التعذيب التلفزيوني

خلف الحربي


نجاح أي برنامج مسابقات تلفزيوني في استقطاب اهتمام الجمهور يعني ببساطة أننا سوف نتعرض للتعذيب الثقافي المتواصل، حيث ستظهر علينا فجأة مئات من برامج المسابقات التي تسأل مشاهدين ومشاهدات لا يعرفون أي شيء عن أي شيء، باستثناء عبارة متأرجحة يقولونها للمذيع: 'ساعدني الله يخليك!'... ويستمر طريق النجاح مرتبطاً بالهبات ومتعلقاً بروح التغاضي!

أما برامج الكاميرا الخفية التي ملأت البر والبحر والفضاء، فقد تكررت حتى ملّ التكرار من تكرارها, ولكن بمجرد ما نشأت لدى المشاهدين مناعة ضدها اتجه صانعوها إلى إحداث تغيير طفيف في الخطة، وأنتجوا برامج على هيئة مقالب مع النجوم, إنها النباهة في تطوير آلة التعذيب! والآن على المشاهد أن يصدق أن النجم لا يعلم شيئاً عن المقلب الذي يدبره له المذيع الماكر الذي لا يخبره بحقيقة المقلب إلا حين يغادر الاستديو غاضباً!

بصراحة... التلفزيون العربي ينتحر لأنه يقلد نفسه! ليست المشكلة أبداً في أنه سيموت! بل المشكلة كل المشكلة في أنه سيعذب المشاهدين من هنا حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة!

شاهدوا كم مسلسلاً كارتونياً يعرض في رمضان؟ كلها أعمال كوميدية تستهدف الكبار, كلها يقلّد بعضه بعضاً, نجح عمل واحد في رمضان، فظهر لنا ألف عمل كارتوني في رمضان الذي يليه، وبعد أن ينتهي رمضان تختفي هذه الكائنات الكرتونية المزعجة من على سطح الأرض!

تبحث عن مسلسلات كارتونية للأطفال من إنتاج محلي فلا تجد شيئاً, أين اختفت كل هذه التقنيات والمواهب؟... لا أحد يعلم, الشيء الوحيد المعلوم بالضرورة أن المسلسلات الكارتونية نفسها ستظهر دفعة واحدة في رمضان القادم كي يقلد بعضها بعضاً، وتعذب المشاهدين من جديد ظناً منها أنها تضحكهم!

حتى الممثل اليوم إذا نجح له عمل تلفزيوني في رمضان يبدأ في تقليد نفسه! يعيد تصوير القصة ذاتها مع تغيير طفيف في الأحداث وأسماء الشخصيات, في بعض الأحيان يصل به حبه لتقليد نفسه إلى حد يجعله يكرر القصة دون أي تغيير فينتج المسلسل ذاته سنوياً في سلسلة أجزاء لا تنتهي حتى لو صرخ المشاهدون: 'كفاية... حرام'.

لم يعد ثمة وقت للتفكير في ابتكار أي شيء, تخيلوا حين تكثر الشكاوى من تقليد أسماء المسلسلات وتشابهها، ففي أي قاع يمكن أن نعثر على هذا الذي يسمونه 'الابتكار'؟! الجميع يدورون حول النقطة القديمة ذاتها... كل ما تغير بالنسبة إليهم هو استخدام التكنولوجيا لزيادة سرعة الدوران, أما بالنسبة إلى المشاهد، فهو يعرف أن ثمة شيئاً مهماً قد تغير خلف الصورة الرقمية، وهو أن البرامج التلفزيونية القديمة سواء كانت دينية أو ثقافية أو منوعة كانت أكثر تماسكاً... المقلدون اليوم لا يجيدون التماسك... كل أشيائهم مهلهلة!