عام هيلاري
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
نبيل عمرو
حين وجهت السيدة هيلاري كلينتون، الدعوة للفلسطينيين والإسرائيليين لإطلاق المفاوضات المباشرة من حديقة البيت الأبيض بواشنطن، أعلنت وبقدر قليل من الحماسة والثقة.. أن حل القضايا الجوهرية بين الجانبين يمكن أن يتم خلال سنة..
وبمنطق الجدل الكلامي، فقد قيل تعقيبا على المدة الزمنية التي حددتها "وبالإمكان أن ينتهي الأمر في أيام"، وهنا يجدر بنا ونحن حيال تبسيط كهذا، أن نستعرض المسوغات المنطقية التي تجعل عام هيلاري زمنا موضوعيا وحقيقيا أو تجعله مجرد تشجيع نمطي للأطراف التي ستتفاوض، أو حتى ترويج على مستوى القمة، لإنجاز الانتقال إلى المفاوضات المباشرة... في وقت عزت فيه إنجازات أوباما الشرق أوسطية..
مسوغات التفاؤل تنطلق من اعتبارات افتراضية ذات مصداقية نظرية - فهي تصدر عن وزيرة خارجية الولايات المتحدة، بما يعنيه ذلك من جدية، وبديهية دراسة التصريح جيدا قبل إطلاقه، وما زال يوجد من يقول: حين تتحدث السيدة هيلاري باسم الإدارة ورئيسها وحزبها بهذا التحديد الزمني، فلا بد أن وزيرة الخارجية تخبئ في جعبتها حلولا سحرية لأزمة جاوز عمرها ستة عقود.. وسنجد كذلك من يقول: إن أزمة الولايات المتحدة في الشرق التي تبدأ من العراق، ثم إيران ثم باكستان وأفغانستان.. لا بد أن تحمل إدارة أوباما على الإسراع في إغلاق الملف الفلسطيني - الإسرائيلي "كعنصر مفتاح" يساعد على حل الأزمة الأميركية في المنطقة بإجمالها..
وسنجد من يقول ويضيف: إن تراجع مصداقية أوباما صاحب مشروع المصالحة التاريخية بين الولايات المتحدة والعرب والمسلمين سوف يحرضه بقوة على بذل مجهودات مضاعفة لاستعادة المصداقية واستئناف خطابه التصالحي، بعد أن يكون قد وفر مصداقية حل القضية المركزية على نحو يرضي العرب والمسلمين ويفتح القلوب قبل الحصون والقلاع، لأميركا سواء كان على رأسها باراك حسين أوباما، أو هيلاري كلينتون، أو أي نسخة جمهورية عن الرئيس جورج بوش الابن..
هذه هي مسوغات التفاؤل بعام هيلاري وهي مسوغات منطقية تماما.. إلا أنها ذات مضمون افتراضي، تمتلئ بثراء منطقي جدلي، إلا أنها وبكل أسف تفتقر إلى القرائن العملية المجربة.. التي تجعل من الأمل يقينا قويا لا بد أن يتحقق..
غير أن من لا يوافقون على هذه الفرضيات المتفائلة يسوقون مسوغات مناقضة.. تجعل من عام هيلاري مجرد عنوان إعلامي يلزم إدارة أوباما كعنوان ليس أكثر، إذ أن ما سيحفل به العام من وقائع كلها جربت من قبل لا بد أن "تفرمل" التفاؤل وترجح كفة صعوبة النجاح، إن لم نقل استحالته.
لقد استغرق الانتقال من اللامفاوضات إلى المفاوضات غير المباشرة.. ثم المباشرة في ما بعد، ما يقارب الثمانية عشر شهرا.. ذلك ونحن نتحدث في عنوان واحد ذي سمة إجرائية، دون أن نقول كلمة في أي من القضايا الأساسية التي يفترض أنها جوهر القضية وخلاصتها المنشودة.
