"اللوبي" العربي... حلم مؤجل!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سعد عبد الرحمن
في الثالث من مايو 2010، أعلن عن ولادة تجمع يهودي جديد يضم 3000 مفكر وعالم يهودي أوروبي يدعى "جي كول" (يوروبيان جويش كول فور ريزن) ومعناها (النداء اليهودي الأوروبي للتعقل). وقد تم الإعلان عنه في مؤتمر عقد في البرلمان الأوروبي في بروكسل، الأمر الذي ربما يكشف عن "تأييد رسمي" أوروبي لهذه الخطوة، باعتباره لوبيّاً أوروبيّاً يعزز الاتجاه الذي بدأه لوبي "جي ستريت" الأميركي، الذي أنشئ لمواجهة تنظيمات اليمين اليهودية الموالية للحكومات الإسرائيلية اليمينية مثل اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة "آيباك" في الولايات المتحدة الأميركية، و"كريف" المجلس الذي يمثل المؤسسات اليهودية في فرنسا. هذا وقد تم التوقيع في هذا المؤتمر على وثيقة أسموها "نداء العقل" لمخاطبة العقل الصهيوني المتزمت، كما يقولون.
وقد جاء في الوثيقة أن "إسرائيل تتعرض لتهديدات وجودية" وأن "مستقبل إسرائيل منوط بتحقيق سلام مع الفلسطينيين على أساس دولتين لشعبين" وعن خطر سياسة حكومة نتنياهو على "دولة إسرائيل"، معلنين أن "الدعم التلقائي لسياسة حكومة إسرائيل خطير ولا يخدم المصالح الحقيقية لإسرائيل". وعن الهدف قالوا: "هدفنا هو خلق حركة أوروبية تنقل صوت المنطق إلى قلوب الجميع، والحركة غير حزبية، وهدفها ضمان وجود إسرائيل. وهذا لن يحصل إلا بإقامة دولة فلسطينية سيادية وقابلة للحياة"، منتقدين بشدة سياسة التوسع الاستعماري/ "الاستيطاني" في الضفة الغربية والقدس المحتلة باعتباره "خطأ سياسيّاً وأخلاقيّاً".
ويتلخص نداء "الوثيقة" في أربع نقاط تتوجه إلى عقول الجاليات اليهودية في الغرب وعبرها إلى الحكومات الأوروبية. وهذه النقاط هي: أولا، مستقبل إسرائيل "يحتّم بالضرورة إنشاء سلام مع الشعب الفلسطيني"، حسب مبدأ "دولتين لشعبين"، في أسرع وقت، قبل أن تدهم إسرائيل "خيارات كارثية" فتصبح دولة تضم "أقلية يهودية" أو تتحول إلى "نظام معيب لدولة إسرائيل يحوّلها إلى حلبة حروب أهلية". ثانيّاً، على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة "الضغط على الطرفين ومساعدتهما للوصول إلى حل سريع"، ولأوروبا دورها الخاص بسبب تاريخها في المنطقة. ثالثاً، مع الاعتراف بأن "القرار النهائي هو في يد (شعب) إسرائيل الحر"، إلا أن قوة تضامن الجاليات اليهودية في العالم تفرض عليها أن يكون القرار صائباً، إذ إن "الانحياز الدائم لقرارات الحكومات الإسرائيلية خطر"، لأنه يذهب في اتجاه معاكس لمصلحة إسرائيل العليا. وأخيراً، أرادوا إطلاق حركة "تسمع صوت العقل للجميع" وتكون فوق الانقسامات، و"تعمل على خلاص إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، وهو ما لا يمكن تحقيقه من دون وجود دولة فلسطينية".
