العرب مقصرون بحق اليهود!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حمزة عليان
أمامي ثلاثة كتب، الأول تحت عنوان "وقائع خروج أسرة يهودية من مصر" للمؤلفة اليهودية لوسيت لنيادو، والثاني "من بدايتنا إلى يومنا الحاضر" للباحثة البحرينية من أصل يهودي وتدعى "نانسي إيلي خضوري"... والثالث "وادي أبوجميل - قصص عن يهود بيروت" للإعلامية اللبنانية ندى عبدالصمد.
قصة خروج أسرة يهودية من مصر مطلع الستينيات، كتاب في الحب يتعلق بالطائفة اليهودية المصرية والأحداث السياسية المصاحبة... فقد غادر والد المؤلفة مصر وكان يصرخ على ظهر المركب التي أقلعت من الإسكندرية مردداً بالعامية المصرية مرة بعد أخرى "رجعونا مصر" "رجعونا مصر"...
كانت لوسيت طفلة العام 1963 عندما غادرت القاهرة وعادت إليها ووجدتها جد مختلفة حيث يتعايش بين جنباتها قوميات وأديان شتى فقد كان هناك 80 ألف يهودي ومليون أوروبي، ويهود مصر ينتمون لمختلف الطبقات الاجتماعية، مما جعل للقاهرة خصوصيتها ومدينة حاضنة للثقافات المتعددة...
انتقلت العائلة إلى بروكلين في أميركا وبقوا يتكلمون اللغة العربية في المنزل ويقرؤون الصحف العربية ووالدتهم تقوم بطهي الأطعمة المصرية في مطبخها الأميركي وكان من الصعب عليهم التخلي عن العادات المصرية القديمة وتنقل حوار دار بين والدها والأخصائية الاجتماعية التي جاءت لمساعدتهم على الإندماج في المجتمع الأميركي عندما قال لها والد المؤلفة "لكننا عرب يا سيدتي" وهي الإجابة التي باغتتها... خلاصة فكرة الكتاب أن الهجرة كانت بالنسبة إليهم "كارثة" بدلاً من أن تكون فرصة... وإن "قاهرة" ما قبل 1952 فيها التسامح والسلام والاجتماعي والتعددية الدينية... لكن الإنجليز والأوروبيين حولوا هذا المسرح إلى خشبة للصراع وللمآسي الدامية توجتها الحركة الصهيونية بإنشاء دولة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني الذي مني بنكبة امتدت آثارها إلى أرجاء العالم العربي...
الكتاب الثاني وعنوانه من "بدايتنا إلى يومنا الحاضر" لا يوحي بمضمونه، لكنه يروي قصة يهود البحرين بقلم مواطنة بحرينية من أصل يهودي مازالت تعيش فيها وهي الباحثة نانسي إيلي خضوري... يهود البحرين وفدوا إليها العام 1900 وبالأخص من العراق والهند وإيران واستقر معظمهم في المنامة وأول دولة خليجية تعطي لهم حق الانتخاب والترشيح كمواطنين كانت البحرين عندما اشتركوا بانتخابات أول مجلس بلدي العام 1919 إلى جانب المرأة وعندما تولى جلالة الملك حمد الحكم، أكد لهم حرص المملكه على احترامهم ووجودهم، واتخذوا المنامة مقراً لهم وكان لهم تواجد في سوق المقاصيص الذي عرف بسوق اليهود كنيس، واستمر حتى العام 1948 وما زالت أثاره ومبناه باقيين إلى يومنا هذا... العام 2008 لم يتبق في البحرين سوى 36 شخصاً بعد أن هاجر معظمهم إلى أميركا وبلدان أوروبا بعد أن وصل عددهم إلى 1300 مواطن
يروي السير تشارلز بلغريف المندوب السامي البريطاني هناك أنه بعد نكبة 1948 اندلعت أعمال عنف والتجأ عدد من اليهود عند جيرانهم من العائلات المسلمة بعدها غادر معظمهم من البحرين و"بحرية تامة وأخذوا أموالهم وممتلكاتهم" ويضيف... لقد أدرك العرب آنذاك أن ما حدث لم يكن خطأ يهود البحرين عندما قامت الدول العظمى بخلق دولة إسرائيل وفي حينه أصدرت حكومة البحرين قراراً تعلن فيه أن أي يهودي يرغب في الهجرة يستطيع أن يفعل ذلك بحرية تامة وأن بإمكانه أخذ ممتلكاته وأمواله معه، غير أنه متى ما قرر الذهاب إلى إسرائيل، فلن يسمح له بالعودة إلى البحرين... وحسب رواية بلغريف فهناك يهوديات تزوجن من عرب بحرينيين ومسلمين ولم يتعرضوا لأي نوع من سوء المعاملة وتمكنوا من الاندماج بسهولة في نسيج المجتمع البحريني... وهناك مجموعة من العائلات لا تزال مقيمة هناك أمثال عائلة نونو ذات الأصول العراقية ومنهم السفيرة المعينة في واشنطن كذلك الأمر مع إبراهيم بن داوود الذي عين في مجلس الشورى المكون من 40 عضواً..
