جريدة الجرائد

حملة على الجيش اللبناني : عقيدته وعرْض إيران تسليحه والقرار الظني

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

من العديسة إلى برج أبي حيدر مروراً بـ... لاهاي


بيروت - علي مغنية

وصف سياسي لبناني مخضرم، يملك "ذاكرة تاريخية" قوية، الحملة التي يتعرض لها الجيش اللبناني، ومن أدوات من داخل الحكومة نفسها، بانها الاولى بهذا الحجم منذ الاستقلال في العام 1943، وبعد انقسامه ابان الحرب الاهلية، الامر الذي يضع المؤسسة العسكرية مرة جديدة في عين العاصفة من خلال ما يكال لها من اتهامات.
وثمة مَن يحلو له داخل بعض الاوساط اللبنانية ان يسأل في حمأة الهجمات، "المتعددة الاسباب"، على الجيش عن موقف وزير الدفاع الياس المر الذي يتسلح بالصمت ولم يخرج لمبارزة مَن يمس بكرامة القوات المسلحة، ولم يدافع عن المؤسسة التي يترأسها، بعد التصويب عليها واتهامها بالتقصير في التعامل مع الاحداث التي شهدتها منطقة برج ابي حيدر في بيروت اخيراً.
واللافت في هذا السياق، كان امتناع "حزب الله" لأيام عن الرد على تلك الحملات رغم انه الطرف المعني في المعركة التي خسر فيها اثنين من كوادره، في اللحظات الاولى من الاشتباك مع "الاحباش"، وكأنه هو المذنب الذي يتحاشى المواجهة، ثم قيامه بهجوم معاكس بعدما شعر بأنه "طفح الكيل".
ورغم ان هذه الحملة "تتلطى" في الظاهر بالاشتباكات التي وقعت اخيراً بين "حزب الله" (الشيعي) وحلفائه من السنّة في حركة "الاحباش"، فإن اوساطاً معنية ترى ان السبب الفعلي "الحمال الاوجه" في الحملة على الجيش يتصل بالآتي:

