حول إعادة صناعة الشرق الأوسط
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
محمد عاكف جمال
يدور حديث مكثف داخل الدوائر التي تصنع الاستراتيجيات في واشنطن، حول ما يمكن تسميته بالصفقة الكبرى لإعادة صياغة سياسات منطقة الشرق الأوسط، بعد أن بدأت الولايات المتحدة تواجه تحديات جدية فيها، وأصبحت بحاجة إلى إعادة النظر في سياساتها التي جربتها على مدى العقود الماضية، وبعد أن بدأت معادلات الاتزان التقليدية بالاختلال.
الطروحات الجديدة جديدة فعلاً، فهي تتمحور حول القبول بدور القوى التي يطلق عليها قوى التطرف، التي كانت وعلى أمد طويل مستبعِدة نفسها أو مستبعَدة عن موائد الحوار، رغم حضورها القوي في الساحة السياسية.
هذه القوى تحمل شعارات إسلامية وتتخذ مواقف حدية متطرفة مضادة لسياسات الولايات المتحدة، ولهذه القوى حضور قوي في باكستان وأفغانستان ولبنان وغزة والعراق.
ورغم أنه لا يجمعها إطار أيديولوجي واحد، فهي تنتمي إلى مذاهب إسلامية مختلفة، إلا أنها تشترك في عدائها للولايات المتحدة وإسرائيل. عراب هذه القوى في الوقت الحاضر، كما ترى واشنطن، هو إيران لأنها الأكثر حضوراً في أغلب المناطق التي أشرنا إليها، وهي مناطق التماس مع الولايات المتحدة مباشرة أو مع إسرائيل أقرب حلفائها في المنطقة.
العراق وأفغانستان موقعا التماس بين الولايات المتحدة وإيران، لبنان وغزة موقعا التماس الإيراني مع إسرائيل. إلا أن مواقع التماس هذه قد يصبح بعضها مواقع تفاهم وليس مواجهة، مثل العراق وأفغانستان وإلى حد ما غزة، إلا أن من المستبعد أن يكون ذلك في لبنان، فالوضع في غاية التعقيد طالما أنه خط مواجهات دامية مع إسرائيل على أمد طويل.
الولايات المتحدة غير راغبة في الدخول في حرب جديدة في المنطقة، رغم أنها لا تزال تلوح بصوت أخف بخيار استخدام القوة ضد إيران، فهي لمّا تنجز كل مهامها بعد في أفغانستان والعراق، رغم انسحاب قواتها الجزئي من العراق مع نهاية أغسطس المنصرم، وهي تخشى أن تتورط في حرب تبدأها إسرائيل.
فما هي آفاق الخروج بحلول تسمح بالتخفيف من الاحتقانات أو تجنب تصعيدها على الأقل؟ وما هي الصفقة الكبرى التي تهيئها الإدارة الأميركية بعيداً عن قعقعة السلاح؟
قد تعقد الولايات المتحدة صفقات مع قوى معادية في المنطقة، ولكن بعد إضعافها كي تخفض سقف مطالبها، فها هي تزيد من قواتها في أفغانستان، لتحقق انتصارات تضطر فيها حركة طالبان إلى القبول بعرض الانضمام للعملية السياسية والمشاركة في الحكم، كما حصل في العراق، وبالتالي تنجح في عزل هذه الحركة عن تنظيم القاعدة الأكثر خطورة على مصالحها.
المطالب لها أولويات بالنسبة للطرفين، وعلى رأس المطالب بالنسبة لإيران، يأتي الحصول على ضمانات حول أمنها الوطني، فهي على علم بأن علاقاتها الشائكة مع الغرب، وخصوصاً مع الولايات المتحدة، تشكل عامل قلق لها، خاصة وأن وضعها الداخلي فيه الكثير من المواضع الهشة التي تسمح باستغلالها في إضعاف النظام القائم، وإيجاعه وإشغاله بقضاياه الداخلية.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فلا شك أن أبرز ما تسعى إليه إدارة الرئيس أوباما هو تأمين المصالح الأميركية الواسعة في المنطقة، خاصة أمن قواتها في العراق. وقد يكون أمن إسرائيل من أبرز هذه المصالح، لأن الالتزامات الأميركية نحو ذلك قد ازدادت، بعد أن ألزمتها بعدم مهاجمة المواقع النووية الإيرانية.
اتخذت الولايات المتحدة عدة خطوات حتى الآن يمكن أن تفسر على أنها غزل مع إيران، فقد ألزمت إسرائيل بعدم التعرض لمنشآتها النووية، ولم تعترض على تشغيل مفاعل بوشهر، ووضعت ثقلها إلى جانب مرشح لرئاسة الوزراء في العراق لا تعترض عليه طهران. كما أنها لا تبدي معارضة وهي ترى سياسيين عراقيين كبارا، يقومون بزيارات مكوكية إلى طهران وإلى قم، لإشراك إيران في صناعة القرار العراقي.
العراق هو الواجهة الأساسية للمواجهة بين المصالح الأميركية والإيرانية، وهو المكان الذي لا تمانع إيران في التضحية ببعض مناطق نفوذها الأخرى مقابل تأمين مصالحها فيه. فلدى إيران مشاكل حدودية ومائية مع العراق في الوسط والجنوب، ولديها مشاكل أمنية مع حزب بيجاك الكردي الإيراني، الذي يقاتل من أجل الحقوق القومية لأكراد إيران من قواعد تدعي إيران أنها داخل أراضي كردستان العراق في جبال قنديل.
كما أن لإيران أطماعا لا تخفيها في بعض الحقول النفطية العراقية، وتهدد بين الحين والآخر بالمطالبة بتعويضات عن حرب السنوات الثماني مع العراق، كما يهم إيران أن يكون العراق سوقاً لبضائعها، ويهمها أن يكون لها رأي في مساراته وفي مستقبل النظام السياسي فيه.
الحقيقة أن الولايات المتحدة كدولة محتلة عليها مسؤوليات تجاه العراق، وليس من حقها التفريط في مصالحه بغية التخفيف من الضغوط التي تعاني منها، فهي إن فعلت ذلك الآن دون أن يتمكن العراق من الاعتراض، فإنها تزرع بؤر نزاعات مستقبلية ستقلق المنطقة.
كما أن عقد صفقات تجرد العراق من سيادته على أرضه وسمائه ومياهه وثرواته، وترتهن قراره السياسي، يضعف كثيراً من مصداقيتها أمام حلفائها في المنطقة، والتي حرصت على مدى عشرات السنين على إدامة علاقاتها المتينة معهم.