جريدة الجرائد

صدام «الحليفين» صورة قاتمة عن حرب ولّت

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بيروت - منال أبو عبس


موعد آذان الظهر لم يحن بعد، غير أن صوت تلاوة القرآن يخرج قوياً من مأذنة جامع "الأحباش" في برج أبي حيدر. حول الجامع يتحلق شبان ورجال كثيرون، يجمع معظمهم على رفض الحديث عن الاشتباكات المسلحة التي شهدتها المنطقة من الغروب وحتى منتصف الليل قبل الفائت. ومقابل المسجد، على الحائط المزين بلافتات ترحب بحلول رمضان، ورقة بيضاء عليها صورة شاب هو احمد جمال عميرات "المسؤول في حزب الولاء الوطني... الشهيد الصائم" الذي قضى في الاشتباكات. ولا ملصقات اخرى تنعى الضحيتين الأخريين اللذين سقطا في المنطقة نفسها: مسؤول "حزب الله" في المنطقة محمد فواز ومساعده علي جواد.

لولا صوت القرآن لما خرق شيء الصمت المخيم على المنطقة منذ الصباح، على رغم زحمة الرجال والشبان ومعظمهم من أنصار "جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية" المنتشرين في الشارع. هؤلاء اختار معظمهم عدم التعليق على ما حدث التزاماً بقرار الجمعية، أما من تحدث منهم فجاء كلامه صدى لكلام خرج من "شوارع" أخرى غداة أحداث 7 ايار (مايو) الشهيرة. ويفسر الكلام منظر الضرر اللاحق بكل شيء: الجامع، مكتب "جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية" قربه، مكتب "حزب الولاء الوطني" و "مجلس الأعيان الكردي اللبناني"، حتى المباني السكنية القريبة والتي يحوي احدها اذاعة "صوت بيروت" التابعة لرئيس "المؤتمر الشعبي" كمال شاتيلا المنضوي كما "المشاريع" تحت لواء تيار المعارضة. المباني هذه كما السيارات المركونة وواجهات المحال تعكس صورة ما حدث ليلاً. زجاج يكسو الأرض، ورصاص اخترق حديد السيارات وحطم زجاجها، وآثار حرائق خلفتها قذائف "ار بي جي" في بيوت ومحال وسيارات. وإلى جانبي الطريق تتمركز دبابات للجيش اللبناني الذي دخل الى المنطقة ليلاً وطوق الاشتباكات المسلحة بعد ساعات من اندلاعها.

يغطي الوجوم وجوه الشبان هنا. على الزاوية شابان يجريان نقاشاً محتدماً. عندما يريان دفتر تدوين الملاحظات، يطلب احدهما من الآخر ان يصمت، ويقول: "الله يوفقك ما بدي احكي"، أما السبب، فـ "افضل ان ابقى على صيامي". لكن ما كان سيقوله الشاب ويخشى منه على صيامه سرعان ما سيقوله شاب آخر: "لماذا تسألوننا نحن عما حدث، اسألوهم هم (حزب الله) لماذا هجموا على منطقتنا. ما جرى جرى هنا في منطقتنا، اعتدوا على مركزنا. لم نذهب نحن لقتالهم في رمضان". كلام الشاب المتحمس لن يلبث أن يتوقف مع اول اشارة بالكف عن الكلام من رجل من "المشاريع". ويكمل شاب آخر الحديث مستشهداً بما خلفته الاعتداءات المسلحة من اضرار في الجامع، مستعيناً بصور التقطها بكاميرا هاتفه الجوال، وتظهر فيها قذيفة علقت بالحائط الخلفي للمسجد ولم تنفجر، وأزيلت في اليوم التالي. ويسأل الشاب: "ألا تشبه هذه الصورة صورة الاعتداءات على الجوامع في فلسطين؟".

الكلام هذا لا يرضي آخرين منتشرين في المكان، وبينهم المسؤول الإعلامي في جمعية "المشاريع" الشيخ عبد القادر فاكهاني الذي يشدد على ان ما حصل "لا خلفيات سياسية ولا مذهبية له" ويروي كيف بدأ الإشكال. ويقول: "كنا نقيم افطاراً في مركز الجمعية الملاصق للجامع، ودعونا اليه وفداً من حركة "امل".

وكان شاب من حرس المركز يساعد سيارة تحاول أن تركن في الجوار، فأوقف السير لحظات بينما يتم الأمر. غير أنه صودف مرور شاب من "حزب الله" بسيارته، فأمر الشاب بأن يزيح من الطريق "قبل ان أدهسك". على خلفية هذا الكلام حصل تلاسن بين الشابين تطور الى تضارب. وما هي الا دقائق معدودة حتى حضر مئات الشبان الى المنطقة، وتطورت الأمور الى استعمال للسلاح والقذائف الصاروخية، (قتل على اثرها اثنان من الحزب وآخر من المشاريع).

ولم يقف الأمر هنا، اذا تطور الأمر الى حرقهم جامع البسطا ومحال الديوان ومركزاً للجمعية والجامعة العالمية التابعين للمشاريع، اضافة الى محاولة اعتدائهم على مسجد زقاق البلاط".

ويصف فاكهاني ما حصل بأنه "غلط"، ويقول: "نحن تفاجأنا بما حصل، فالاعتداء حصل على مركز جمعية المشاريع، ونحن كنا في حال دفاع عن النفس"، مشيراً الى أن "الجيش نزل على الأرض بعد نحو ثلاثة ارباع الساعة، وقصد مركزنا وسمع منه صوت قاذفات "ار بي جي" كانت تطلق علينا، وأيضاً تم اطلاق النار على الجيش، نحن لم نطلق النار على احد". ويضيف: "ما حصل نطويه في ارضه وننهية. لم نسر في الفتنة قبل اربع سنوات، فلن نسير الآن".

