جريدة الجرائد

أميركا ترحل قبل تحقيق وعد بوش بـ«مشروع مارشال» لإعمار العراق

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بغداد - ليز سلاي


يرتفع هيكل السجن الواقع في خان بني سعد، والذي لم يتم استخدامه، في الصحراء الواقعة على جانب هذه البلدة المتربة شمال بغداد. وهو يمثل شاهدا كبيرا على عدم تحقيق الوعود الكبيرة وعلى ضياع جهود البناء الاميركية التي انفق عليها 53 مليار دولار.

وكان البناء قد ابتدأ عام 2004 عندما كان المال الاميركي يتدفق على العراق، وسرعان ما تعرض المشروع لارتفاع في كلف الانشاء. فقد انفجر العنف في المنطقة وقُتِل مدير في مكتبه رميا بالرصاص. وقالت بغداد انها لاتريد السجن. وتُرِكَ المشروع عام 2007 بعد انفاق اربعين مليون دولار من اموال دافع الضرائب الاميركي.

ويقول ستيوارت بوين رئيس مكتب المفتش العام لاعادة الاعمار، ان السجن هو واحد من عدة امثلة واضحة يمكن ان يقال عنها انها "ارث كبير من التبذير"، وهناك الكثير مثله تملأ البلد المحطم.

الكثير من العراقيين يشتكون ان اميركا تركت وراءها القليل مما يمكن استثماره بعد ان وعد الرئيس بوش عام 2003 بان يتحقق في العراق مشروع مساو لمشروع مارشال الذي انجزته اميركا لدول اوروبا بعد الحرب العالمية.

ويقول وزير التخطيط علي بابان "انا آسف لأن أمريكا صرفت الكثير من المال بدون أي نتائج ملموسة، ولقد سمع الشعب الكثير عن المساعدات الاميركية لكنهم لم يلمسوها او يشعروا بها."

وبسبب الضغط لتحقيق منجزات بسرعة، فان الولايات المتحدة لم تطلب عطاءات حول العقود من الشركات التي استعانت بها بسبب قلة معرفتها بطبيعة البلاد. وتم التخطيط عشوائيا للمشاريع ونُفِذت بشكل سيئ. وعندما اندلعت اعمال العنف دمرت المشاريع او ارتفعت كلفها بسبب الحاجة لتوفير امن العاملين.

ويقول علي بابان ان الحكومة العراقية تولت مسؤولية 300 مشروع فقط من المشاريع الاميركية البالغ عددها 1500 حتى الآن. اما البقية فقد "وُضِعَـتْ على الرف" لكونها رديئة ولايمكن مواصلة تنفيذها، او لعدم وجود حاجة لها.

ويقول المفتش بوين "سوء الانفاق لم يشمل بالتأكيد كل الاموال، فهناك عشرين مليار انفقت على تدريب وتجهيز قوات الامن العراقية ويبدو انها قد جاءت بالنتيجة المرجوة. لكن عندما يتعلق الأمر بالطموحات الأوسع لبرنامجِ إعادة البناء، فمن الصعب القول ان النجاح قد تحقق.

ربما لا شيء يمثل فشل تطلعات أميركا في العراق أكثر من نقص الكهرباء. وعودة لعام 2003، فقد أعلنت سلطة الإحتلال عن خططها لزيادة توليد الطاقة الكهربائية في العراق إلى 6000 ميغاواط في اليوم عند حلول 2004، وهو ما تم اعتباره كافيا لمنح العراقيين دفعة كبيرة. وبعد مرورستة فصول صيف وانفاق 4.9 مليار دولار من اموال دافعي الضرائب الاميركان، فان العراقيين لايزالون يكتوون بالصيف.

ويلقي المسؤولون الأميركان باللوم جزئياً على الطلب المرتفعِ، الذي قد يصل الان الى 14000 ميغاواط، بسبب تدفق السلع الاستهلاكية الى الاسواق.

لكن الاخطاء وقعت ايضا. ويقول وكيل وزير الكهرباء رعد الحارس ان 20 % من شبكة الكهرباء التي بنتها الولايات المتحدة في مدينة الصدر، تعمل والبقية اما انها دون المستوى أَو فجرها المتمردون، وان محطة كهرباء جنوب بغداد تعمل بنصف قدرتها لأنها لم تصمم لمقاومة درجات الحرارة الحارقة في العراق.

ويقول "هم لم يستشيرونا، وقد قاموا احيانا بعمل جيد وفي احيان اخرى لم ينجحوا." القصة كانت مماثلة في القطاعات الأخرى. فهناك مسلخ لم يتم انهاء العمل فيه في البصرة، كلفته كانت 5.6 مليون دولار، ولم يكن فيه تعهد بتوفير الماء لغرض تنظيف دماء الذبائح.

وقد ارتفعت كلفة معالجة مياه الصرف الصحي في الفلوجة، من 32.5 مليون دولارلتصل الى 104 مليون دولار، وسيغطي المشروع 4300 بيتا فقط بدلا من الـ24500 المحددة اصلا. وبالرغم من أن محطة المعالجةَ اكتملت تقريباً، الا ان العقد لم يتضمن مد خط أنابيب لربط المحطة بالمدينة.