* العقيدة القتالية للجيش، والتي دفعته لمواجهة الجيش الاسرائيلي في العديسة، وخلاصتها العبارة المشهورة التي من الواضح انها تثير حساسية مفرطة لدى البعض، وهي "الجيش والشعب والمقاومة".
* عرض ايران استعدادها تسليح الجيش اللبناني بـ "ترسانة متطورة" لمجابهة اسرائيل وامتداداتها، الامر الذي اثار حفيظة اطراف محلية واقليمية رغم حملاتها الاعلامية المطالِبة بتقوية الجيش وتعزيز قدراته.
* القرار الظني في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري المرتقب صدوره عن المحكمة الدولية، والذي من المتوقع ان يُوجّه اصابع الاتهام لعناصر من "حزب الله"، في ضوء ابلاغ الجيش من يعنيهم الامر انه غير مستعد لتنفيذ اي مهمات تتصل بجلب او توقيف المتهمين المفترضين.
لقد بات اكيداً ان الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد سيصل الى بيروت بعد عيد الفطر في زيارة يخص بها الدولة اللبنانية، ومن المتوقع ان يعرّج خلالها على حلفاء ايران في لبنان، وأن يعلن استعداد بلاده تسليح الجيش اللبناني اذا أراد ذلك.
وفي تقويم اولي للرسالة التي يحملها نجاد في جيبه، رأت دوائر ديبلوماسية خبيرة في السياسة الايرانية، ان من غير السهل اتخاذ رئيس ايراني قراراً من هذا النوع. وفي تقديرها ان السبب يعود الى العقيدة القتالية للجيش اللبناني الذي قرن اخيراً القول بالفعل خلال مواجهة العديسة.
وما لم تقله الدوائر الديبلوماسية عبّرت عنه اوساط سياسية حليفة لايران في بيروت، حين اشارت الى ان الجيش اللبناني، في عقيدته وقيادته، رسخ الوحدة في مجابهة عدو اوحد هو اسرائيل، لافتة الى ان فتحه النار على الجيش الاسرائيلي على تخوم العديسة على خلفية اقتلاع شجرة أظهر استعداده للقتال دفاعاً عن ارض لبنان وحماية لها.
وكان من الواضح ان هذه الواقعة البالغة الاهمية في دلالاتها ازعجت حلفاء اميركا في الخارج والداخل على حد سواء، ولم يكن ادل على ذلك من ارتفاع الاصوات ضد تسليح الجيش، لا سيما في الكونغرس الاميركي. والمفارقة اللافتة ان تلك الاصوات لا تريد للجيش لعب دوره في مواجهة اسرائيل وتكيل له الاتهامات لعدم تدخله في اشتباكات برج ابي حيدر لحسمها بالقوة.
ازاء ذلك لم يكن مفاجئاً "اعلان النوايا" الايراني الذي تم التعبير عنه والاستعداد لدعم الجيش اللبناني، كما لم يكن مفاجئاً رفض وزير الدفاع اللبناني الياس المر عرض الجمهورية الاسلامية في ايران، رغم انه قام اخيراً بفتح حساب مصرفي لتمويل تسليح الجيش، الامر الذي قوبل بـ "التندر" في بعض الاوساط التي وصفت الخطوة بفتح "باب شحادة" لدعم الجيش من المحسنين وعابري السبيل من داخل لبنان فقط.
ولم تر دوائر مراقبة في بيروت في حملة قوى "14 مارس" لتحويل العاصمة منطقة منزوعة السلاح، محاولة لتعزيز مكانة الجيش بقدر ما هي جزء من عملية قديمة ـ جديدة للالتفاف على سلاح المقاومة، وهذه المرة مع العد التنازلي للقرار الظني في جريمة اغتيال الحريري، الذي يشكل "بيت القصيد" في كل شاردة وواردة في لبنان الآن.
ولم تستبعد هذه الدوائر شترنُّح "الهدنة" القائمة تحت مظلة الـ "سين. سين"، اي سورية - السعودية، وربما سقوطها تحت وطأة التطورات الاخيرة، ناصحة رئيس البرلمان نبيه بري، صاحب "الملكية الفكرية" لنظرية الـ "سين. سين"، بالبحث عن تفاهم من نوع آخر بين "الف ـ الف" اي اميركا وايران خصوصاً بعد تفاهماتهما "غير المعلنة" في العراق وربما في سواها.
في ملاقاة هذا التطور، كان "حزب الله" بدأ حملة منظمة ضد القرار الظني الذي وصفه بـ "الاسرائيلي"، بعدما خرج وقبل اشهر رئيس اركان الجيش الاسرائيلي غابي اشكنازي، كاشفاً عن معرفته المسبقة بمضمون القرار الظني وبما سيسببه من صراع داخلي في لبنان. والتطور الاهم في هذا السياق تمثل في الاطلالات المبرمجة للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله الذي اتهم اسرائيل باغتيال الحريري وقدم قرائن في هذا الاتجاه للرأي العام وطالب بمحاكمة "شهود الزور"، معلناً الرفض الضمني للمحكمة الدولية التي لم يعترف بها اصلاً على قاعدة "ما بني على باطل قضائي فهو باطل".
غير انه وبسبب قوة "حزب الله" العسكرية التي وقفت ضد اسرائيل عام 2006، وعدم تردد الحزب في استخدام قوته العسكرية في الداخل خلال احداث 7 مايو 2008 (للدفاع عن وجوده) فإن فريق "14 مارس" اضحى متمسكاً بالقرار الظني لأنه "السبب الوجودي" لتماسُكه السياسي ولما يوفره له من عُدة شغل في سياق مناهضة وجود "حزب الله" المسلح على الاراضي اللبنانية، بدءاً من العاصمة بيروت.
وتوقفت دوائر سياسية في العاصمة اللبنانية امام الاصوات التي ارتفعت في بيروت مطالبة بصدور القرار الظني في موعده وإلا اعتُبرت المحكمة "مسيّسة وباطلة"، حسب ما قاله النائب جورج عدوان، على سبيل المثال.
ولا يقلل "حزب الله" من "اخطار" القرار الظني و"أبعاده المعنوية السيئة" على صورته في العالم العربي والاسلامي، وهو لم يُسقط من حسابه "الويلات التي قد يجرها على لبنان"، الامر الذي لا يأخذه سواه من الافرقاء اللبنانيين في الحسبان. فإذا صدر القرار الاتهامي كما توقعه اشكنازي، فمن الاكيد انه سيصار الى اطلاق حملة مركزة على الحزب و"راعيته" ايران، تحت شعار "ان الحزب الشيعي قتل وبدم بارد زعيماً سنياً وان ايران وافقت على هذه الجريمة"، من دون استبعاد عدم النأي بسورية عن تلك الحملة في وقت لاحق كلما اقتضت الحاجة السياسية لذلك وتبعاً لمدى تناغمها مع المشروع الاميركي في المنطقة.
كيف يمكن ترجمة القرار الظني ومفاعيله على الارض في لبنان؟
سؤال صعب لجواب أصعب، غير ان الثابت هو ان ما من طرف حزبي او رسمي في لبنان قادر على القضاء على سلاح "حزب الله" وتجريده منه، وتالياً فإن الحزب المطمئن الى قوته يعي الابعاد المعنوية لاتهام يشوّه صورته وصورة "شعب المقاومة"، في عيون العالمين العربي والاسلامي، اضافة الى العالم الأشمل، وهو الاتهام الذي يمكن توظيفه لإعطاء مبررات لـ "عرقنة لبنان" عبر فتنة دامية تعيد استحضار صراع عمره 1400 سنة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف