ما الذي تحتاجه البحرين؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خليل الزنجي
لو تعملق هذا السؤال في ذهنية الطبقة السياسية في البحرين او شغلها على اقل تقدير منذ بداية المشروع الاصلاحي لجلالة الملك لما وصل الامر بنا الى هذا المنعطف من التدهور الامني ونتائجه المدمرة على جميع الاصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فكل ما يحدث نتيجة طبيعية لخطاب مـتأزم افرزته العقليات المدججة بالايدلوجيات التي تستحضر المظلومية التاريخية او تلك التي ما برحت تتحدث عن انظمة رجعية قائمة على رافعة امبريالية!!
لم تتعاط هذه الطبقة السياسة ممارسة وخطابا رغم وصفنا لها بالسياسية، وهي بذلك تكون مصداقا لما قاله المفكر البحريني محمد جابر الانصاري في توصيفه لعلاقة العرب بالسياسة بان كل شيء لديهم مسيس ما عدا السياسة !! وذلك في كتابه " العرب والديمقراطية ..اين الخلل؟" فكان هذا مدخلا "للتيه الامني" الذي تعيشه البلد منذ فترة ليست بالقصيرة والذي بلغ ذروته مع الاسف الشديد في هذه الايام المباركة.
وحتى لايكون كلامنا في العموميات المرسلة، التي قد لاتفيد القارىء بشيء،علينا الوقوف على عتبة التحول السياسي في البحرين بعد اطلاق المشروع الاصلاحي لجلالة الملك لنرى اين وقفت هذه الطبقة وكيف صاغت خطابها، وكوننا شهود احياء على هذه المرحلة فلنا قراءتنا التي قد تكون صحيحة او خاطئة لكنها بالنتيجة تظل قراءة قريبة من الحدث وليست بعيدة عنه.
كانت هناك رؤيتان لما تحتاجه البحرين، الرؤية الاولى هي بناء دولة المؤسسات والقانون وخلق الارضية المناسبة لانطلاق عهد بحريني جديد تؤسس عليها دولة حديثة مكتملة المؤسسات الدستورية و لها توجهاتها التنموية السياسية والاقتصادية، ولاشك ان هذه المرحلة تأخذ وقتا طويلا لترسيخها وهذه الرؤية كانت حجر الزاوية لمشروع جلالة الملك الاصلاحي، فلا شك انه بعدما تسلم حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم خلفا لوالده الامير الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة في مارس1999 كان السؤال الكبير الذي دار في خلده " ما الذي تحتاجه البحرين في هذه المرحلة " فجاء الجواب على شكل مشروع اصلاحي له بعده الجماهيري يدشن به عصره ويخرج البلاد من حقبة الى اخرى.
الرؤية الاخرى كانت تنطلق من ما يمكن تسميته " الاستحقاق النضالي" لدى الطبقة السياسية المعارضة، فهذه الطبقة عانت الكثير ابان مرحلة امن الدولة فكانت السجون والمنافي ملاذهم الاخير لذلك فانها سعت الى ان يكون المشروع السياسي الجديد يتناسب ومقاسهم السياسي وبداية عصر قطف ثمار ذلك النضال، وهذا الموقف يشبه الى حد كبير مواقف الثوار الذين حاربوا من اجل استقلال بلادهم وبعد ان انتصروا ارادوا ثمنا لهذا النضال دون التفكير في ما تحتاجه بلادهم بعد نهاية الاحتلال.
لقد برز ذلك الموقف لدى الطبقة السياسية المعارضة، فجاء خطابها بعده متوترا دون النظر الى تبعات هذا الخطاب وتأثيره على الحياة السياسية، وكان الاولى انذاك والبلاد تعيش مخاض عملية التغيير او مايُطلق عليها "المرحلة الانتقالية" ان يكون الخطاب منسجماً مع هذه التحولات مع الاخذ بنظر الاعتبار ان في مرحلة التغيير لابد لاي سلطة في العالم ان تضع لنفسها هامشا للمناورة حسب ما تقتضيه اللعبة السياسية وجس نبض الاطراف المشاركة في هذه العملية، فكان خطاب هذه الاطراف يتجه نحو التشنج واتجهت بوصلة المسيرة التي تحتاجها البحرين الى طريق آخر بعد ان انشغلت بملف سياسي كان بالامكان تأجيله بعد اكتمال المؤسسات الدستورية والقانونية.
ما قلناه اعلاه يؤكده حتى الامين العام لجميعة الوفاق الشيخ علي سلمان عندما قال في مؤتمره الصحفي ان العملية السياسية بحاجة الى صبر، ولو تم تطبيق هذه المقولة منذ البدء في طريقة التعاطي مع الاحداث التي تلت التصويت على الميثاق وصدور الدستور لما دخلت البلاد في دوامة من العنف التي كان النتاج الابرز لذلك السلوك السياسي التي انتهجته الطبقة السياسية عبر تحشيد الرأي العام في قضايا يمكن حلها بين النخب السياسية دون اللجوء الى ورقة الشارع وما تفرزه طبيعة هذه الورقة من توتر عام.
اذن ما الذي تحتاجه البحرين في هذه المرحلة بعد خطابات الاستنزاف السياسي طيلة السنوات السابقة؟
ان ما اهم ما تحتاجه البحرين اليوم هو استعادة الارضية التي ينطلق منها العمل الوطني الموحد التي جاء من اجلها الميثاق عبر انهاء كل مظاهر العنف في المقام الاول والبعد عن الخطاب التحريضي المؤدي اليه واستبداله بخطاب سياسي له مفردات المرحلة مع التأكيد على الاطر الدستورية والقانوينة وتفعيلها من اجل حلحلة الملفات السياسية العالقة دون الضجيج المفتعل الذي قد يؤثر على المكتسبات الوطنية التي نالها الشعب البحريني وعدم تصوير الواقع على انه بائس وقاتم الى الحد الذي يسمح بالانفلات الامني، فما زال الطريق طويلا في العملية السياسية.