مفاوضات لكسب الوقت
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
طاهر العدوان
يذهب المفاوض الفلسطيني الى حفل اطلاق المفاوضات المباشرة في البيت الابيض بواشنطن. من دون أية مرجعيات تذكر, حتى الشكلية منها. ويلاحظ غياب اي ممثل للجنة الرباعية الدولية او للأمم المتحدة في قمة الثاني من أيلول المقبل, وهو ما يعيد الى الاذهان مسلسل المفاوضات المباشرة التي تمت برعاية امريكية منفردة, وكانت النتيجة دائما تصعيد خطير يعقد الحلول بدل البحث عنها.
مفاوضات كامب دي يد الثانية بين عرفات وباراك, برعاية الرئيس الاسبق كلينتون هي المثال الحي لكل المتابعين للدور الامريكي في البحث عن تسوية فلسطينية- اسرائيلية. لقد انتهت تلك المفاوضات باندلاع الانتفاضة الثانية, التي دفعت شارون الى ارسال حملة عسكرية شاملة لتدمير السلطة الوطنية الفلسطينية انتهت بأكثر من 4 آلاف شهيد فلسطيني وتدمير آلاف المنازل, واخيرا حصار الراحل عرفات ثم دس السُّم في طعامه وشرابه. اما على ارض الواقع فلقد ادى ذلك الفشل الى فتح شهية قادة اسرائيل على شن الحروب ضد قطاع غزة ولبنان. ثم اكتملت الصورة باقامة الجدار العازل.
المفاوضات الوشيكة, هي في وضع أسوأ فلسطينيا وعربيا مما كانت عليه الاوضاع اثناء مفاوضات كامب دي يد الثانية, وبينما صمت المتحدثون باسم السلطة في رام الله على شروطهم السابقة, اصبحوا في موقع الدفاع عن النفس.
هم مجبرون على الذهاب الى واشنطن لان نتنياهو أقنع أوباما بخطته لاستئناف المفاوضات المباشرة, فيما فشل في هذه المهمة عباس ومعه كامل اعضاء الجامعة العربية. وهم ايضا, ازاحوا شروطهم السابقة جانبا, فيما لم يعودوا يملكون من الامر شيئا تجاه الشروط التي اعلن نتنياهو انه من دونها لن يكون هناك اتفاق, وهي: (1) يهودية اسرائيل (2) أمن اسرائيل. وكلا الشرطين يعنيان صُلْب الدعاية الليكودية التي تحولت الى سياسة رسمية في اطار حكومة ائتلافية تضم اشد المتطرفين الصهاينة منذ قيام اسرائيل.
وقبل ان يُقْرَع الجرس في البيت الابيض لبدء الحصة الاولى من المفاوضات المباشرة, اطلق نتنياهو انذاره الاخير, بالاعلان ان حكومته تتداول مسألة تجميد الاستيطان, في نهاية المهلة المحددة في اواخر أيلول, او عدم تجديدها, وبالطبع. باطن هذا الانذار القول للمفاوض الفلسطيني وللراعي الامريكي, بان عليكما ان لا تُغضبا المفاوض الاسرائيلي لانه ان لم تُخَفّضوا توقعاتكم ومطالبكم فان الاستيطان سَيُسْتأَنف في نهاية ايلول.
أما آخر ما في جعبة الحملات السياسية والاعلامية التي يحرص الاسرائيليون على اطلاقها في محاولة لتشكيل مناخ ضاغط على المجتمعين في واشنطن, فهي ما نشرته الصحافة الاسرائيلية عن خطة قدمها نتنياهو ونالت موافقة أوباما, تتحدث عن الاتفاق مع الفلسطينيين على اطار عام للتسوية خلال عام, لكن تطبيق الاتفاق سيستغرق 10 أعوام.
وهذا بالضبط ما تريده حكومة اسرائيل, شراء الوقت المناسب لعملية تهويد القدس المحتلة وتوسيع شبكة الاستيطان من تلال الضفة الغربية المحتلة الى مناطق الاغوار المحاذية لنهر الاردن من الشمال حتى البحر الميت.
مثل هذا الكلام, يمثل النوايا الحقيقية للمفاوض الاسرائيلي وهو توفير الوقت الكافي والمناخ الملائم, لتشكيل الكانتون الفلسطيني في السنوات العشر المقبلة وسط الشبكة العنكبوتية الاستيطانية. ولا مانع من ان يسمى بـ "دولة فلسطينية" لكنها في الواقع هي أسوأ ألف مرة من مشروع الحكم الذاتي الذي عرضه مناحيم بيغن في اتفاقيته مع السادات قبل 30 عاما.
انها مفاوضات لكسب الوقت ... انها مفاوضات خطيرة.