أي خريف ينتظر اللبنانيين؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد المزعل
لا يمكن اليوم تجاهل ما يحدث، او ما يتوقعه الكثيرون ان يحدث، في لبنان في شأن قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. يتوقع اكثر المحللين ان يتم خلال شهرين اتهام مجموعة من حزب الله، اي من الشيعة، بالتورط في اغتيال ما وصف يوما بأنه "زعيم السنة" في لبنان. هذه التوقعات أكدها قبل بضعة ايام الامين العام لحزب الله، الذي قال انه تبلغ بهذه المعلومات من قبل رئيس الحكومة الحالي سعد الحريري. كلام حسن نصر الله جاء في سياق الدفاع عن موقف الحزب في وجه "مخطط كارثي يحاك للبنان"، حسب قول سليمان فرنجية، النائب المسيحي البارز وحليف حزب الله "السرمدي" (حسب وصفه هو شخصيا).
يقول فرنجية ان ما بعد اتهام افراد من حزب الله باغتيال الحريري لن يشبه ما قبله ابدا. "ولن يكون كيوم السابع من مايو" بل سيتعداه الى ما يمكن ان يكون حربا اهلية جديدة، ولكن ابشع كثيرا من تلك التي انتهت في العام 1990.
في السابع من مايو 2008 سيطرت قوات حزبية حليفة لحزب الله "من القوميين وامل وغيرهما" على بيروت ومداخلها ردا على قرار لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة بتفكيك شبكة اتصالات حزب الله السرية ومحاكمة المسؤولين عنها "اي قادة الحزب بمن فيهم نصر الله". معلوم جيدا ما حصل في تلك السويعات القليلة من سقوط كامل لمفهوم الدولة. حتى ان المفتي، الشيخ محمد رشيد قباني، خرج برسالة على الهواء مباشرة يستنجد بالعرب "لإغاثة اهل السنة في لبنان". وحمد اللبنانيون الله كثيرا يومها ان احد لم يتدخل. وانتهت "العملية الموضعية"، حسب وصف حزب الله، بإلغاء القرار الحكومي، تبعه مؤتمر صلح في الدوحة اسفر عن تشكيل حكومة جديدة تحضر للانتخابات النيابية والتي جرت في العام التالي، يونيو 2009.
كان لبنان على وشك السقوط في حرب اهلية جديدة في ذلك اليوم. لكن خصوم حزب الله اعلنوا الاستسلام "اعلن ذلك وليد جنبلاط على الهواء في اتصال مع قناة الجزيرة" تركت الاحزاب مواقعها في بيروت، سلمت الاسلحة الى الجيش. وتبادل "الزعماء" تبويس اللحى في ا لعاصمة القطرية. وعادت بيروت تستقبل السياح الذين تجاوز عددهم المليونين بعد شهرين فقط من تلك |الحرب الصغير".
لبنان اليوم، ما يقول فرنجية، مهدد بما هو اعظم "جريدة السفير" تعتبر ان ما سيجري في لبنان اذا اتهم حزب الله "وهي توقع اتهام قياديين في الحزب وليس مجرد افراد عاديين" سيفوق التوقعات، بالمعنى السلبي طبعا الصحيفة تذهب ابعد من ذلك. يقول كاتبها: "ينبه مصدر سياسي واسع الاطلاع الى ان الفتنة المحتملة قد لا تتخذ شكل الصدام المسلح المباشر، لا سيما ان موازين القوى لن تسمح لأي فريق داخلي بخوض مواجهة مع حزب الله، وهذا ما ثبت في 7 مايو، وبالتالي فإن الخشية هي من تسرب نموذج (العرقنة)، بحيث تنقل عدوى التفجيرات والعمليات الارهابية، على اساس مذهبي، من العراق الى لبنان، مع ما يترتب على ذلك من فوضى عارمة لن يكون من السهل ابدا السيطرة عليها".
سيكون من الغباء الرهان على تفاهم لبناني داخلي يجنبه تلك (العرقنة). يبرع اللبنانيون كثيرا في لعبة "حوار الطرشان". وسياسيوه مشهورون بعشقهم لسياسة "حافة الهاوية". والبلد لا تخشى الدم الذي سال غزيرا على مر تاريخها، منذ حرب الدروز والموارنة في العام 1860، التي لم تتوقف حتى دخل الجيش الفرنسي قلب العاصمة بيروت مجبرا السلطات العثمانية على التدخل لوقف المجازر. وفرض الأوروبيون يومها على الباب العالي في اسطنبول منح جبل لبنان المسيحي صفة الاستقلال الذاتي برئاسة محافظ من مسيحيي تركيا.
وليس بعيدا تاريخ حرب الخمسة عشر عاما. وما تخللها من مجازر "متبادلة" تل الزعتر، الدامور، الميناء، صبرا وشاتيلا. والكثير مما جرى في الظلمة بين الازقة ولم يتم تسجيله. كثيرة هي التحليلات، منها ما هو تبسيطي يحاول التهوين من الامر او اي تداعيات محتملة، نافيا ان يكون الادعاء العام في قضية الحريري قد حسم امره او حدد المتهم المفترض في جريمة الاغتيال. ومنها شطط واسع الخيال. يتحدث عن مؤامرة ايرانية وراء اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق لانه مثل "خطرا" على حزب الله والهيمنة السورية على لبنان. ويعتبر هذا التحليل ان حزب الله كان الاداة المنفذة.
وبعض التحليلات تعتبر ان مبدأ "الفوضى الخلاقة"، الذي اعتنقته ادارة جورج بوش لإعادة تشكيل الشرق الاوسط في ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لايزال قائما بمباركة الرئيس الحالي باراك اوباما "من تحت الطاولة"، فيما تسعى واشنطن لحسب قواتها الضخمة من العراق، الغارق حتى الثمالة في الفوضى غير الخلاقة أبدا.
السياحة عامرة في لبنان هذا الصيف. والتوقعات ان يستمر ذلك الهدوء حتى سبتمبر المقبل. لكن ذلك تبسيط لما يمكن ان يحدث في اي لحظة، اذا لم تسع الرؤوس الباردة الى ابعاد شبح الفتنة المذهبية القادمة لا محالة اذا صحت توقعات حزب الله باتهام بعض افراده بجريمة قتل الحريري. كل يضع يده على قلبه. لبنان الصغير لا يحتمل خضة جديدة، خاصة اذا كانت "كارثية" كما يقول فرنجية. والمنطقة لا تحتمل عراقا آخر. لكن ذلك بحاجة الى "رجال دولة" يزنون الامور ويضعون المعطيات في نصابها. مثل رياض الصلح، رجل الاستقلال الذي صارت سيرته تحت الاضواء مجددا بعد نشر الكتاب الجديد الرائع للمؤرخ باتريك سيل، "رياض الصلح: الصراع حول الاستقلال العربي"، وهو سيرة تاريخية جامعة ومثيرة لرجالات الدولة العرب في مطلع القرن الفائت، حين كان العرب يسعون للاستقلال عن الدولة العثمانية. لكن ذلك حديث آخر.
اما اليوم فيبقى لبنان اسير الانتظار القاسي، والبطيء. كالمحكوم بالإعدام ينظر الى عقارب الساعة تقرب منه ببطء مؤلم ساعة حتفه.