أما الكتاب الثالث "وادي أبوجميل - قصص عن يهود بيروت" للإعلامية ندى عبدالصمد فيقدم وقائع عادات وطقوس وحجم يهود لبنان، تصف فيه هجرتهم بالرحيل الصامت والطوعي بعد أن عرفت الطائفة اليهودية في لبنان الحديث ذروة ازدهارها في العشرينيات وحظيت بحماية كفلها القانون وبالعديد من الامتيازات مثل معظم الطوائف اللبنانية وفي مطلع الخمسينيات صدر قانون الأحوال الشخصية الذي ينظم إدارة شئون الطوائف وأتباعها ومن بينها الطائفة اليهودية وجعل تنظيم شئون الطوائف في يد مجلس الطائفة... الملاحظة الجديرة بالتوقف والتمعن أنه مع حلول نكبة فلسطين ازدادت الهجرة اليهودية إلى لبنان، فقد زاد عدد اليهود فيه مقابل عدد قليل من الذين غادروا إلى إسرائيل، وتروي ندى عبدالصمد "لم أجد تفسيراً لرحيلهم الصامت وأبوابهم التي أغلقوها من دون إعلام جيرانهم، مع أن وضعهم كان الأحسن بين الدول العربية، ذلك أن عددهم ارتفع بعد إعلان دولة إسرائيل العام 1948، ليتراوح بين اثني عشر ألفاً وخمسة عشر ألفاً العام 1958، على اعتبار أن عدد اليهود في لبنان زاد بعد نكبة فلسطين مع هجرة يهود العراق وسورية إليها، ثم تراجع العدد بعد حرب 1967، ليصل إلى ثلاثة آلاف ومئتي شخص، أما عددهم حالياً فلا يتجاوز الخمسين يهودياً.
الاستنتاج الذي يخرج به القارئ أن أحوال اليهود وحريتهم الدينية محفوظة وان رحيلهم كان طوعياً ولم تحصل مصادرة لأملاكهم وأموالهم واتخذوا قرار مغادرتهم من تلقاء أنفسهم وسط مخاوف طبيعية من انعكاسات نكبة 1948 وعدوان 1956 وحرب 1967 وما خلفته من صراعات ومواجهات ومآسي إنسانية بتشريد وتهجير الملايين من الشعب الفلسطيني واحتلال الأراضي العربية...
الجامع بين قصص يهود لبنان أنهم غادروا بسرية تامة وبملء إرادتهم وانقطعت أخبارهم والمتداول أن العدد الأكبر من المهاجرين اتجه إلى أوروبا وأميركا وكان أقل بكثير ممن ذهب إلى إسرائيل..
لماذا هذا السرد والربط بين يهود مصر ويهود البحرين ويهود لبنان ؟ هل هناك تقصير بحق اليهود العرب من قبل العرب أنفسهم ؟
الرأي السائد أن فتح ملف اليهود والعرب من قبل "دولة إسرائيل" يدخل في خانة الابتزاز السياسي والمقايضة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين واستعادة ممتلكاتهم التي اغتصبت منهم العام 1948 وما بعدها.. وبحسب المصادر الإسرائيلية التي أعلنت استحداث دائرة جديدة بوزارة شئون المتقاعدين فإن غايتها "البحث عن أملاك لليهود الذين هاجروا من الدول العربية واستعادتها" فهناك 130 ألف يهودي تركوا أملاك تقدر بـ 10 مليارات دولار فأحد الإسرائيليين وهذا من باب الفكاهة يدعي أن لديه وثائق تثبت أن جده الذي جاء من إيران ترك سبعة آبار نفط !!
