الفساد في بلادنا العربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد كريشان
لم يبق سوى أفغانستان لنأخذ منها العبر على هذا الصعيد! الخبر يقول التالي: أعلن فضل أحمد فقيريار النائب السابق للمدعي العام في أفغانستان أن الرئيس حامد كرزاي أقاله الأسبوع الماضي لأنه رفض وقف تحقيقات في قضايا فساد طالت مسؤولين كبارا بينهم وزراء في الحكومة وسفراء. وتعيد تصريحات فقيريار التي أدلى بها لصحيفة 'نيويورك تايمز' إلى الواجهة اتهامات من عدة أطراف دولية لكرزاي بالسكوت عن ممارسات فساد وتلاعب بالأموال في أوساط المسؤولين الأفغان، أو توفير الحماية لبعض المشتبه فيهم.
أمران في الخبر يستحقان التوقف قليلا: الأول أنه مع كل مصائب أفغانستان متعددة الأوجه أتيح المجال لفتح تحقيق قضائي في فساد وزراء وسفراء وأحد أبرز المقربين من الرئيس، الثاني أنه عندما تدخل الرئيس وأجهض مسعى التحقيق هذا لم يتردد المشرف عليه أن يخرج إلى الإعلام ويفضحه مباشرة وبالاسم بلا لف ولا دوران. كلا الأمرين ببساطة شديدة غير واردي الحدوث في بلادنا العربية.
من شبه المستحيل تقريبا أن نشهد ملاحقة لمسؤول عربي كبير بتهمة الفساد حتى وإن كانت رائحة فساده تزكم الأنوف. أكثر من ذلك من المستحيل أيضا أن نشهد أية ملاحقة ليس لهؤلاء فقط بل لأقربائهم الذين عادة ما يرتعون بالطول والعرض في عالم المال والصفقات والاستحواذ على أراضي الدولة واحتكار تمثيل الشركات العالمية الكبرى في بلدانهم دون وازع ولا رادع. قد نطمع في مرحلة أولى بالحالة الأفغانية، لا بأس اشرعوا في التحقيق ثم أوقفوه لاحقا!! هنا على الأقل نظفر ببعض المعطيات والشهادات الموثقة للفساد في انتظار أيام أفضل. لا محاسبة عندنا إلا في إطار تصفية حسابات عندما يتصارع المفسدون فيما بينهم أو يتضح أن كعكة الفساد أصغر من أن تشبع نهمهم جميعا الذي لا حدود له.
في نهاية شهر تموز/ يوليو الماضي انعقد بالعاصمة اليمنية صنعاء المؤتمر الإقليمي الثاني للشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد بحضور 120 شخصية مختصة من 17 دولة عربية إلى جانب عدد من المنظمات الدولية ذات الصلة. من أبرز ما خلص إليه المؤتمر أن مكافحة الفساد تتطلب شروطا أساسية 'أهمها توفر الإرادة السياسية' وأن الفساد لا يحارب فقط من خلال مكافحة جرائمه بل 'من خلال مقاربة شاملة تشمل معالجة نقاط الضعف في آليات إدارة الحكم و(ضرورة) توسيع المشاركة (السياسية) وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية'.
هنا مربط الفرس، حتى أن الكلمات التي توجد بين قوسين هي من إضافة كاتب المقال ولا أعتقد أن غيابها كان صدفة...إذ كيف لهؤلاء المشاركين أن يملوا على قياداتنا الحكيمة والملهمة 'ضرورة' معينة باعتبار أن هذه القيادات هي من تقدر وحدها الضرورات والمحظورات، كما أن ترك مفردة المشاركة دون إضافة 'السياسية' أسلم تماما في كل الأحوال. ومع ذلك فإن المؤتمر يكفيه شجاعة الإشارة إلى 'الإرادة السياسية' كأهم شرط لمحاربة الفساد في بلادنا العربية وهو بالضبط ما نفتقده. العكس هو الصحيح بالكامل حيث ان القيادات هي من يوفر الغطاء للفساد ويحميه ويستفيد منه كذلك فقد أثبتت التجارب أن الدكتاتورية بكل ما تعنيه من غياب الحريات وعلوية سلطة القانون والقضاء المستقل هي من يقود إلى الفساد كما أن الفساد لا يمكن أن يقود بدوره إلا إلى الدكتاتورية لأنهما كالإناء الذي لا بد له من وعاء وغطاء.
لعل المؤتمر الدولي لمكافحة الفساد الرابع عشر الذي سيقام هذا العام في الفترة من 10 - 13 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل في بانكوك سيشكل فرصة جيدة لمعرفة موقع العرب من خارطة الفساد الدولي، ذلك أن هذا المنتدى هو الأبرز دوليا حيث يجمع بين رؤساء الدول، والمجتمع المدني والقطاع الخاص. ويعقد كل سنتين في منطقة مختلفة من العالم، ويجتذب ما يصل إلى 1500 مشارك من أكثر من 135 بلدا.