ويقول حامد أحمد هاشم رئيس المجلس البلدي في الفلوجة "سألت الأميركان، ما نفع بناء مثل هذه المشروعِ من دون بناء خط الأنابيب؟".

ويتعجب العراقيون من الكلف التي ارفقت بالعديد من هذه المضاربات. فمستشفى الأطفال الذي يضم 94 سريرا في البصرة، كان يفترض اكماله بكلفة 37 مليون دولار، ولم يتم انهاء العمل فيه لحد الان، وتصاعدت الكلفة إلى 171 مليون دولار.

وعند افتتاحه ولعله سيكون في الشهر القادم، فان المستشفى سيكون من طراز جيد على حد قول وزير الصحة صالح الحسناوي الذي يرى ان المستشفى "كان مرتفع الكلفة جدا جدا". ويقول تشارلز ريس الذي ترأّس القسم الاقتصادي في سفارة الولايات المتحدة في بغداد، ان المتطلبات الامنية تفسر ارتفاع الكلف. ويخمن بأنّ 30 % من المال المصروف ذهب لمقاولي الأمن الأجانب لحراسة المواقعِ والموظفين.

ويقول مسؤولون انه بالرغم من وجود الفساد لكنه لا يفسر تبذير كل هذه المقادير الكبيرة من المال. وكانت نتائج التدقيق توجيه 43 اتهام حتى الآن، و34 ادانة واسترجاع ماقيمته 70 مليون دولار من الأموال المختلسة.

لكن الاخفاق في استشارة العراقيين أَو التعامل مع الشركات المحلية كانت اسبابا هامة، كما يقول ريس.

ويضيف "في العراق، خصصنا الكثير من المال مبكراً وقمنا بوضع البرامج بانفسنا بدون استشارة العراقيين، وكل ذلك جرى في عجلة كبيرة ولذلك، كان مشروع مارشال افضل بكثير."

ويقول مسؤولون أميركيون وعراقيون ان الولايات المتحدة رغم ذلك لا يمكن أن تتحمل مسؤوليةَ كل نواقص إعادة البناء في العراق. وقد تعهدت الحكومة العراقية بمبالغ اكبر لهذه الجهود من الولايات المتحدة. وكان التعهد بصرف 97 مليار دولار على الاقل. ولايعرف على وجه الدقة مقدارالمبلغ الذي صرف حقيقة لان الحكومة العراقية لم تقم بتدقيق حساباتها الخاصة.

ويقول مسؤولون في حالات كثيرة، تم افتراض أن السلطات العراقية ستوفر اللمسات الأخيرة للمشاريعِ المتطورة تقنياً. وفي أغلب الأحيان لم يجر ذلك وهو انعكاس للاختلال الوظيفي في الحكومة العراقية.

والنجاحات تكون اسهل عند النظر اليها وتكون اصغر عند القياس. فالعديد من المتنزهات التي رممها الجيش الاميركي بكلفة مليوني دولار لكل واحد، تغص بالناس في كل يوم. وكذلك الحال في بركة السباحة في مدينة الصدر.

وساعد مبلغ 34 مليون دولار الذي صرف لتشكيل منطقة محظورة حول انابيب النفط (تتشكل من دعامات وخنادق واسلاك شائكة) من ردع هجمات المتمردين التي تستهدف صادرات النفط. ورغم ذلك فان إنتاج النفط في البلاد لم يصل لحد الان الى مستويات ما قبل الحرب، على الرغم من إنفاق ملياري دولار من قبل الاميركان لتحسين البنية التحتية النفطية.

وهناك بعض النجاحات الأوسع نطاقا. فعدّة مشاريع في الشمال الكرديِ تعمل بصورة حسنة. وازداد تجهيز الماء الصالح للشرب، وبات صرف 343 مليون دولار لانشاء شبكة عيادات للرعاية الصحية، ناجحا بشكل عام.

وتقول جينجر كروز نائب رئيس مكتب المفتش العام "هناك فرق كبير بين القول: هل قمنا بالعمل بصورة جيدة؟ وبين القول: هل قمنا بأي شئ اصلا؟". وتضيف ان هناك تبذيرا واسعا لكن هناك بنى تحتية واسعة في البلاد دفعت اميركا كلفتها.

ويقول ريس "ان احد الدروس المستفادة من الجهود هو: ان الاضخم لن يكون دائما هو الافضل. وكلما صرفت الاقل من المال كلما حصلت على فرق اكبر".

والدرس الاخر كما يقول بوين "ان محاولة اعادة اعمار بلاد في معمعة التمرد ليست بفكرة جيدة." ويقول ان تنفيذ وإدارة المشاريع قد تحسنا في السنوات الأخيرة، والولايات المتحدة تستشيرالعراقيين الان. وهناك حوالي ملياري دولار متبقية ستصرف. ومن المحتمل ان تصرف في ماهو فعال مثل تدريب العراقيين لتنفيذ المشاريعِ، بدلا من البنى التحتية الباهظة الكلفة. ويضيف "لكن لسوء الحظ، فقد تم صرف مليارات الدولارات واهدرت مليارات".

(ساهم في كتابة التقرير رحيم سلمان ورياض محمد ونديم حامد).


ترجمة عبد علي سلمان

عن لوس انجلس تايمز

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف