هوية مشردة وذاكرة حزينة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
"الهوية والذاكرة" هو المؤلف الثاني بعد "سورية وحطام المراقب المبعثرة" يطرح فيه نبيل الشويري، في صيغة الحوار، نوعا من المحاكمة لمرحلة عاشها عضوا في حزب "البعث"، قضاها ما بين محكوم بالإعدام ومنفي ثم عائد إلى مدينته دمشق من أجل استراحة المحاربين. حوار الكتاب الأول أجراه الزميل صقر فخر، والكتاب الصادر أخيرا (دار رياض الريس) قام بحواره الزميل جاد الكريم الجباعي. والمشترك بين الزميلين وبين محاورهما، لعله مشترك الجيل: الاكفهرار والخيبة ولا أمل.
يحمل نبيل الشويري، المحامي المولود في عصر الديمقراطية والتعددية وسنوات الاستقلال الأولى، أكثر من قضية طرحت خلال السنوات الخمسين الماضية: الحداثة وقد تلاشت، الوحدة وقد غابت، الحرية ولم تر النور، التقدم وقد أبطأ، التعليم وقد ضاق، الانفتاح وقد دفن تحت الجدران، القبول بالآخر وقد طغى الرفض على كل شيء، حقوق الأقليات ولم يبق من أقليات كي تبقى لها حقوق. لم يخرج الشويري من "البعث" لكنه خرج من قديم الحرب. وميشال عفلق ليس مؤسسا ورائدا بل (في شيء من هاجس) مفكرا تقتضي محاسبته وإعادة النظر في ما حدث خلال مرحلته. وثمة لفظيات في عفلق لا علاقة لها بالواقع. ولا يخفي الشويري أنه نتاج صراع عقلي وعاطفي يلازم، أو لازم، الكثيرين من جيله: كيف يكون المرء مسيحيا بالولادة مسلما بالمنشأ: "أنا رجل أعتبر نفسي إنسانا أولا، وعربيا ثانيا. وتقدميا أحمل هوية سورية. أحب أشياء في المسيحية وأحب المسيح، لأنني مثقف مسيحي وولدت في بيت مسيحي، لكني أحب النبي محمدا لأنه أقرب إليّ من ناحية الوطنية والعرب والعروبة واللغة، ثم إنني أستمتع بالإصغاء إلى تلاوة القرآن أكثر مما أستمتع بالكتابات المسيحية".
هذا الشعور بالشغف القومي يغالبه شعور بالخجل مما فعلته القومية بنفسها ومما فعله بها الدعاة والأدعياء. فقد عجزت عن تحقيق الغاية الأعلى والأكثر ملاءمة لتقدم الأمم والشعوب: إقامة دولة القانون. جميع النصوص المرفقة بعناوين العدالة والمساواة، لم ترتق في أي مكان، في أي حال، إلى مستوى الحقيقة، التي هي في النهاية كل شيء. فقد غرق هذا المواطن بالشعارات والكتابات، التي طمرت نفسها في النهاية وطمرته. فما نفع الإرث العظيم إذا كان الحاضر الموصول على هذه الدرجة من البؤس واليأس والخيبات المتلاصقة.
يجب القول إن صقر فخر وجاد الكريم الجباعي كانا شريكين في الحوار وليسا مجرد سائلين يغرفان من ذاكرة نبيل الشويري. لعل العنوان الأقرب إلى صيغة الكتابين هو "نقاش" لا حوار. فهما "معنيان" مثله بجميع هذه التجارب وهذه المرارات. ولكن في "الهوية الذاكرة" يتقدم نبيل الشويري على كتابه الأول، وإن كان العنوان الفرعي "حكايات من كعب الدست" لا يليق بجدية الكتاب ولا بجهده.