وتضم هذه المنظمة مفكرين وسياسيين ورجال قانون وصحافيين وأكاديميين أوروبيين من أصل يهودي يعدون من أبرز المدافعين عن إسرائيل، ولكنهم أعلنوا في مؤتمرهم أنهم "يتحركون من دافع قلق عميق على سلامة دولة إسرائيل"، ويعتقدون أن الطريق الوحيد لضمان وجودها كدولة يهودية ديمقراطية هو العمل الفوري على إرساء دولتين لشعبين. ويقول رئيس الفرع الفرنسي لحركة "السلام الآن" (ديفيد شملا): "مطالبنا تأتي فقط للإسرائيليين، الذين نتوجه إليهم من دافع قلقنا الشديد. فحين يضع زميلك نفسه في خطر عليك أن تحذره، وهذا ما نفعله نحن". أما المؤرخ البروفيسور (زئيف شترينل) الذي نجا من محاولة اغتيال في 2009 نفذها يهودي يميني في إسرائيل فيوضح: "إن البشرى التي جاءت بها (جي ستريت) ليهود أميركا هي أن تأييد إسرائيل ليس شرطاً أن يكون تأييداً لسياسات جميع الحكومات الإسرائيلية. ينبغي ممارسة ضغوط على حكومة إسرائيل من ثلاثة اتجاهات: الإدارة الأميركية، والحكومات الأوروبية، والجاليات اليهودية". ومن جهته، قال النائب الأوروبي (كوهين برنديت): "إن ما يجمع هذه الشخصيات في الأساس هو القلق على سلامة إسرائيل وحمايتها من نفسها. السياسة الإسرائيلية تثير موجة عداء لإسرائيل ولليهود في أوروبا والعالم بشكل يذكر بحقب سوداء في التاريخ اليهودي".
لقد أثار المؤتمر التاريخي هذا تموجات في أوساط اليمين الإسرائيلي في الداخل والخارج. ففي أوروبا، هاجم مئات الشخصيات اليمينية اليهودية "جي كول" وقالوا إنها خطيرة وتضع نفسها "سلاحاً يهوديّاً في أيدي أعداء إسرائيل"، وخاصة أن "جي ستريت" الأميركية حضرت المؤتمر ووزعت نتائج استطلاع رأي أجرته يومئذ يؤكد أن الغالبية الساحقة من يهود العالم يؤيدون النشاط الضاغط لليهود على إسرائيل حتى تجنح إلى السلام. وبيــّـن الاستطلاع أن شعبية الرئيس أوباما بين يهود أميركا تزيد بـ 15 في المئة عن شعبية نتنياهو (59 في المئة مقابل 44 في المئة)، وأن 55 في المئة يؤيدون الانتقادات التي تصرح بها الإدارة الأميركية ضد حكومة إسرائيل، و79 في المئة يؤيدون ممارسة ضغط على الحكومة الإسرائيلية و83 في المئة يؤيدون دوراً فاعلا للولايات المتحدة في عملية السلام الشرق أوسطية. وكذلك أيدت صحيفة "هآرتس" المؤتمر ومبادرته. كما هنأ الكاتب والنائب اليساري السابق (يوسي ساريد) "الموقعين على شهادة الحب هذه لإسرائيل"، مشيراً إلى أن "أفضل أصدقاء إسرائيل ليسوا بالضرورة الذين يرفضون انتقاد سياستها". ومن جانبه، يرى الخبير السياسي (إيمانويل سيفان) أن "جي كول تعكس ضيق صدر حقيقي للذين يقفون عامة إلى جانب إسرائيل ولم يعد بإمكانهم كبت انتقاداتهم. فهذا التحرك هو بداية شرخ مثير للقلق بين يهود الشتات وإسرائيل".
صحيح أن تأثير اللوبي الجديد لم يرق بعد إلى المستوى المطلوب، ولكنه دخل حلبة المواجهة وسجل نقاطاً مهمة. ويبقى حزننا لعدم تبلور "لوبي عربي"، سواء في واشنطن أو أوروبا، يدعم الموقف العربي ويكون فاعلا في محاولة تغيير السياسة الغربية بشأن الصراع في الشرق الأوسط، وخاصة أن "جي كول" ومن قبلها "جي ستريت" نجحتا في التحرك بشجاعة ضد السياسة الإسرائيلية، في حين يبقى "اللوبي العربي" مجرد فكرة بل حلم، لم يتحقق على رغم المطالبة به على مر السنين! فهل يؤدي "اللوبي اليهودي" (بشقيه: الملتحم بإسرائيل أو الناقد لها) إلى ظهور "لوبي عربي" موازٍ في أي مكان في الغرب؟