قد نستعين بتراث المفاوضات السابقة فنقول: هذه القضية أشبعناها بحثا، وتلك توصلنا فيها إلى تفاهمات أولية.. وتلك أنهينا ملفها، إذ لم يبق سوى التواقيع.. إن أقوالا كهذه لن تنفع بأي حال مع نتنياهو الذي أعلن أنه يريد المفاوضات دون شروط مسبقة، وهو يدرك أن الفلسطينيين أبعد ما يكونون عن طرح شروط فكيف بفرضها.. إنه يقصد بهذا النص أن تبدأ المفاوضات من الصفر.. وأن تكون مرجعيتها ما يمكن الاتفاق عليه من جديد، وليس ما اتفق عليه فعلا، بما في ذلك بديهيات اتفاق أوسلو - إن هذه العقدة وحدها تبدو بحاجة إلى زمن طويل وجهد أكبر كي تحل.. وهي ليست مجرد بند تفاوضي... وإنما هي أكبر وأعقد من ذلك بكثير، لأنها نهج فكري وسياسي استراتيجي جاء نتنياهو إلى سدة الحكم على أساس التقيد به وتطبيقه.
وإذا كان الأميركيون يبرعون في إيجاد حلول آنية لأي قضية معقدة بالالتفاف عليها.. والتحايل على تفسيرها.. فماذا نفعل بقضية الأمن والحدود، حيث نظرية البيضة والدجاجة.. نتنياهو يريد الأمن أولا ثم ترسم الحدود على أساس ما تقبله إسرائيل كترتيبات أمنية، والفلسطينيون يريدون الحدود أولا وبعدها نجد حلا لكل الترتيبات الأمنية - لن أكرر القول... ماذا نفعل بهذه القضية؟ وإنما، كم من الوقت نحتاج كي نضع صيغتها على جدول الأعمال دون أن نغالي في الطموح لنقول... كي نحلها؟
وبعد الدجاجة والبيضة، سنعود مجددا إلى الاستيطان حيث البروفة العملية، شهدناها بالفعل خلال الشهور الماضية ثم القدس.. ثم... ثم.. ثم... ناهيك بالمطالب المتوالدة التي أفصح عن بعضها نتنياهو.. ولعل أكثرها استفزازا هي قضية "يهودية الدولة"، التي تبدو من الآن أكثر صعوبة من كل قضايا الوضع الدائم، لأنها تعني وضع مليون ونصف المليون فلسطيني ممن نصف جغرافيتهم بالخط الأخضر تحت خطر التنكيل والتهجير، فهم سيصبحون ضيوفا غير مرغوب فيهم على المجتمع اليهودي.. بعد أن كسبوا بكفاحهم الذكي والصبور وضعا لم يلغ شخصيتهم الفلسطينية ولم يجعل من إرغامهم على ترك وطنهم أمرا ممكنا.
إن عام هيلاري، رغم الجدل الواسع حول مصداقيته أو "دعائيته" يظل مساحة زمنية شديدة الضيق والكثافة لعمل سياسي صعب، لا مناص من إثبات الوجود القوي والفعال فيه، والأمر هنا ليس شأنا فلسطينيا خالصا.. وإنما هو عربي قبل كل اعتبار، فعلى ضوء ما سيحدث خلال عام هيلاري، سيعرف السوريون ماذا يطبخ بشأنهم وستعرف المنطقة إلى أين تتجه الإدارة الأميركية في تعاطيها معهم، أما نحن الفلسطينيين فهل سنكتفي بعلم قرر أوباما رفعه فوق شقة في واشنطن تحت عنوان تحسين التمثيل الفلسطيني في أميركا، وكعرب ومسلمين سنواصل الاحتفاء بتأييد بناء مسجد في نيويورك لعبادة الله وإظهار رفض فكرة الإرهاب أم لنا أكثر من ذلك.
إن عام هيلاري قد يكون مهما للغاية، ليس لما سيحدث فيه على موائد المفاوضات، بل لما قد يحدث في المنطقة من وقائع، تبدو حربٌ في مكان ما أحد احتمالاتها.