جريدة الجرائد

الإرهاب: أنا مسلم... أنا ضحيته!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بثينة شعبان


الذين يسعون إلى جعل كلمة "إرهاب" مرادفاً لكلمة "إسلام" يحاولون الآن غسل أدمغتنا بعبارة " أنا مسلم، أنا ضد الإرهاب" التي بدأت العديد من الشاشات الناطقة بالعربية تروج لها خلال شهر رمضان المبارك، حيث يزداد معدل الإقبال على التلفزيون في الوطن العربي. هذه العبارة ليست من صنع المسلمين ولا هي من صنع اعداء الإرهاب الحقيقيين، وليس الهدف من تمويل إعلانها بهذه الكثافة خلال الشهر الفضيل تبرئة الإسلام من تهمة ألحقها به الصهاينة وحلفاؤهم من المحافظين الجدد في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وهذا واضح من الإيحاء الأساسي لهذه العبارة الذي يؤكد على "مع أنني مسلم، فأنا ضد الإرهاب" وبهذا يوجه أعداؤنا لمليار شخص من المسلمين تهمة الإرهاب، وتتم تبرئة المسيحيين واليهود والبوذيين والهندوس وغيرهم من الإرهاب. كم جريمة إرهابية يرتكبها الصهاينة ضد العرب المسلمين والمسيحيين داخل وخارج فلسطين يومياً من قتل واغتيال وهدم منازل وتجريف أراض وحصار وحرق مساجد والقائمة طويلة، ولكن هل رأينا يوماً عبارة تقول "أنا يهودي، أنا ضد الإرهاب"!
وكم ارتكبت القوات الأميركية والغربية المتحالفة معها الغازية للعراق وأفغانستان من جرائم حرب وإرهاب بما في ذلك مجازر جماعية وتفجيرات وتعذيب واغتيال راح ضحيتها أكثر من مليون عراقي ناهيك عن مئات الألوف من الأفغان والباكستانيين، والضحايا دوماً مسلمون من المدنيين والأطفال والنساء فهل رأينا يوماً عبارة "أنا مسيحي، أنا ضد الإرهاب"؟ ذلك لأن الهجمة العنصرية المركزة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وحتى اليوم موجهة ضد الإسلام والمسلمين. وإذا كان القياس بنتائج الحدث قياساً صحيحاً، وهو صحيح في الغالب، فإنه يصح القول ان احداث الحادي عشر من سبتمبر هدفت بالأساس إلى إيجاد المبرر لإعلان الحرب على المسلمين والتغطية على كل الجرائم الصهيونية التي ترتكبها قوات الكيان الإسرائيلي في فلسطين من تهويد وتهجير وقتل وسجن وتعذيب وتشريد. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ألا يستطيع مليار وثلاثمئة مليون مسلم التصدي لهذه الحملة العنصرية من خلال مؤسسات بحثية منفتحة ومطلعة وقادرة على مخاطبة الغرب بلغته وأسلوبه وإفهامه المعاني السامية للإسلام، والتي إذا ما انتشرت وتم تبنيها وتنفيذها بروحها السليمة تشكّل إنقاذاً حقيقياً للبشرية من كل المآسي والمعاصي التي تعبث بأمنها الروحي وسلامها النفسي وتناغمها الاجتماعي والإنساني؟ أهو الخوف من الإسلام الذي يدفع أعداءه لاختراع قصة، أو عبارة، أو فيلم، أو رسومات تحاول إلحاق التشويه بصورة الإسلام السمح؟ أين هم البشر اليوم من روح الإسلام السمحة والتي تقضي بأنك "إذا انتصرت على عدوك فاجعل عفوك عنه تعبيراً عن شكرك على مقدرتك عليه"، وأين هو العالم اليوم من سيرة خاتم الأنبياء (ص) الذي اعتبر تعليم عشرة أشخاص كافية لتحرير الأسير. ولنقارن ذلك بمعاملة الأميركيين والإسرائيليين للأسرى، وأمثلة "غوانتانامو" و"أبو غريب" والسجون الإسرائيلية الرهيبة دليل على الفارق الأخلاقي الهائل بين الروح الإنسانية السامية للإسلام وبين همجية أعدائه.
