮. ‬
فروح الدين وغايته هو السلوك والمعاملة،‮ ‬فكل عصر له روحه الخاصة به التي‮ ‬يتفهمها رجل الدين الحكيم ويستوعب التعامل معها بمحبة وتسامح،‮ ‬فواجب رجل الدين أن‮ ‬يستقرئ روح النصوص الدينية في‮ ‬ضوء العصر الذي‮ ‬يعيش فيه،‮ ‬فهو‮ ‬يستخلص العبرة من هذه النصوص لكي‮ ‬يسهل على الناس تطبيقها على نطاق مستحدثات ومستجدات الحياة المعاصرة‮. ‬
فمثلاً‮ ‬يسأل نفسه‮ ''‬ماذا كان سيدنا محمد‮ ‬يفعل لو واجه هذا الموقف؟،‮ ‬ويحاول معالجة المشاكل بهذه الحكمة،‮ ‬هذا الأمر ليس باليسير؛ فالقياس‮ ‬يحتاج إلى كثير من الحكمة والحنكة والتأني‮ ‬والتعقل النابع من قلب‮.‬
رجل الدين مصلح اجتماعي
السياسة‮ ‬غالباً‮ ‬ما ترتبط بالمهاترات والمماحكات التي‮ ‬تدفع ببعض المتنافسين إلى الانتقاص من قيمة من‮ ‬يتصدى لهم والعمل على الإطاحة به بما‮ ‬يتنافى مع روح الحكمة والارتقاء الإنساني،‮ ‬إذ قد‮ ‬يتم الإساءة العلنية إلى الشخص المتنافس والتسبب في‮ ‬إحداث عطب لا‮ ‬يمكن إصلاحه،‮ ‬وخاصة في‮ ‬مجتمع صغير مثل مجتمع مملكة البحرين،‮ ‬وهذا السلوك‮ ‬يتنافى مع دور رجل الدين الإصلاحي‮ ‬والذي‮ ‬لا‮ ‬يسعى لشراء الدنيا بالثمن البخس‮. ‬
فموقف رجل الدين هو موقف‮ ''‬القابض على الجمر‮''‬،‮ ‬ودخول رجل الدين إلى السباق السياسي‮ ‬هو لعبة دنيوية،‮ ‬ما هو الثمن الذي‮ ‬يقبضه رجل الدين بعد اكتساح منافسيه بكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة أحيانا؟ الفوز بمقعد بالبرلمان ثم لا شيء‮!‬
عندما تحدثت في‮ ‬عمود سابق عن رجل الدين والبرلمان ذكرت بعض الأسماء لعلماء دين عاشوا في‮ ‬مملكة البحرين وأفنوا زهرة شبابهم فيها للدفاع عن الحق،‮ ‬هؤلاء رجال أخلصوا في‮ ‬دورهم كمصلحين وكمرشدين وبعضهم اهتم بالسياسة من باب الإصلاح للارتقاء بشؤون الأمة الإسلامية،‮ ‬لكنهم لم‮ ‬يسعوا لمراكز دنيوية تجعلهم‮ ‬يحابون هذا ويعادون هذا،‮ ‬فالانشغال بالسياسية ليس بهدف تحريض طرف ضد آخر من أجل الفوز بالجاه والسلطان وإنما علماء الدين في‮ ‬معظم العصور كانوا مصلحين اجتماعيين‮ ‬يعملون على الارتقاء بالوطن وبسلوكيات الناس ومعاملاتهم ويصلحون بين المتخاصمين،‮ ‬ويكونون قدوة في‮ ‬التواضع والتسامح وفي‮ ‬التحلي‮ ‬بأخلاقيات الإسلام‮.‬
وعندما‮ ‬يتسابق رجال الدين إلى المراكز السياسية فإنهم‮ ‬يدخلون لعبة قد تدفعهم للميل عن طريق الحق من أجل إرضاء هذا وتجنب‮ ‬غضب ذاك على حساب دورهم الإصلاحي‮.‬
نبدأ من حيث انتهى الآخرون
ما حققه بعض البرلمانيين من قوانين في‮ ‬فترة الثماني‮ ‬سنوات الماضية معظمه لا‮ ‬يسمن ولا‮ ‬يغني‮ ‬من جوع،‮ ‬وذلك لافتقار معظمهم للرؤية المستقبلية التي‮ ‬يتطلبها الواقع المعاش لمملكة البحرين،‮ ‬خاصة والمملكة مقبلة على مرحلة عالمية خطيرة ولا‮ ‬يمكن أن نتحجج أن الدولة الفلانية صار لها‮ ‬50‮ ‬سنة قبل أن تتمكن من تغيير بعض مواد الدستور أو تعديل نص المادة كذا والمادة كذا،‮ ‬وكأننا نريد أن نكرر أخطاء الآخرين بدل أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون خاصة فيما‮ ‬يتعلق بإصدار تعديل دستوري‮ ‬يعطي‮ ‬المرأة البحرينية حق الدخول في‮ ‬البرلمان القادم عن طريق الكوتا ولو لمدة‮ ‬3‮ ‬دورات فقط إلى أن‮ ‬يعتاد الشارع على وجود المرأة في‮ ‬مراكز صنع القرار السياسي،‮ ‬وجود‮ ‬10‮ ‬نساء في‮ ‬البرلمان‮ ‬يتم اختيارهن ضمن قائمة واحدة بحيث‮ ‬يتم اختيار سيدتين من كل محافظة هو قرار بالاعتراف بواقعنا الذي‮ ‬يفرق بين المرأة والرجل،‮ ‬خاصة عندما‮ ‬يكون رجل الدين طرفاً‮ ‬في‮ ‬السباق السياسي‮.‬
نحن نعرف أن هناك أنظمة عالمية فاسدة ونعرف أن مملكة البحرين أثبتت للعالم أنها تملك من التحضر والانفتاح والتسامح ما لا تملكه بعض الدول العظمى والتي‮ ‬لها باع طويل في‮ ‬ممارسة الديمقراطية،‮ ‬لذلك نحن نؤمن أن في‮ ‬هذا الشعب من الكفاءات من الجنسين ممن‮ ‬يستطيعون تحقيق كثير عن طريق تمثيل الشعب في‮ ‬البرلمان وليس بالضرورة أن‮ ‬يكون النائب البرلماني‮ ‬هو رجل دين أم إمام مسجد كما حدث في‮ ‬الدورتين البرلمانيتين السابقتين‮.‬
فقط لكونهم‮ ‬يمتلكون المعرفة بأمور الدين ويؤمون الناس بالمساجد وتسندهم جمعيات لها خبرة في‮ ‬العزف على عاطفة الناس عن طريق استخدام الترغيب والترهيب،‮ ‬آن الأوان لكي‮ ‬ينصف رجل الدين المواطنين بالقيام بدوره بتنمية وعيهم الديمقراطي‮ ‬بحقوقهم في‮ ‬استخدام عقولهم ودراسة مصالح الأجيال القادمة وليس المصلحة الآنية فقط في‮ ‬حسم علمية اختيار الأشخاص القادرين على تمثيلهم في‮ ‬البرلمان‮.‬
عملية الانتخاب هي‮ ‬عملية انتقاء الأصلح والأفضل للقيام بالدور المطلوب منه،‮ ‬النائب البرلماني‮ ‬نائب تشريعات وقوانين وليس نائب خدمات كالنائب البلدي‮ ‬ولا زال كثير من عامة الشعب‮ ‬يجهلون الفرق‮.‬
لا لتهميش الطاقات الفاعلة
نتمنى من رجال الدين القيام بدورهم في‮ ‬توعية الجمهور دون التدخل في‮ ‬توجيه الناخبين تجاه كفة من‮ ‬يرفع الدين شعاراً،‮ ‬فشعب البحرين شعب محافظ دينياً‮ ‬وأخلاقياً‮ ‬رغم تعدد المذاهب والمناهج،‮ ‬ولا بد من وجود منهجية متسامحة لدي‮ ‬رجال الدين المهتمين بالسياسة حتى لا‮ ‬يتم تهميش الطاقات الفاعلة في‮ ‬المجتمع والتي‮ ‬تمتلك الرؤية لمجرد أنها لا تتفق والمقاييس الشكلية التي‮ ‬عادة ما تكون مضللة وتستخدم لتحقيق مآرب شخصية‮. ‬
عزيزي‮ ‬القارئ تذكر أن الدين هو المعاملة ولتعطى صوتك من‮ ‬يستطيع تحقيق ما فيه مصلحة المواطن،‮ ‬انتقِ‮ ‬الأشخاص القادرين على تحقيق التوازن والازدهار الاقتصادي‮ ‬والسياسي‮ ‬لتفعيل دورك في‮ ‬صنع الدولة الحديثة التي‮ ‬تتطلع لها مملكة البحرين تحت قيادة جلالة الملك الذي‮ ‬أثبت أنه أكثر ديمقراطية من بعض رجال البرلمان المتعصبين دينياً‮. ‬
صوتك هو دورك في‮ ‬حفظ الأمن والازدهار على هذه الأرض الطيبة

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف