لماذا رفضت روسيا تأخير تدشين مفاعل بوشهر؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هدى الحسيني
مع تجربة إيران لصواريخ أرض - أرض جديدة سبقت بيوم واحد تدشينها مفاعل بوشهر، ومن ثم كشفها عن أول قاذفة من دون طيار، تجددت الشائعات عن قرب احتمال قيام إسرائيل بشن هجمات جوية على منشآت إيرانية.
دأب الإسرائيليون والأميركيون على القيام بحملات علنية للضغط على الإيرانيين الذين لم يتأثروا، على الأقل علنا، وقال كاظم جلالي الناطق باسم لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني إن "افتتاح بوشهر يظهر أن التهديدات ضد إيران حرب نفسية". وقد يكون هذا ما يقصده الإسرائيليون بإشعار الإيرانيين بنوع من الأمن المزيف قبل توجيه الضربات الفجائية.
هذا يبقي التهديدات الإيرانية بالرد قائمة، من نشر الفوضى في العراق، وتحريك حزب الله، ومحاولة إغلاق مضيق هرمز.
مسألة المضيق تعني أن إسرائيل لن تقوم بالضربة وحدها، لأنها إذا فعلت وأقدمت إيران على إغلاقه فإن الانتعاش الاقتصادي العالمي سينهار مجددا، ولن يقبل المستهلك الأميركي بأن يكون عرضة لمثل هذه المساومة وهذا التهديد، ولهذا بدأت كاسحات الألغام والمدمرات الأميركية بالتوجه إلى منطقة الخليج، مشيرة بذلك إلى الكثير من الاحتمالات المستقبلية.
إيران تنفي دائما اتهامات الحكومات الغربية بأنها تعمل على امتلاك السلاح النووي، وقالت الولايات المتحدة إنها لا ترى في محطة بوشهر خطرا لانتشار النووي، لكن إسرائيل رأت في تزويد موسكو بالقضبان النووية أمرا غير مقبول، ولوحظ قول ناطق باسم الخارجية الإسرائيلية: "ليس مقبولا على الإطلاق (...) أن تنعم إيران بـ(فوائد) استخدام الطاقة النووية"!
ركزت إيران لسنوات على تضخيم عضلاتها العسكرية، من صواريخ وإنتاج غواصات صغيرة وزوارق حربية، وتحاول أن تدخل سوق السلاح الدولية كمصدّر، وقال وزير دفاعها أحمد وحيدي إنها قادرة على تصدير السلاح إلى 50 دولة (ليس كل أنواعه، بسبب قرارات المقاطعة الدولية).
الاستراتيجية المعتمدة على الزوارق السريعة، وإنتاج كميات ضخمة من الصواريخ، والقدرة على زرع الألغام، تهدف إلى توسيع مسرح المواجهة بضرب مصالح المهاجمين في دول الشرق الأوسط.
كل هذا الضجيج لا يلغي بأن إيران تبقى في نواح كثيرة ضعيفة عسكريا، خصوصا في ما يتعلق بالنظم المضادة للطائرات، والتفوق الجوي للدول الأخرى، ولهذا تبدو إيران تواقة جدا إلى الحصول على صواريخ "إس 300" الروسية، ولأسباب سياسية تتأخر موسكو في التجاوب، ولأنها أيضا تتعرض لضغوط من دول تتطلع روسيا إلى علاقات عسكرية وتجارية مغرية معها.
وربما إدراكا منه لنقاط الضعف، قال أحمدي نجاد إن إيران لن تبادر أبدا إلى البدء بالهجوم. ولا يتفق معه في هذا الالتزام بعض القادة العسكريين الذين يرون أنه إذا تجمعت لديهم معلومات مؤكدة بضربة على إيران فعليهم الاستباق بـ"ضربة وقائية".
السؤال الآن: لماذا قررت روسيا تجاهل الطلب الأميركي بتأخير تدشين بوشهر؟
هناك المناخ الجيو - استراتيجي الذي قد يعرّض الأمن الروسي، إذا ما سمح للغرب بتحقيق استراتيجيته من دون عقبات.
قبل ثلاثة أيام من افتتاح بوشهر عُقدت قمة رباعية في منتجع سوتشي على البحر الأسود، استضاف فيها الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف رؤساء طاجيكستان وأفغانستان وباكستان، وقرر المجتمعون أن تكون قمتهم المقبلة في دوشانبيه، العاصمة الطاجيكية.
هذه القمة تشير إلى استمرار المنافسة ما بين روسيا والولايات المتحدة على دول آسيا الوسطى والتفاف بعضهما على بعض. قمة سوتشي تجاوزت كازاخستان وأوزبكستان وأكدت تمسك موسكو بطاجيكستان حيث تقع أكبر قاعدة عسكرية روسية.