وأين نحن اليوم من هذه القيم الأخلاقية السامية للإسلام عندما نقرأ قصصاً تقشعر لها الأبدان عن التعذيب الهمجي والمعاملة الوحشية التي يلقاها الأسرى والأطفال والنساء في فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان في سجون "المتحضرين" الغربيين السرية منها والعلنية. ثم إذا عدنا إلى أصل تسمية الإرهاب، ألم يكن المناضل نيلسون مانديلا يعتبر يوماً ما "إرهابياً" من قبل جلادي نظام الفصل العنصري، أو لم تعتبر جميع قوى المقاومة في الماضي والحاضر إرهابية من قبل قوات الاحتلال الفاشية والنازية والاستعمارية إلى أن انتصرت وحققت الاستقلال والحرية لشعوبها؟
أضف إلى ذلك أن التقارير التي نقرؤها اليوم على موقع "ويكيليكز" عن أفغانستان والعراق تظهر أن الولايات المتحدة هي التي تصدر الإرهاب إلى العالم ("واشنطن بوست" 25 أغسطس2010). ثلاث أوراق مصنفة سرية من قبل مركز أبحاث الخلية الحمراء في الـ"سي آي إيه" تسمي الباكستاني دافيد هيدلي وآخرين لتبرهن أن حكومة الولايات المتحدة أصبحت مصدرة للإرهاب. هيدلي اعترف بمسؤوليته عن هجمات بومباي التي أودت بحياة 160 شخصاً. وقد تم تسهيل تحركاته بين الولايات المتحدة وباكستان والهند، حسب قول الوكالة.
يضيف البحث أن "مثل هذا الأمر ليس جديداً ففي عام 1994 هاجر طبيب أميركي يهودي اسمه باروخ غولد شتاين من نيويورك إلى إسرائيل وانضم إلى المجموعة المتطرفة "كاش" وقتل تسعة وعشرين فلسطينياً يؤدون الصلاة في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل" تقول الورقة.
ومن المفيد التذكير أنه في الشهر الماضي نشرت مجموعة ويكيليكز 76 ألف وثيقة سرية من السجلات العسكرية الاميركية والتقارير الميدانية حول الحرب في أفغانستان. وقد أثار نشر هذه الوثائق الانتقادات لأن المعلومات تضع القوات الأميركية وعملائهم الأفغان في دائرة الاتهام بممارسة الأرهاب، وتعالت الطلبات من البنتاغون بأن يتم سحب هذه الوثائق. ويتزامن هذا مع فضيحة محمد زياد صالحي والذي نشرت عنها النيويورك تايمز (25 أغسطس 2010) مقالاً بعنوان "مساعد كارازاي أساسي في التحقيق بقضية الفساد وعميل للسي آي أي"، وتؤكد المعلومات أنه تم اطلاق سراح صالحي بناء على تدخل كارازاي، وذلك لأنه يعرف كل شيء عن صفقات الفساد داخل إدارة كارازاي.
وتعليقاً على هذه الفضيحة، يقول مسؤول أميركي: إن أسلوب دفع الأموال لمسؤولين حكوميين، أسلوب معقول حتى لو تحولوا في النتيجة إلى فاسدين". ويضيف هذا المسؤول "إذا قررنا كبلد أننا نتعامل في أفغانستان مع أي أحد يمكن أن يضع يده في الحصالة، علينا أن نعود إلى بلدنا الأن. إذا أرادت مخابرات في منطقة حرب معلومات لن تحصل عليها من الأم تيريزا أو من ماري بوبينر "النيويورك تايمز" (25 أغسطس2010) المقال نفسه. إن هذا اعتراف أكيد بالفصل المطلق بين الأخلاق وبين ما تقوم به القوات الأميركية في أفغانستان من جرائم والتي كرست الإرهاب والفساد وتدمير حياة الملايين من البشر، فكيف يحق لمثل هؤلاء أن يلوثوا اسم الإسلام بالارهاب الذي يمارسونه ويمولون الإرهابيين ويدربونهم على ممارسته، وكلنا نعرف دور المخابرات الأميركية على تدريب مجموعات الإرهاب التي يربطونها بالإسلام، لأن أعضاءها من المغرر بهم، كما حدث خلال الحرب الباردة، لا بل إنهم يستخدمون عصابات المرتزقة التي يطلقون عليها اليوم "الشركات الأمنية" (انظر مقال جاسون توماس بعنوان: أن تجعل أفغانستان أكثر خطورة) في الـ "هيراليد تريبون" ( 25 أغسطس 2010) التي يُصرّ الكاتب أنها تقوم " بحماية الأجانب والمنظمات الأهلية والمؤن والمعونات"، أيضاً "حماية" أموال الفساد التي ترسل نقداً بعربات محمية.
ونلاحظ كل ما يكتب عن أفغانستان أن النفاق والفساد والمرتزقة ودفع الأموال، أصبحت أموراً معروفة للجميع، وأن الشعب الأفغاني وأمنه وحياته خارج دائرة الاهتمام كلياً. والأمر لم يكن مختلفاً جداً في العراق والذي يدعي غزاته أنهم "أكملوا المهمة بنجاح" بعد أن قتلوا بدم بارد أكثر من مليون مدني عراقي قصفاً وتفجيراً وتعذيباً واغتيالاً وبالمجازر الجماعية إنهم ينسحبون من العراق مخلفين وراءهم مئات القواعد العسكرية ومئات الألوف من السفاحين والقتلة والمرتزقة الذين يعملون تحت اسم "الشركات الأمنية" دعم ركائز الاحتلال الخفي بينما تركوا عراقاً مثخناً بالجراح، حيث توجد مليون أرملة وثلاثة ملايين يتيم. فبأي حق يتحدث هؤلاء عن الإسلام كمصدر للإرهاب، وكيف لهم أن يوجهوا التهم للمسلمين بالأرهاب وهم مصدرون أساسيون للإرهاب، وبأي طريقة تتجاوب الشاشات الناطقة بالعربية مع عبارات تهدف إلى وضع مئات الملايين من المسلمين في قفص الاتهام في هذا الشهر الفضيل الذي ينعم المسلمون جميعاً بفضائل ومكارم الإسلام السمح، هل يحق لمن يستخدم التعذيب والتفجير والاغتيال والفساد والحرب أسلوباً معلنا لاحتلال البلدان المسلمة الواحد بعد الاخر، وقتل الملايين من المسلمين الأبرياء، هل يحق لهؤلاء أن يتهموا المدافعين عن الحرية والكرامة والسيادة بالإرهاب؟ أو أن يملوا علينا، نحن المسلمين، معاني وأفكاراً وقيما أخلاقية هي جوهر ديننا بينما يصدرون سراً وعلناً قيم الإرهاب فيلتقطها بعض ضعاف النفوس والذين لديهم شعور بالنقص تجاه الغرب ويؤمنون بموضوعية وحيادية أبحاثه والتي هي موجهة مئة بالمئة لخدمة أهدافه الاستعمارية. أما العبارة التي يجب أن تروج لها الشاشات العربية فهي: أنا مسلم، أنا ضحية الإرهاب! أما أعداؤنا فإن عار الأرهاب، والحرب، والتهويد، والاستيطان، وهدم المنازل، والتعذيب، والاغتيال وغيرها من جرائم، سيلاحقهم مدى التاريخ، فهم صناع الإرهاب مهما كان دينهم، وأن ضحايا إرهابهم حتى أولئك المغرر بهم الذين يفجرون شوارعنا، ويقتلون أهليهم، فنحن نعرف من يدربهم ويمولهم ويوجه جرائمهم ضدنا، فنحن، المسلمين، دوماً ضحية إرهابهم، ونحن دوماً مناضلون من أجل الحرية والكرامة، ومجاهدون من أجل الخلاص من إرهابهم وقمعهم واحتلالهم واستيطانهم!


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف