عالم جديد مع الدولة الفلسطينية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
راجح الخوري
تدرك الادارة الاميركية بلا ريب انها تدخل الآن ساحة "معركة سياسية"، ستكون الهزيمة فيها إن حصلت، اسوأ من كل الهزائم الاخرى التي ترتسم معالمها الآن في افغانستان وباكستان والعراق.
ان قليلا من التأمل في عمق الحقائق، وفي الخلاصات التي بنى الرئيس باراك اوباما عليها محتوى خطابيه في القاهرة وانقرة في بداية عهده، يكفي عمليا لكي يدرك البيت الابيض، وهو يدير المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، انه امام فرصة تاريخية لتصحيح علاقته مع العرب والمسلمين، بما يطوي صفحة من الحروب والكراهيات، ويبدأ صفحة جديدة من كتاب آخر قد يكون عنوانه: "عالم جديد مع الدولة الفلسطينية".
لا ندري اذا كانت المفاوضات، التي ضغطت واشنطن كثيرا لجعلها مباشرة وتضع محمود عباس في مواجهة بنيامين نتنياهو، قد ذهبت الى هذا البعد في مقاربتها لمحاولة احياء "عملية السلام"، التي بدأت في اوسلو عام 1993 وتوقفت لمدة 17 عاما لتستأنف من جديد.
ولكن الامور تبقى رهنا بنتائجها رغم كل ما قيل عن ان ادارة اوباما في حاجة الى تقديم "بيان انتخابي" ناجح الى الصوت اليهودي، عشية الانتخابات النصفية في الكونغرس التي ستجري في تشرين الثاني المقبل، وان حكومة نتنياهو، التي تواجه عاصفة من اللوم والادانات الدولية، في حاجة بدورها الى تصحيح صورتها، ولهذا فان الذهاب الى التفاوض ضروري ومفيد في هذا المجال.
❐ ❐ ❐
كل هذا ليس خافيا على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي حاول تدارك الضغوط الاميركية المتوحشة عليه، قبل الذهاب الى المفاوضات المباشرة، ثم وافق ربما على قاعدة معادلة اقامها للقضية الفلسطينية ولنفسه ايضا ويمكن ان تتلخص بما يأتي:
❐ اولا: تتبنى الادارة الاميركية شعار اقامة الدولة الفلسطينية وتعد بتحقيق هذا الهدف الجوهري عبر المفاوضات وفي خلال مدة لن تتجاوز عاما ونصف العام، ربما لان تجديد ولاية اوباما يتطلب تحقيق هذا الانجاز، فلماذا لا نضعها امام امتحان يراقبه العالم كله؟
❐ ثانيا: رغم نياته الاستيطانية والتوسعية ومعارضته العميقة لقيام الدولة الفلسطينية، نطق نتنياهو بما اعتبرته واشنطن الكلمة السحرية اي "الدولة الفلسطينية"، فلماذا لا "نلحق الكاذب الى الباب" لنكشفه امام العالم مرة اخرى، كما نعرفه نحن اصلا؟
❐ ثالثا: هناك ما يسمى "الرباعية الدولية" والرأي العام الدولي الذي يزداد اقتناعا بان اسرائيل ترفض السلام، وتبقي الشرق الاوسط وشبكة المصالح الدولية فيه رهن المخاوف والاخطار، نتيجة سياستها العدوانية وتغاضي اميركا عنها، فما المانع من تقديم اثبات عملي وواقعي جديد يشكل بالتالي ادانة اضافية لسياسة التوسع والعدوان وكذلك للدعم الاميركي الاعمى لهذه السياسة؟
❐ رابعا: لقد وأد الاسرائيليون عملية السلام التي انطلقت في اوسلو عام 1993، ثم افشلوا سلسلة متواصلة من محاولات التسوية جرت في اماكن كثيرة، وابرزها عام 2000 مع الرئيس الاميركي سابقا بيل كلينتون ثم الرئيس السابق جورج بوش عام 2007.
ان هذا يعني ان الفلسطينيين خسروا عقدين من الزمن في قبولهم مبدأ التسوية، التي يقر المجتمع الدولي انها يفترض ان تقوم على مبدأ الارض في مقابل السلام. فما المانع الآن من خسارة سنة اخرى، حتى لو كانت ستنتهي بالفلسطينيين حيث هم الآن، ولكنها ستكشف مرة جديدة مدى صدقية واشنطن ومدى عدوانية تل ابيب وتمسكها بالاحتلال والتوسع؟
❐ خامسا: اذا كان واضحا منذ الآن الى اي حائط مسدود يريد نتنياهو ان يدفع بالمفاوضات اليه، سواء من خلال تمسكه بسياسة الاستيطان او من خلال الاصرار على يهودية الدولة الاسرائيلية، بما قد يمهد لـ"ترانسفير" جديد لفلسطينيي عام 1948، او من خلال الشروط غير المقبولة اطلاقا التي يريد فرضها على الدولة الفلسطينية، فما المانع من ان نضعه اولا تحت اضواء دولية كاشفة عبر الذهاب الى المفاوضات، وان نحرمه ثانيا ان يقول غدا ان الفلسطينيين هم الذين اهدروا فرصة تحقيق السلام، عندما رفضوا قبول المفاوضات؟
اذاً، لنفاوض، ان لم يكن للوصول الى اقامة الدولة التي ستبقى هدفا وطنيا وقوميا، فعلى الاقل لمزيد من تعرية الاميركيين والاسرائيليين!