يبدو أن العقلية الإسرائيلية تجيد شفط التعويضات وفتح الملفات بعد أن نجحت بسحب المليارات من ألمانيا كتعويض عن المذابح التي تعرضوا إليها أثناء حكم النازيين لكنها تراوغ وتخترع القصص "المبكية" بهدف استدرار عطف الرأي العام الدولي على أحوال اليهود العرب من أجل التغطية على ملف اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة وإبعاد هذا الشبح من بند المفاوضات التي تجريها مع السلطة الوطنية الفلسطينية لشطبه نهائياً وإغلاقه...
قصة اليهود العرب أو اليهود الشرقيين الذين جيء بهم إلى إسرائيل بعد قيامها كدولة العام 1948 تحتاج إلى نقاش موسع ليس مجاله في هذا التقرير وإن كانت المعالجة بعيدة عن السؤال الأعوج الذي يجتهد البعض فيه، من أين جاء اليهود العرب وكأنهم من جنس آخر أو عرق آخر غير اليهود الذين عرفتهم الجزيرة العربية وكانوا في يثرب (المدينة) والتجأوا إليها عند تعرضهم للاضطهاد وغير اليهود الذين رفع مسلمو الأندلس الاضطهاد عنهم وتعاملوا معهم على أنهم "أهل ذمة" وسمحوا لهم بالبقاء على دينهم وممارسة شعائرهم، وتركوا لهم حرية السكن بين المسلمين ومزاولة أعمالهم وتجارتهم وحفظ أموالهم وحقوقهم، وعاشوا عشرات السنين تحت الحكم الإسلامي في الأندلس وهو العصر الذهبي الذي يؤرخ لتلك المرحلة...
بالأمس شاهدت صوراً لفيلم عن يهود العراق وسط مدينة تل أبيب وهو عبارة عن سوق مصغر يشربون فيه الشاي العراقي ويغنون كأنهم في أحد أسواق بغداد يجلسون في مقهى عزاوي وصوت المطربة سليمة مراد وهي تردد من روائع التراث العراقي...
خدري الجاي خدري عيوني المن اخدره
مالــــــج يـــــابعــــــد الــــروح دومـــج مكــــدره
بعـــــد هــــواي يانـــاس إلمــــن آنـــه اصــــبه
محـــــد بعــــد عينـــاه يســـــتاهل يـــشـــربـــه
أحـــــلــــــف ماأخــــدره ولا اكــعــــــد اكبـــالـــــه
الا يجـــي المحبــــوب واتهـنــــــه بجمــالــــــه
اي واللهـــــــو حيـــــاتــــك أبـــداً مــــــــا اخــــدره
واخذ فـــــاس بــــيــــــدي للقــــوري اكســــــــره
فيهود العراق الذين رحلوا منها أو تم ترحيلهم بـ"عمليات تفجير دبرتها الحركات السرية" لأسباب سياسية وأخرى مرتبطة بالحركة الصهيونية والمخابراتية بادرت الحكومة العراقية في حينه إلى إنشاء دائرة تسمى، دائرة الأحوال المجمدة لتحفظ ملكية اليهود هناك... بينما يكشف أستاذ مساعد للدراسات العبرية والإسرائيلية بكلية الآداب بجامعة عين شمس عبدالله رمزي، أن "وثائق الجينزاه" والعائدة للطائفة اليهودية في مصر والموجودة في دار الكتب ومركز الدراسات الشرقية في جامعة القاهرة... جانباً مهماً من اضطرار اليهود للخروج من مصر بأن ذلك كان خشية الاجتياح الألماني للعالم العربي أو لأسباب عائلية أو مالية أو شخصية أو اجتماعية كانت كلها دوافع إلى ترك مصر والبحث عن الرزق في مكان آخر وهو ما يصل به إلى القول بأنه لم يتم الاستيلاء على أي من ممتلكات اليهود المصريين وأن 80 في المئة من الذين غادروها كانت وجهتهم أميركا وأوروبا والباقي إلى إسرائيل.