مذكرات «بلير»... أين عبارات الندم؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الغضب الشعبي من رئيس الوزراء السابق لم يتلاشَ
يملك عدداً من المنازل في بريطانيا، ولكنه يقضي معظم وقته في الخارج. وقد قاد حزبَ "العمال" إلى الفوز في الانتخابات ثلاث مرات، ولكنه كان غائباً تقريباً خلال الانتخابات الأخيرة. وهيمن على وسائل الإعلام البريطانية طيلة عقد من الزمن، ولكنه توارى عن الأنظار. غير أن توني بلير يعرف كيف يستأثر بالأضواء عندما يرغب في ذلك؛ وهذا الأسبوع، ستكون الابتسامةُ العريضة والعينان اللتان تلمعان دهاء حاضرةً في كل مكان مرة أخرى، إلى جانب شعر أكثر رمادية؛ حيث سيطل علينا وجه رئيس الوزراء السابق من واجهات المكتبات في كل مكان مع صدور مذكراته الخاصة (يفترض أن تصدر اليوم الأربعاء)؛ في وقت ينتظر فيه- المراقبون والزملاء السابقون والأصدقاء والخصوم على أحر من الجمر- الفرصة للبحث في أكثر من 600 صفحة عن بوح واتهامات مضادة، وندم عقد من الزمن على قمة السياسة البريطانية.والواقع أنه حتى الآن، لم يكشف لا المؤلف ولا الناشر عن أي شيء. ومع ذلك، فقد تمكن بلير من تحريك المياه حتى قبل صدور الكتاب، مقدماً بذلك دفعةً قوية لطلبات الشراء قبل الصدور، ومذكرا مواطنيه بأنه مايزال شخصيةً مثيرة للانقسام والجدل منذ تنحيه عن السلطة قبل ثلاث سنوات. وقد تلقى بلير 7 ملايين دولار كدفعة أولى عن كتابة "توني بلير: رحلة" (العنوان الأصلي كان هو "الرحلة). ولكن منتقديه يرون أن هذا الكسب الجديد إنما يمثل دليلا آخر على "مشروع بلير الغني"، في إشارة إلى جهوده الحثيثة المزعومة لتكديس ثروة على حساب معارفه. غير أن بلير فاجأ الجميع هذا الشهر عندما أعلن عن تبرعه بالدفعة الأولى، وكل عائدات الكتاب لصالح "الفيلق البريطاني الملكي"؛ وبشكل خاص، لمركز إعادة تأهيل الجنود القدامى المصابين. وهو ما علقت عليه صحيفة "ديلي تليجراف" بالقول إنه "العمل الجيد الذي صدم البلاد"، كونه صدر عن زعيم جر بلاده إلى حربين لا تحظيان بالتأييد الشعبي في العراق وأفغانستان.
وعلى نحو مفاجئ، عاد بلير ليهيمن على عناوين الصفحات الأولى للجرائد؛ ولكن رد الفعل على التبرع كان فورياً، ومعظمه سلبي، حيث وصفه والدُ أحد الجنود الذين قضوا في الحرب بـ"الدية"، بينما اعتبره آخرون محاولةً من بلير لإراحة ضميره على خلفية الانضمام إلى الولايات المتحدة في خوض الحرب في العراق بناء على أدلة تفتقر للمصداقية.
وفي غضون ساعات، قفز الكتاب إلى قمة قائمة الكتب العشرة الأكثر مبيعاً على موقع "أمازون" البريطاني.
وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول المؤرخ أنتوني هاورد: "إنها خطوة علاقات عامة مثيرة للشكوك، لأن الناس سيميلون إلى القول إنه يحاول إخراج نفسه من المتاعب بواسطة المال"، مضيفا "يمكنني أن أفهم دوافع ... الناشرين. ولكنني مذهول لكون مستشاري بلير لم يقولوا له "انتظر لحظة، لنفكر في هذه المسألة مليا"" .
الأشخاص الأكثر تعاطفاً مع الزعيم السابق يقولون إن التبرع نابع عن احترام حقيقي للقوات المسلحة وإعجاب بها، ويهزؤون من إشارات البعض إلى أن الكتاب يمثل اعتذاراً غير مباشر، ويشتكون من أنه مهما فعل توني بلير، إلا أن مجموعة من المنتقدين وأتباعهم سيسارعون للتقليل من شأنها والتشكيك فيها. وفي هذا الإطار، يقول "جون رنتول"، كاتب سيرة بلير: "إنهم لا يكرهونه لجنيه الكثير من المال فحسب، وإنما يكرهونه لأنه تبرع بـ5 ملايين باوند منها"، مضيفا "ما أجده غريبا ومسيئا هو أن الأمر يمثل على نحو ما اعترافا بالذنب، وهي قراءة الجبهة المعارضة للحرب للدوافع التي دفعت الرجل الذي يحبون أن يكرهوه إلى تأليف هذا الكتاب".
والحقيقة، أن كل من يبحث عن عبارة ندم في الكتاب سيصاب بخيبة أمل ربما بعد الانتهاء منه. ذلك أن بلير لم يتراجع أبدا عن موقفه من أن غزو العراق في 2003 كان مبررا، موقف كرره بقوة في يناير الماضي أثناء إدلائه بشهادته أمام لجنة مستقلة مكلفة بالتحقيق في مشاركة بريطانيا في الحرب.
وقد تظاهر مئات الآلاف من الأشخاص في لندن احتجاجاً على قرار بلير إرسال قوات بريطانية قبل سبع سنوات؛ ولكن عشرات من المتظاهرين فقط حضروا للتنديد به أثناء مثوله أمام اللجنة، وهو ما يُظهر أن الغضب بسبب الموضوع قد بدأ يتلاشى ربما، ولكنه مازال موجودا. وفي هذا السياق، يقول جون كرتيس، وهو خبير في السياسة البريطانية بجامعة ستراتكلايد، في سكوتلندا: "اذكر اسم توني بلير، وستسمع صفيرا وأصوات امتعاض واستهجان"، مضيفا "إنه شخص يرد عليه الناس بالطريقة نفسها التي يردون بها على (مارجريت) تاتشر"، التي مازال العديد من البريطانيين يذمونها حتى بعد 20 عاما على تركها السلطة.
ولكن "كرتيس" يرى أن نوبة كره بلير التي ميزت أعوامه الأخيرة في السلطة قد خفت قليلا مع مرور الوقت وانسحاب القوات البريطانية من العراق.
عادة يكون تلاشي الذكريات أحد أسباب خبو مشاعر العداء، ثم هناك سبب آخر يكمن في حقيقة أن بلير حرص على الاختفاء نسبياً في الداخل منذ تقاعده من الحياة السياسية الحزبية. وبالمقابل، فإنه انضم إلى الجهود الدولية التي تجعله يجول العالم كل ثلاثة أسابيع من أصل أربعة بسبب: مشاريع حول الحكامة الجيدة في إفريقيا، وعمله كمبعوث خاص للشرق الأوسط، ومشاركته في مؤتمرات حول تغير المناخ. والشهر المقبل، من المرتقب أن يتسلم "ميدالية الحرية" المرموقة في الولايات المتحدة، وهو بلد يُستقبل فيه عادة بقدر أكبر من الحرارة والحماس مقارنة مع وطنه. ومن المرتقب أن يسلمه الجائزةَ الرئيسُ كلينتون، وهو زعيم آخر يثير ردود فعل عاطفية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
"إم. سي. تي. إنترناشيونال"
هنري تشو - لنـدن