في قمة سوتشي أعادت موسكو الإمساك بقوة بدوشانبيه. ركزت الدول الأربع على مشاريع مشتركة في حقل الطاقة، بحيث تصدر طاجيكستان الكهرباء إلى باكستان عبر أفغانستان من محطة تولد الطاقة الكهرومائية تملك روسيا 75% منها. هذا المشروع مربح للدول الأربع، روسيا تكسب المال، وتحافظ على سيطرتها على المحطة الضرورية للاقتصاد الطاجيكي، وفي الوقت نفسه تلزم أفغانستان وباكستان المقبلتين على مواجهة نقص في الطاقة.
المشروع الثاني الذي بُحث في سوتشي كان في مد خطوط للسكك الحديدية، وترى موسكو أن خطوط المواصلات توفر لها منفذا على المرافئ الباكستانية، مقابل منح باكستان منافذ على أسواق آسيا الوسطى. وقد دفع بحث هذا المشروع أحد المعلقين الروس إلى التخمين بأن حلم الإمبراطورة كاترين الكبرى بالوصول إلى المياه الدافئة سيتحقق أخيرا.
على كل يبدو أن المستقبل في التجارة والسيطرة على الساحات الخلفية لنفوذ الدول الكبرى من قبل دول كبرى أخرى سيكون عبر السكك الحديدية، فموسكو بفكرة مشروعها الأخير تريد الرد على واشنطن وما يسمى "الاستراتيجية الكبرى لآسيا الوسطى"، الذي تهدف من خلاله إلى إبعاد منطقة آسيا الوسطى عن النفوذ الروسي. وإذا كانت الاستراتيجيتان الأميركية والروسية ستبقيان لفترة طويلة خططا ورقية بسبب أزمة البلدين المالية والاقتصادية، فإن الصين رصدت مبلغا يفوق 35 مليار دولار لمد سكك حديد بطول 81 ألف كيلومتر، تصلها بأوروبا وبدول آسيا الوسطى.
من دون شك، يقلق روسيا أن نفوذها يضعف فوق الهلال الممتد من كازاخستان حتى إيران، وتريد أن تفعل شيئا لاستعادته. أزعجها تحدي تركمانستان قبل أيام، بفتح مجال الغاز لديها أمام الشركات النفطية الأميركية وتأثير هذا على خط "نابوكو" الذي سيتجاوز الأراضي الروسية في طريقه إلى الأسواق الغربية. كما أقلقها تحسن العلاقات بين أميركا وكازاخستان وتقدم النفوذ الأميركي في قرغيزستان. وشعرت بأن النجاح الأكبر للدبلوماسية الأميركية كان في تطبيع العلاقات مع أوزبكستان.
من هنا كان تركيز روسيا على طاجيكستان، وعلى جعلها الشريك الأول لها وهي تفكر في استعادة دورها في أفغانستان. إن موقع طاجيكستان الاستراتيجي يجعلها اللاعب الأساسي من دول آسيا الوسطى في أفغانستان، إذ تجمعهما حدود تصل إلى 1206 كلم إضافة إلى الإثنية الطاجيكية في أفغانستان.
المؤتمر الرباعي في سوتشي يؤكد استعداد روسيا للقيام بدور فعال في أي تسوية أفغانية، خصوصا بالنسبة إلى احتمال ولو بسيط بأن تقدم أميركا على تقليص عدد قواتها في سنة انتخابية أو - وهذا الاحتمال الأكبر - إذا دعّمت واشنطن توجهها بالبقاء عسكريا لفترة طويلة في المنطقة كجزء من استراتيجيتها الدولية.
إن أي نوع من البقاء الأميركي الطويل في المنطقة سيواجه بقوة من روسيا والصين وإيران.
أيضا استعملت موسكو قمة سوتشي لتقوية تقاربها مع الرئيس الأفغاني حميد كرزاي الذي دعا ميدفيديف لزيارة كابل قريبا، كما عبرت عن استعدادها لبيع كابل طائرات هليكوبتر عسكرية تحتاج إليها لجيشها، والتي تبدو واشنطن مترددة إزاءها.
يبدو أننا عدنا إلى لعبة الأمم وإلى سباق الصفقات العسكرية ولاحقا النووية. موسكو تتطلع إلى بيع السعودية النظام الدفاعي المتقدم "إس 400"، والولايات المتحدة ستبيع أنظمة صواريخ وأسلحة متقدمة من طائرات عسكرية وهليكوبتر إلى دول في الخليج مثل الكويت والإمارات والسعودية. وتتطلع الهند من جهتها إلى زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى دلهي في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، لتطرح معه ما أقدمت عليه روسيا في سوتشي من اختيار باكستان كشريكها الأساسي في المسائل الأمنية الإقليمية، ولتبحث معه التحول في ميزان القوى الجديد مع التحركات الروسية الأخيرة، التي شملها أخيرا تزويد إيران بالقضبان النووية لمفاعل بوشهر.