في المنطقة يدور كلام كثير عن عمليات خطف لشبان من بيوتهم، وعن مفقودين لم يعودوا حتى الآن، غير أن فاكهاني يؤكد أن "ذلك غير صحيح"، وأن ما حدث ان "عناصر من حزب الله اعتقلوا ثلاثة شبان من منطقة مجاورة، وسلموهم الى الجيش الذي اعادهم الى بيوتهم". يقطع كلام فاكهاني صوت رجل يقف على مقربة يصرخ مندداً بالتعرض لـ "بيوت الله"، ويشير الى مأذنة الجامع وقد تضررت بفعل القذائف الصاروخية والطلقات النارية. ويشير الى الزاوية: "هنا سقط عميرات ابن 19 سنة، طالب جامعة، كان متجهاً الى بيته ليفطر مع اهله. الرصاصة اطلقت عليه من بعيد من اشخاص اتوا من مناطق مجاورة. نصبوا مسلحين على سطوح الأبنية العالية، تحولوا خلال دقائق الى قناصين، وصاروا يقاومون اسرائيل من هنا، اليس هذا سلاح المقاومة".

أما مصدر الرصاص الذي اودى بعنصري "حزب الله" على مقربة من الجامع، فيرتبك الحديث حوله. ويروي أكثر من شاهد أنه "رصاص طائش"، ثم يضيف رجل من حرس مركز "المشاريع": "نحن لم نطلق النار، هم باغتونا، اجتازت سيارة رباعية الدفع الشارع وأطلقت الرصاص على الجميع، عندها سقط الإثنان".

في النويري، كانت الصورة مشابهة لأبي حيدر، وإن كانت المعركة هنا لم تسفر عن ضحايا. فهنا جامعة دينية لـ "المشاريع" ومحال تجارية اشهرها "الديوان" تضررت. وبحسب شهود فإن "شباناً جاؤوا من مناطق مجاورة أطلقوا النار على واجهات ثم سبع قذائف ار بي جي على الديوان وعلى دراجات نارية خاصة لخدمة التوصيل المنزلي، فاشتعلت كما اشتعلت سيارات كانت مركونة بقربها، وامتدت النيران الى شرفات مبنى سكني ملاصق للديوان". وتروي سيدة عادت للتو الى المبنى بعدما قضت وعائلتها الليل الفائت عند اقارب: "كنا في المنزل، نسمع صوت الرصاص وقذائف ار بي جي. الخوف الذي عشناه كان لا يحتمل خصوصاً أن معنا اطفالاً ومسنين. وما هي الا لحظات حتى غطى الدخان كل شيء، وصار التنفس صعباً. خفنا من الموت هنا. الجيش تدخل بعد اقل من ساعة. لولا تدخله كنا متنا هنا. امهلونا نصف ساعة حتى نغادر بيوتنا، وبعضنا نقلوه بالإسعاف". الجيش الذي تشكره السيدة، تحمل عليه امرأة اخرى من المنطقة، وتقول: "كنا نسمع اصوات القذائف ونرتجف، بينما عناصر الجيش يشاهدون معنا ما حدث".

أمام "الديوان" يقف شبان من "المشاريع" مشكلين سداً يحجب الرؤية عن الدمار داخله، ويرفضون الحديث باستثناء واحد منهم قائلاً: "حسبنا الله ونعم الوكيل". ثم يضيف رجل يعاين ما الحق بمحله من أذى: "كلنا جيران وأهل، لا شيء مما حدث كان مقصوداً. وإن شاء الله تكون الحكاية انتهت".

البسطا ايضاً عاشت يومها تلملم ذيول الليل الفائت، بينما السواد يغطي الحائط الخارجي لمسجدها الذي تعرص له شبان بالحرق على خلفية الاشتباكات. المسجد تحول الى مزار من مستائين كانوا يقصدونه للتفرج على محتوياته وقد احرقت بالكامل. يضرب رجل من "أبناء المنطقة" كفاً بكف، ويقول: "هذا بيت الله، والدنيا رمضان، هل ظنوا انه مستعمرة من المستعمرات؟"، بينما يروي صاحب محل قريب ما حدث: "لم نسمع الا صوت الرصاص وأصوات تطلب من المصلين أن يخرجوا، قبل أن يضرم شبان النار في المولد الكهربائي وتمتد النار الى الداخل".

في الشارع المؤدي من برج ابي حيدر الى البسطا الفوقا، تجلس مجموعة من الشبان على الرصيف تحت صورة للإمام المغيب موسى الصدر. الشبان يقولون ان اياً منهم لم يشهد احداث امس، وإن ما حدث ليس الا اشكالاً بين شخصين "لم يحملهما رأساهما، وكادا يؤديا الى فتنة في الصف الواحد". وفي الشارع نفسه يجلس رجل ستيني وولده في دكان لتركيب العطور. في صدر الدكان صورة للصدر. نسأل الرجل عما حصل، فيروي ان "شباناً تعاركوا وانفلت الأمر". ثم يسأل عما سيكتبه الإعلام عن الموضوع، ويقول: "حرام أن تكبروا القصة. لا تكتبوا خبراً يملأ القلوب حقداً وضغينة، بدنا نخلص. ولا تنسوا اننا في شهر الصوم".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف